صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين آخر الكلام | الضيفُ السعيد الافتتاحية| الأمـومـــة... العمل الأرقى  الشيخ البهائيّ مهندسٌ مبدعٌ في العبادةِ... جمالٌ مع الخامنئي | نحو مجتمع قرآنيّ* اثنا عشر خليفة آخرهم المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف* أخلاقنا | اذكروا اللّه عند كلّ نعمة* مناسبة | الصيامُ تثبيتٌ للإخلاص

مقابلة: الخطوة الثانية- بناء الحضارة الإسلاميّة في فكر الإمام الخامنئيّ دام ظله


لقاء مع سماحة آية الله الشيخ رضا رمضاني
حوار: حسن سليم(*)


بعد مضيّ أكثر من أربعين عاماً، تطلّ ذكرى عشرة الفجر المباركة مجدّداً، حاملةً معها عبق الثورة المعجزة، التي بنى من خلالها الإمام الخمينيّ قدس سره الدولة التي ستحقّق حلم الأنبياء عليهم السلام، مسلّماً من بعده زمام القيادة إلى آية الله العظمى سماحة الإمام القائد السيّد عليّ الخامنئيّ دام ظله.

فما بين المرحلة الأولى من تأسيس الجمهوريّة الإسلاميّة على يد الإمام قدس سره، والمرحلة الثانية من بناء الدولة على يد الإمام عليّ الخامنئيّ دام ظله، ثمّة الكثير من الإنجازات والمسؤوليّات، وهي ما سيحدّثنا عنه الأمين العام للمجمع العالميّ لأهل البيت عليهم السلام، سماحة آية الله الشيخ رضا رمضاني (حفظه الله)، في حوار أجرته معه المجلّة.

الخطوة الأولى: الإمام الخمينيّ قدس سره وإنجازات الثورة
1- في هذه المناسبة الكريمة، تعود بنا الذكرى للحظات عودة الإمام الخمينيّ قدس سره إلى أرض الوطن. عن تلك الأحداث، عن انتظار الناس واستقبالهم للإمام قدس سره، عن الآمال ونعمة الانتصار، ماذا تذكرون؟!

كان الجميع بانتظار قدوم شخصيّة إلهيّة، وقائد إلهيّ؛ ليعرّفهم إلى عشق الله، والدّين، والقانون، والمعنويّات. فالإمام عاد بعد سنوات طويلة، لإنقاذ الشعب من ظلم الحكم البهلويّ، ولدعوة الناس إلى السيادة والكرامة؛ فالناس هم الذين أرادوا النجاة من الظلم والجور، ولهذا كان الفرح والسرور يعمّ انتظارهم، وكانوا يرون فيه شخصيّة معنويّة، وشخصيّة سياسيّة إسلاميّة، ويكنّون له احتراماً خاصّاً.

وقد عرض الإمام قدس سره أسلوباً فكريّاً جديداً للإسلام، فلم يكن الناس يعرفون الإسلام السياسيّ، بل كانوا فقط يطبّقون الإسلام الفرديّ، أي الأحكام الفرديّة من قبيل الصلاة، والصوم، بل حتّى الحجّ لم يكن يؤدّيه عادةً إلّا كبار السنّ. وفي ظروف كهذه، تأتي شخصيّة تُذيق أمّتنا طعم العدالة، بعد سيطرة النظام البهلويّ على الحكم لـ57 عاماً. فهيّأ الإمام قدس سره هذه الأرضيّة للإطاحة بهذا النظام، ولهذا السبب عشقه الناس، مع أنّهم لم يلتقوه ولم يروه مباشرة. وكان من نتيجة ذلك، أن دبّ الأمل والحياة في نفوسهم. لقد ألقى الإمام خطبةً متكاملةً في مقبرة "بهشت زهرا" بالتحديد، أي عند مزار الشهداء، قال حينها إنّه أتى لخدمة الناس، وكانت خطبته في ذلك اليوم مزلزلة، وقد شعر الجميع أنّ حدثاً عظيماً على وشك الوقوع، في الوقت الذي لم يكن أحد يُصدّق أن تصل الأمور إلى المرحلة التي وصلت إليها؛ لأنّ بعض المتحرّرين كانوا يعتقدون باستحالة حصول ثورة، والممكن هو السعي والتحوّل التدريجيّ لا الدفعيّ. لكنّ هذه الحركة الدفعيّة حصلت وتحقّقت، بحمد الله.

لقد ذكر الإمام قدس سره في كلمته تلك نقطتين مهمّتين، الأولى: أنّ الإسلام يمتلك برنامج حكومة، والثانية: إمكانيّة تحقّق الحكومة الإسلاميّة في العصر الحديث. ثمّة من كان يعتقد بها، وثمّة من يرفضها، ولكنّ الإمام قدس سره قال: إنّها تتحقّق؛ لأنّ إرادة الله فوق جميع الإرادات.

2- مع هذا الحبّ الكبير للإمام قدس سره، والمشاهد التي رأيناها، من قبيل تسلّق الناس الأشجار انتظاراً للإمام قدس سره، كيف ساعد ذلك في مواجهة مكائد الأعداء؟

لقد كان الناس يعتقدون بالإمام قدس سره بالمعنى الحقيقيّ، ولهذا كانوا يتصدّون بأرواحهم، وينزلون إلى الساحات، ويملأون الشوارع. مثلاً، في ذلك اليوم الذي أُعلن فيه قرار حظر التجوّل من قِبَل النظام البهلويّ، قبيل انتصار الثورة بأيّام، قال الإمام قدس سره: "إنّ على الشباب أن يخرجوا من بيوتهم وينزلوا إلى الساحات، وأن لا يخافوا". وهذا ما حصل، ملؤوا الساحات، واستشهد عدد منهم، وقد تعاملوا مع هذا الأمر على أنّه تكليف إلهيّ. وحصل هذا الأمر العظيم في 22 بهمن وانتهت أحداثه حين أعلنت إذاعة صوت الجمهوريّة الإيرانيّة: "هنا صوت الجمهوريّة الإسلاميّة الثوريّة"!

نعم، لقد مرّت الثورة الإيرانيّة في مراحل وأزمنة مختلفة. ربّما يمكننا القول إنّ السنوات العشر الأولى كانت لتثبيت الثورة وتعزيزها، وهي الخطوة الأولى لتحقيق نظام إسلامي. كان الأعداء دائماً يتواطؤون ويكيدون لها الدسائس، سواء من خلال المنافقين، أو الأمريكيّين، أو غيرهم، ولكنّ الإمام كان يبثّ فينا الأمل بقوّة وعزم، ويقول: "لن يحصل أيّ شيء، تقدّموا". ويتقدّم المؤمنون متسلّحين بعقيدة أنّ الثورة لن تفشل ولن تزول؛ لأنّها قامت لأمر كبير، ولهذا ستبقى أبداً.

وقد عمل الإمام الخمينيّ قدس سره بوظيفته المهمّة وبرسالته، ولم يخشَ أحداً، بل كان يخاف الله فقط، فكان مصداقاً للآية الكريمة: ﴿الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالاتِ اللهِ وَيَخْشَوْنَهُ﴾ (الأحزاب: 39). فالإمام لم يخف من أحد، وعندما رحل عن هذه الدنيا، رحل هادئاً مطمئن البال، وكأنّه قد أتمّ مهمّته على أكمل وجه، وقال: "سأرحل عن هذه الدنيا بقلبٍ مطمئن". وهذا ما ذكره في آخر وصيّته.

3- شكّلت عشرة الفجر الخطوة الأولى من مراحل إقامة نظام إسلامي تجاوز عمره اليوم أربعين عاماً، ما هي –برأيكم- أهمّ إنجازات الثورة؟

قطعت الثورة مرحلة بلوغها، سواء من الناحية العلميّة، أو من الناحية العسكريّة، وحصدت نتائج مهمّة على الصعيدين؛ فقد تصدّرنا في بعض التخصصات العلميّة مرتبة من المراتب العشر الأولى عالميّاً، وانخفضت نسبة الأمّيّة بدرجة كبيرة عمّا كانت عليه قبل الثورة، وتقدّمنا عسكريّاً على الرغم من العقوبات المفروضة علينا عسكريّاً واقتصاديّاً، بل ومن كلّ النواحي. مضافاً إلى أنّ إيران حصلت على السيادة من الناحية السياسيّة، ولم تعد تابعة لأيّ من القوى العالميّة. فلم يخطر في بال أحد أن تبصر الثورة نور عامها الأربعين، بل كان الأعداء يقولون إنّها ستفشل في سنواتها الأولى، لأنّهم تعبّأوا للقضاء عليها، بل إنّه لأمر لافت جدّاً، أن أنظر إلى شباب حزب الله، إلى أولئك المجاهدين، الذين يمتلكون الروحيّة نفسها. هؤلاء الشباب كانوا يعشقون الشهادة عندما كانوا يذهبون إلى الجبهة، ولم يهابوا شيئاً، بل تخلّوا عن كلّ شيء سوى الله. وإنّنا نرى روحاً معنويّة إلهيّة في شباب الجبهة، وكذلك في أولئك المدافعين عن الحرم؛ الذين تركوا عوائلهم بعشق، لينالوا شرف الشهادة دفاعاً عن حرم السيّدة زينب عليها السلام، وعن حريم الولاية.

الخطوة الثانية: الإمام الخامنئيّ دام ظله ومواصلة طريق الثورة
4- طرح سماحته دام ظله مراحل بناء الحضارة الإسلاميّة. ألم تتحقّق تلك المراحل ببناء الجمهوريّة الإسلاميّة؟

لكي نصل إلى الحضارة الإسلاميّة، علينا أن نطوي بعض المراحل، وقد اجتزنا المقدّمات. طبعاً، لم نصل حتّى الآن إلى تحقيق الإسلام الحقيقيّ، أي الإسلام الأصيل والعدالة الحقيقيّة في كلّ العالم. وكان الإمام الخامنئيّ دام ظله قد أشار إلى أنّنا انتصرنا في الكثير من الحروب، وتمكّنا من كشف دسائس العدوّ، ولكنّنا قصّرنا في بعض المواقع في تحقيق العدالة، أي علينا السعي كثيراً لأجل تحقيقها وسيادتها. ونقصد بالعدالة، وضع كلّ شيء في موضعه الصحيح على جميع الصعد: (السياسية والاجتماعيّة والاقتصاديّة)، بحيث يجب أن يتمتّع الناس بالرفاهيّة. وقد ساهمت العقوبات المفروضة علينا، خصوصاً في المسائل الاقتصاديّة، بوضع العقبات في سبيل تحقيق هذا الهدف؛ لذلك علينا السعي والبذل في هذا المجال كثيراً. وبعد تحقيق العدالة بمعناها الحقيقيّ، نصل إلى الحضارة الإسلاميّة إن شاء الله.

طبعاً، تحقيقها أمر صعب، يتطلّب جهوداً جماعيّة.

5- قدّم سماحة الإمام الخامنئيّ دام ظله مجموعة توصيات في سبيل تحقيق الخطوة الثانية من بناء الحضارة الإسلاميّة؛ أي مرحلة بناء الدولة. فما هي هذه التوصيات؟

صحيح أنّ الإنجازات كانت كثيرة، ولكنّنا بحاجة إلى توجّه دقيق وأعمق في الخطوة الثانية، ولهذا أوصى سماحته دام ظله بمجموعة توصيات، منها:

أ- السرعة العمليّة والتقدّم العلميّ: ينبغي أن يستمرّ هذا القطار العلميّ في السير بلا توقّف، بل يجب أن تزداد سرعته، لأنّ العلم يجلب القدرة والقوّة للمجتمع الإسلاميّ والثورة، ويُعرّفنا على أحدث التقنيّات في المجالات المختلفة. ويجب أن نصل إلى مرحلة من التقدّم العلميّ نصنع فيها بأنفسنا طائرات مدنيّة، بل إلى مرحلة نصنع فيها كلّ شيء بأنفسنا، وذلك لا يتحقّق إلّا بالتقدّم العلميّ.

ب- الأخلاق والمعنويّات: يجب أن يتّجه المجتمع نحو المعنويّات والأخلاق، فلا يُحقّر أحد الآخر، بل نعتمد النقد الجيّد والبنّاء، لا الإهانة والتحقير وسوء الخلق.

ج- تحقيق العدالة الاجتماعيّة: يجب أن تسود العدالة على مختلف الصعد، وقد قصّرنا في هذا الجانب، خصوصاً في التصدّي للفساد ومواجهته، وتحديداً الفساد الاقتصاديّ والاجتماعيّ.

د- اعتماد نمط الحياة الإسلاميّة: نمط الحياة مهمّ أيضاً، لذلك علينا أن نُغيّر نمط حياتنا ليكون مطابقاً بدقّة للأحكام الإسلاميّة، لتتحقّق بالتالي الحضارة الإسلاميّة. إذا أردنا تحقيق ذلك، ينبغي لنا جميعاً أن نؤمن بالإسلام الأصيل، الخالي من الإفراط والتفريط.

وغيرها من التوصيات كالاهتمام بعامل الشباب والإبداع.

6- يولي سماحة الإمام القائد دام ظله الشباب أهميّة كبيرة في بناء الدولة. فكيف ينظر سماحته إلى هذه الفئة ودورها في الخطوة الثانية؟

يلعبُ الشباب دوراً مهمّاً وأساسيّاً في هذا الصدد، لذلك يجب أن يتصدّوا لهذه الخطوات لأنّهم يمتلكون القدرة، وهم الأكثر استعداداً وتنظيماً، ويتميّزون بالحماس والقدرة على تحقيق العدالة.

نحن بحاجة إلى موارد بشريّة جديدة ونشيطة، تكون لديها قدرة ودافعيّة أكثر لتحقيق المرحلة الثانية. فإذا أردنا أن نُحقّق إنجازاً كبيراً، فلازم ذلك هو دفع ثمن أكبر وتضحيات أكثر. على سبيل المثال، إذا أردنا تحقيق المقاومة على مختلف الصعد، فذلك يتطلّب تقديم شهداء، وسيرحل من بيننا أمثال الحاج قاسم، وأبو مهدي المهندس، والحاج عماد مغنيّة وابنه جهاد (رضوان الله عليهم)، ولكنّ قدراتنا ستزداد يوماً بعد يوم، وستزداد قوّة مقاومتنا لتحقيق الانتصارات والإنجازات.

فأمل الإمام الخامنئيّ دام ظله بالشباب كبير جدّاً؛ لأنّهم حركة جديدة وقدرة معنويّة وإلهيّة لا تُهزم.

من ناحية أخرى، إنّ الثورة الإسلاميّة تطوي مراحلها القديمة. وفي المرحلة الجديدة، لا يمكن لأولئك الذين يبلغون الآن سبعين أو ثمانين عاماً، الاستمرار بمهامهم؛ ولذلك يجب أن يأتي الشباب لتولّيها، ولكن بقوّة وقدرة، عليهم أن يُطالعوا، ويدرسوا الأوضاع الجديدة، وظروف مرحلتنا اليوم. وعليهم أيضاً الاطّلاع على الخطوات التي يجب القيام بها، وأن يكتشفوا نقاط الضعف السابقة؛ لتجاوز الأخطاء، وحلّ المشاكل.

7- كيف تكون الخطوات المباركة للجمهوريّة الإسلاميّة بمجموعها ممهّدة لظهور الحجّة عجل الله تعالى فرجه الشريف؟

نحن نعتقد أنّ الثورة الإسلاميّة هي مقدّمة لظهور صاحب العصر والزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف، علينا أن نستعدّ نحن للظهور ونُمهدّ له. ومن المهمّ أن نتمكّن من اكتشاف مشاكلنا، وتقوية أنفسنا في الجانبَين العلميّ والأخلاقيّ، وكذلك في مجال الأمن والعدالة، وفي محاربة الفساد. وهذه هي الاعتبارات نفسها التي تعمل الجمهوريّة الإسلاميّة على تحقيقها، مع فارق أنّها في دولة الإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف تكون عالميّة.

وقد تدخّل العدوّ في جميع هذه الأمور، فغيّر معنى العقلانيّة، وغيّر نمط الحياة من الأساس، مقدّماً نمط حياة ماديّاً، خالياً من الدافع الإلهيّ. والغرب مصمّم على تغيير نمط حياة شبابنا، ويُصرّح بذلك ناتنياهو: "لم يعُد بإمكاننا إقحام الجنود في معارك مباشرة، بات علينا أن نُغيّر ثقافة هذه الثورة للقضاء عليها".

وهذا النمط من الحياة يؤدّي إلى إدخال العدوّ إلى بيوتنا، من خلال الإعلام، وشبكات التواصل الاجتماعيّ، وشبكة الإنترنت، ما قد يؤثّر على تربيتنا لأولادنا؛ لذلك مهمّة الوالدين التربويّة اليوم ثقيلة جدّاً.

نسأل الله أن يحفظ هذه الثورة حتّى قيام صاحب الأمر عجل الله تعالى فرجه الشريف، إنّه سميع مجيب الدعاء.

(*) إعلامي.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع