مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

مناسبة: شهر رمضان وعادات الإنسان


الشيخ د. أكرم بركات


شهر رمضان مدرسةٌ تدريبيّةٌ لتقوية حكومة العقل على سائر القوى النفسيّة لدى الإنسان. ومن مظاهر هذا التدريب ما يرتبط بتنظيم عاداته؛ ليؤدّي ذلك إلى تنظيم حركة الإنسان مع الله تعالى أوّلاً، ومع الناس ثانياً، ولا سيّما فيما يتعلّق بعادات الإنسان التي قاربها شهر رمضان بالدعوة إلى إيقاف مؤقّت لبعضها، وإلى إيجاد بعضها الآخر وتثبيته.

* الإيقاف المؤقت لعادات شهويّة
اعتاد الإنسان أن يأكل في أوقات النهار حينما يجوع، وأن يشرب فيها حينما يعطش. واعتاد المدخِّنون أن يدخّنوا السجائر حينما يريدون، ولم يكن النهار حاجزاً في عادة كثيرٍ من الناس أمام تلبية رغباتهم الجنسيّة.

أمام هذه الحرّية المتاحة، جاءت مدرسة شهر رمضان لتمنع الصائم عن الأكل والشرب والتدخين والعلاقة الخاصّة في أيّام شهر رمضان من فجرها إلى غروبها، لا ليجعل الإنسان راهباً في صومعة الوحدة؛ بل ليعلّمه كيف تقف إرادته قويَّةً أمام شهواته، فتقول لها: لا، حينما يمنعه الله تعالى، وتسمح لها بذلك في الوقت الذي تحدّده هذه الإرادة الموافقة لإرادة الله تعالى.

* أوّلاً: التأكيد على عاداتٍ عباديّة
وضع الإسلام برامج عباديّة أحبّها الله تعالى للإنسان في جميع أيّامه، إلّا أنّ خصوصيّةً فيها برزت في شهر رمضان المبارك، ولعلّ ذلك ليكون -مضافاً إلى أهميّتها الخاصّة في شهر الله- مدخلاً لتثبيتها في غيره من الشهور. ومن بنود هذا البرنامج:

1- قراءة القرآن الكريم: أكّد الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم على قراءة القرآن الكريم في شهر رمضان ببيانٍ استثنائيّ قال فيه: "من تلا فيه آيةً من القرآن، كان له مثل أجر من ختم القرآن في غيره من الشهور"(1).

إنّ هذا التأكيد يجعل المؤمن يعتاد يوميّاً في شهر رمضان المبارك أن يقرأ كتاب الله، ساعياً على الأقلّ أن ينجز تلاوة جزءٍ كاملٍ كلّ يوم.

وهذا الأمر دافعٌ أيضاً ليعتاد الإنسان على قراءة القرآن يوميّاً في بقيّة الشهور؛ ولو أن يقرأ بالحدّ الأدنى الذي رسمه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم للمؤمن في برنامجه اليوميّ، وهو خمسون آية، فعن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم: "من قرأ خمسين آية في يومه أو ليلته، لم يُكتب من الغافلين"(2).

2- الاستيقاظ وقت السحر: ورد تشجيعٌ نبويّ على تناول الطعام والشراب في شهر رمضان في الثلث الأخير من الليل؛ فعنه صلى الله عليه وآله وسلم: "تسحَّروا ولو بجرع الماء، ألا صلوات الله على المتسحّرين"(3). إلّا أنّ ما يريده الله تعالى في وقت السحر، مقدَّماً على الطعام والشراب، هو الغذاء الروحي وتذوّق لذّة العبادة من مناجاةٍ وصلاةٍ وقراءةٍ لكلام الله تعالى.

3- الصلاة في أوّل الوقت: أكّد النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم على الدعاء في شهر رمضان في أوقات الصلوات بقوله صلى الله عليه وآله وسلم: "وارفعوا إليه أيديكم بالدعاء في أوقات صلواتكم فإنّها أفضل الساعات"(4)، وفي هذا دعوةٌ واضحة ٌإلى الاهتمام بالصلاة في أوّل وقتها، وهذا ما ورد في أحاديث عديدة؛ فعنه صلى الله عليه وآله وسلم: "ما من عبدٍ اهتمّ بمواقيت الصلاة، ومواضع الشمس، إلّا ضمنت له الرّوح عند الموت، وانقطاع الهموم والأحزان، والنجاة من النار"(5).

إنّ مراقبة الفجر لبدء الإمساك وحلول صلاة الصبح، ومراقبة غروب الشمس لإنهاء الصيام وحلول صلاة المغرب، مدعاةٌ لمراقبة أوقات الصلوات في جميع أيّام السنة لأدائها في أوائل أوقاتها.

4- صلوات النوافل: شجّع النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم على أداء الصلوات المستحبّة في شهر رمضان بقوله صلى الله عليه وآله وسلم: "من تطوّع فيه بصلاة، كتب الله له براءةً من النار، ومن أدّى فيه فرضاً، كان له ثواب من أدّى سبعين فرضاً في غيره من الشهور"(6).

وإذا لاحظنا الاستيقاظ أوقات السحر في شهر رمضان، فإنّ ذلك يكون فرصةً لأداء صلاة الليل التي ورد فيها عن الإمام الصادق عليه السلام: "صلاة الليل تحسّن الوجه، وتحسّن الخلق، وتطيّب الريح، وتدرّ الرزق، وتقضي الدين، وتذهب بالهمّ، وتجلو البصر، عليكم بصلاة الليل؛ فإنّها سُنّة نبيّكم، ومطردة الداء عن أجسادكم"(7).

إنّ حديث النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم المتقدّم حول الصلوات المستحبّة، يدفع الإنسان إلى الاهتمام بنافلة الفجر ونافلتَي الظهرَين ونافلة المغرب وصلاة الغفيلة وصلاة الوتيرة، فيستمرّ بها أو ببعضها بعد الشهر الفضيل؛ لينال ما ورد في حديث الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم لما أُسري به: "يا ربّ، ما حال المؤمن عندك؟ قال: يا محمّد، ما يتقرّب إليّ عبد من عبادي بشيء أحبّ إليّ ممّا افترضت عليه، وإنّه ليتقرّب إليّ بالنافلة حتّى أحبّه، فإذا أحببته، كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ولسانه الذي ينطق به، ويده التي يبطش بها، إن دعاني أجبته، وإن سألني أعطيته"(8).

5- ارتياد المساجد: إنّ وعي أهميّة نسبة الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم شهر رمضان إلى الله تعالى؛ حيث سمّاه شهر الله، مع أنّ كلّ الأزمنة هي لله سبحانه، تدفع المؤمن للاهتمام بالمساجد التي نسبها الله تعالى إليه من بين الأمكنة التي هي كلّها لله عزّ وجلّ، ففي الحديث عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم: "إنَّ بيوتي في الأرض المساجد، فطوبى لعبد تطَّهر في بيته، ثمّ زارني في بيتي"(9). وإنّ استماع حادثة شهادة أمير المؤمنين عليه السلام، الذي أصرّ في شهر الله تعالى على الذهاب إلى المسجد لصلاة الفجر جماعة، عالماً بضربة السيف فيه، تدفع المؤمنين للسير على خُطى الإمام عليه السلام في المسير إلى مساجد الله تعالى، لنيل المقامات الرفيعة فيها. وفي المسجد، يذوق الإنسان لذّة الحضور الإلهيّ الخاصّ، التي تخوّله أن يصبح من الخواصّ الذين ورد فيهم: "سبعةٌ يظلّهم الله عزّ وجلّ في ظلّه يوم لا ظلّ إلّا ظلّه: إمامٌ عادل، وشابٌّ نشأ في عبادة الله عزّ وجلّ، ورجل قلبه متعلّقٌ بالمسجد..."(01).

* ثانياً: التأكيد على عاداتٍ اجتماعيّة
في شهر رمضان، يمارس الناس عاداتٍ من الجميل والمحبّب أن تستمرّ بعده، وهي:

1- الجلوس مع العيال: إنّ جلوس العائلة على مائدة الإفطار من المشاهد الجميلة البهيّة التي يحبّها الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم، الذي ورد أنّه قال صلى الله عليه وآله وسلم: "جلوس المرء عند عياله، أحبّ إلى الله تعالى من اعتكافٍ في مسجدي هذا"(11).

2- التواصل مع الأرحام: إنَّ تأكيد النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم على صلة الرحم في شهر رمضان بقوله: "من وصل فيه رحمه، وصله الله برحمته يوم يلقاه"(12)، يدفع الإنسان إلى إيجاد آليّات لهذا التواصل من قبيل: دعوة أرحامه وأقربائه إلى مائدة الإفطار، زيارتهم، التواصل معهم على الهاتف أو غيرها من وسائل التواصل، إرسال مساعدات للفقراء منهم، إرسال الهدايا لهم. ومن الجميل أن يُستثمر كلّ ذلك بما يساهم في هدايتهم إلى الله تعالى.

3- إطعام الطعام: من المستحبّات في الإسلام إطعام الطعام، الذي له خصوصيّة في شهر رمضان، وقد عبَّر عنها النبيّ الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم بقوله -الوارد عنه-: "من فطّر صائماً، فله مثل أجره من غير أن ينقص من أجره شيئاً"(13)، وكذا قوله صلى الله عليه وآله وسلم: "فطرُك لأخيك المسلم وإدخالُك السرور عليه، أعظم أجراً من صيامك"(14).

وقد ورد أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان يلبِّي دعوة الإفطار، ويدعو لمن يدعوه إلى ذلك، فعن أمير المؤمنين عليه السلام: "كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا أكل عند القوم قال: أفطر عندكم الصائمون، وأكل طعامكم الأبرار، وصلّت عليكم الأخيار"(15).

4- الالتفات إلى إطعام الفقراء: ورد أنَّ كليم الله موسى عليه السلام قال: "إلهي، فما جزاء من أطعم مسكيناً ابتغاء وجهك؟ قال: يا موسى، آمر منادياً ينادي يوم القيامة على رؤوس الخلائق: فلان بن فلان من عتقاء الله من النار"(16).

5- عدم الاقتصار على ولائم الأغنياء: ورد عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم أنّه كان يكره إجابة من يشهد وليمة الأغنياء دون الفقراء. وهذا يتماشى مع ما أراد الإسلام أن يعمل به الناس في المجتمع من إزالة الفوارق الطبقيّة.

6- المحافظة على النعمة وعدم رميها دون استفادة: ففي الحديث عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم: "ضغطة القبر للمؤمن كفّارةٌ لما كان منه من تضييع النعم"(17).

فلنغتنم فرصة هذا الشهر الكريم بالتقرّب إلى الله تعالى.


(1) بحار الأنوار، المجلسي، ج 93، ص 357.
(2) جامع أحاديث الشيعة، البروجردي، ج 15، ص 20.
(3) (م. ن.)، ج 94، ص 344.
(4) بحار الأنوار، (م. س.)، ج 93، ص 357.
(5) (م. ن.)، ج 80، ص 9.
(6) (م. ن.)، ج 93، ص 357.
(7) (م. ن.)، ج 59، ص 268.
(8) ميزان الحكمة، الريشهري، ج 3، ص 2540.
(9) بحار الأنوار، (م. س.)، ج 80، ص 373.
(10) (م. ن.)، ج 26، ص 261.
(11) ميزان الحكمة، (م. س.)، ج 2، ص 1186.
(12) بحار الأنوار، (م. س.)، ج 93، ص 357.
(13) (م. ن.)، ج 94، ص 78.
(14) (م. ن.)، ص 126.
(15) (م. ن.)، ج 16، ص 293.
(16) (م. ن.)، ج 13، ص 327.
(17) (م. ن.)، ج 6، ص 221.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع