الشيخ بسّام محمّد حسين
يقول الله في كتابه المجيد: ﴿وَمِنْهُم مَّن يَقُولُ ائْذَن لِّي وَلاَ تَفْتِنِّي أَلاَ فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُواْ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ﴾ (التوبة: 49). الفتنة في هذه الآية الكريمة تعني الوقوع في المكروه. والسقوط؛ أن يهوي الشيء من مكانٍ عالٍ إلى آخر منخفض، كالسقوط من السطح إلى الأرض. وهذا المعنى يختزن تحذيراً كبيراً من الوقوع في الفتنة؛ فإنّ الأمّة التي تواجه الفتن، عليها الحذر والانتباه من فخاخها، لما في ذلك من تراجعٍ لحالها، وانتكاس لأوضاعها.
والخطير في الفتن أنّها تتلبّس كثيراً بلبوس الحقّ، وتظهر بمظهر جميل وخدّاع، ينطلي على كثير من الناس أمره، ويقعون في شركه وزيفه، فتزّل الأقدام بعد ثبوتها، إلا من عصمه الله تعالى.
وقد جعل الله تعالى موازين لمعرفة الحقّ من الباطل، وتمييز أحدهما عن الآخر في مواضع الفتن، من ذلك:
1- القرآن الكريم: فهو الكلام الإلهيّ الحقّ الذي أنزله تعالى هدىً للعالمين، وقد نعت نفسه بأوصاف تدلّ على أنواع الهداية؛ ككونه هدىً ونوراً وحقّاً، ووصف نفسه بالفرقان؛ أي ما يفرق به بين الحقّ والباطل(1).
وقد جاء عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم: "فإذا التبست عليكم الفتن كقطع الليل المظلم، فعليكم بالقرآن"(2).
2- حديث النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم وعترته الطاهرة عليهم السلام: فهو المرجعيّة بعد كتاب الله تعالى، حينما يستند أهل الفتن إلى المتشابه من القرآن، أو يؤوّلون آياته.
ولذا، نجد أمير المؤمنين عليه السلام عندما بعث عبد الله بن العبّاس للاحتجاج على الخوارج، أوصاه عليه السلام قائلاً: "لا تخاصمهم بالقرآن، فإنّ القرآن حمّال ذو وجوه، تقول ويقولون، ولكن حاججهم بالسنّة، فإنّهم لن يجدوا عنها محيصاً"(3).
ويتضمّن حديث الثقلين أعظم وصيّة من النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم لأمّته تحصّنها من الوقوع في الفتن لو عملت بها، فعنه صلى الله عليه وآله وسلم: "إنّي قد تركت فيكم أمرين، لن تضلّوا بعدي ما إن تمسّكتم بهما: كتاب الله وعترتي أهل بيتي، فإنّ اللطيف الخبير قد عهد إليّ أنّهما لن يفترقا حتّى يردا عليَّ الحوض كهاتين (وجمع بين مسبّحتيه) ولا أقول كهاتين (وجمع بين المسبّحة والوسطى) فتسبق إحداهما الأخرى، فتمسّكوا بهما، لا تزلّوا ولا تضلّوا ولا تَقدّموهم[تَقدّموهما] فتضلّوا"(4).
3- معرفة الحق ومعرفة أهله: من المسائل المهمّة في الفتنة، هو تشخيص الحقّ، ومن خلاله يُعرف أهله، وقد يحصل العكس من خلال التعصّب للأشخاص ومنزلتهم ومقامهم، ولذا ورد عن أمير المؤمنين عليه السلام قوله للحارث الهمداني: "إنّ دين الله لا يعرف بالرجال بل بآية الحق، فاعرف الحقّ تعرف أهله"(5).
4- التعقّل والتدبّر والبصيرة في الأمور: فعن أبي عبد الله عليه السلام أنّه قال: "إنّ رجلاً أتى النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم فقال له: يا رسول الله أوصني، فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: فهل أنت مستوصٍ إن أنا أوصيتك؟ حتى قال له ذلك ثلاثاً، وفي كلّها يقول له الرجل: نعم، يا رسول الله، فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: فإنّي أوصيك: إذا أنت هممت بأمرٍ فتدبّر عاقبته، فإن يكُ رشداً فأمضِه، وإن يك غيّاً فانته عنه"(6).
"اللهمّ إنّي أعوذ بك من مضلّات الفتن، ما ظهر منها وما بطن"(7)، يا أرحم الراحمين، بمحمّد وآله الطاهرين.
1.الراغب الأصفهانيّ، مفردات غريب القرآن، مادة: فرق.
2.الكافي، الكلينيّ، ج 2، ص 599.
3.نهج البلاغة، الكتب والرسائل، رقم 77.
4.الكافي، (م. س.)، ج2، ص415.
5.بحار الأنوار، المجلسيّ، ج 6، ص 179.
6.الكافي، (م. س.)، ج 8، ص 150.
7.مصباح المتهجّد، الطوسيّ، ص 76.