نور روح الله | يوم القدس: يوم الإسلام* إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين

ولاية الفقيه عند الشهيد الصدر


فضيلة الشيخ خضر الديراني‏


لم يكن السيد محمد باقر الصدر مجرد عالم أو فقيه نال هذه الرتبة العلمية كالكثير من الفقهاء الذين تخرجوا من الحوزات العلمية لخدمة الإنسانية، بل كان رجلاً استثنائياً في كل شي‏ء فهو من القلائل إن لم نقل النوادر الذين ظهر وبان النبوغ عليهم منذ حداثة السن وقد سخّر نبوغه هذا لخدمة المشروع الإلهي الذي عمل من أجله كل الأنبياء من آدم أبي البشرية إلى خاتم الأنبياء محمد صلى الله عليه وآله وسلم وقد قدم خدمات جليلة أثرت في الفكر الإسلامي بل والإنساني في شتى الميادين العلمية من فقه وأصول وفلسفة وسياسة وجهاد وعقيدة وتاريخ واقتصاد وقانون وإدارة وغيرها حيث ترك آثاراً قيمة في كل هذه المجالات وتحولت هذه الآثار إلى مواد علمية تدرس في الكثير من المعاهد والجامعات في العالم، رغم استشهاده المبكر.

إذاً فالشهيد السيد محمد باقر الصدر هو عملاق وشخصية فذّة بكل ما للكلمة من معنى وقد خسرت الإنسانية هذا العالم في عز عطاءاته، ولم يكن هذا العالم في حياته بعيداً عن الآلام التي تعيشها الإنسانية على امتداد العالم وكان له مواقف عظيمة في الكثير من القضايا وقد جسّد حركة الأنبياء في أخلاقهم وتواضعهم وتفانيهم في خدمة الناس. لهذا لم يكن مختلفاً عن أبناء مجتمعه في مأكله أو ملبسه أو مسكنه بل كان كأقلهم ولذلك ترك في نفوسهم آثاراً لا يمحوها الزمن بل تحول عند البعض منهم إلى ما يشبه الأسطورة.

وكذلك كان السيد محمد باقر الصدر شديد التواضع مع إخوانه ورفاق دربه وأساتذته وتلامذته في الحوزة العلمية حيث لم يكن يرى لنفسه وجوداً مستقلاً عنهم، وكان همه توحيد القيادة والمرجعية في الحوزة لذلك كان دائم التواصل مع الجميع لا يفتر أبداً خصوصاً أنه كان متبنياً للنظرية الفقهية القائلة بالولاية العامة للفقيه الجامع للشرائط ولا يرى جواز الفصل بين المرجعية والقيادة، وكان يسعى لإيجاد مجلس يضم العلماء والفقهاء وظيفته انتخاب المرجع القائد بالأكثرية وتلتزم الأمة بالانصياع لقيادته.

ووضع لذلك مجموعة شروط لا بد من توافرها في شخص المرجع القائد وقد ذكرها بقوله:
أولاً: صفات المرجع الديني الاجتهاد المطلق والعدالة.
ثانياً: أن يكون خطه الفكري من خلال مؤلفاته وأبحاثه واضحاً في الإيمان بالدولة الإسلامية وضرورة حمايتها.
ثالثاً: أن تكون مرجعيته بالفعل في الأمة بالطرق الطبيعية المتبعة تاريخياً.
رابعاً: أن يرشحه أكثر أعضاء مجلس المرجعية ويؤيد الترشيح من قبل عدد كبير من العاملين في الحقول الدينية... كعلماء وطلبة.

وفي حال تعدد المرجعيات المتكافئة من ناحية هذه الشروط يعود إلى الأمة أمر التعيين من خلال استفتاء شعبي عام(1).
يتضح مما نقدم أن الشرط الثاني يحصر الأمر بالقائلين بالولاية العامة للفقيه لأن من لا يؤمن بها ليس لديه إيمان بالدولة الإسلامية وضرورة حمايتها بل قد لا يرى مسوغاً للعمل على قيام دولة إسلامية في الأصل. أما الشرط الرابع الذي يفهم منه أنه لا بد من وجود مجلس ينتخب بالأكثرية المرجع القائد وهذا ما طبق في الجمهورية الإسلامية من خلال مجلس الخبراء الذي يقوم بإنتخاب ومراقبة ومواكبة عمل المرجع القائد.
وقد ذكر قدس سره في مواطن عديدة الشروط التي ينبغي توافرها في المرجع القائد والحدود التي يجب عليه الالتزام بها منها:
قوله في تفسير الآية الكريمة: (إنا أنزلنا التوراة فيها هدىّ ونور يحكم بها النبيون الذين أسلموا للذين هادوا والربانيون والاحبار بما استحفظوا من كتاب الله وكانوا عليه شهداء)(2).

(والأصناف الثلاثة على ضوء هذه الآية هم النبيون والربانيون و الأحبار، والأحبار هم علماء الشريعة والربانيون درجة وسطى بين النبي والعالم وهي درجة الإمام.

ومن هنا أمكن القول بأن خط الشهادة يتمثل:
أولاً: في الأنبياء.
ثانياً: في الأئمة الذين يعتبرون امتداداً ربانياً للنبي في هذا الخط.
وثالثاً: في المرجعية التي تعتبر امتداداً رشيداً للنبي والإمام في خط الشهادة.

والشهادة على العموم يتمثل دورها المشترك بين الأصناف الثلاثة من الشهداء فيما يلي:
أولاً: استيعاب الرسالة السماوية والحفاظ عليها.
(بما استحفظوا من كتاب الله وكانوا عليه شهداء)(3).
ثانياً: الإشراف على ممارسة الإنسان لدوره في الخلافة ومسؤولية إعطاء التوجيه بالقدر الذي يتصل بالرسالة وأحكامها ومفاهيمها.
ثالثاً: التدخل لمقاومة الانحراف واتخاذ كل التدابير الممكنة من أجل سلامة المسيرة)(4).

ويقول أيضاً قدس سره:
"فخط الشهادة يتحمل مسؤوليته المرجع على أساس أن المرجعية امتداد للنبوة والإمامة على هذا الخط".
وهذه المسؤولية تفرض:
أولاً: أن يحافظ المرجع على الشريعة والرسالة ويرد عنها كيد الكائدين وشبهات الكافرين والفاسقين.
ثانياً: أن يقوم هذا المرجع ببيان أحكام الإسلام ومفاهيمه ويكون اجتهاده هو المقياس الموضوعي للأمة من الناحية الإسلامية وتمتد مرجعيته في هذا المجال إلى تحديد الطابع الإسلامي لا لعناصر الثابتة من التشريع في المجتمع الإسلامي فقط بل للعناصر المتحركة الزمنية أيضاً باعتباره هو المثل الأعلى للأيديولوجية الإسلامية.
ثالثاً: أن يكون مشرفاً ورقيباً على الأمة وتفرض هذه الرقابة عليه أن يتدخل لإعادة الأمور إلى نصابها إذا انحرفت عن طريقها الصحيح إسلامياً وتزعزعت المبادئ‏ العامة لخلافة الإنسان على الأرض"(5).

(إن المرجعية الرشيدة هي المعبر الشرعي عن الإسلام والمرجع هو النائب العام عن الإمام من الناحية الشرعية وعلى هذا الأساس يتولى ما يلي:
أولاً: إن المرجع هو الممثل الأعلى للدولة والقائد الأعلى للجيش.
ثانياً: المرجع هو الذي يرشح أو يمضي ترشيح الفرد أو الأفراد الذين يتقدمون للفوز بمنصب رئاسة السلطة التنفيذية ويعتبر الترشيح من المرجع تأكيداً على انسجام تولي المرشح للرئاسة مع الدستور وتوكيلاً له على تقدير فوزه في الانتخاب لإسباغ مزيد من القدسية والشرعيه عليه كحاكم.
ثالثاً: على المرجعية تعيين الموقف الدستوري للشريعة الإسلامية.
رابعاً: عليها البت في دستورية القوانين التي يعينها مجلس الحل والعقد لمل‏ء منطقة الفراغ.
خامساً: إنشاء محكمة عليا للمحاسبة في كل مخالفة محتملة في المجالات السابقة.
سادساً: إنشاء ديوان المظالم في كل البلاد لدراسة لوائح الشكاوى والمتظلمين وإجراء المناسب بشأنها"(6).

هذه التعابير المختلفة هي ترجمة لنظرية ولاية الفقيه العامة ولو راجعنا آراء الفقهاء الذين يؤمنون بهذه النظرية سوف لن نجد حدوداً ووظائف غير التي ذكرها الشهيد الصدر للولي الفقيه.

فالمولى النراقي يقول في عوائده:
(المقام الثاني في بيان وظيفة العلماء والفقهاء الأخيار في أمور الناس وما لهم في الولاية على سبيل الكلية فنقول وبالله التوفيق: إ ن كلية ما للفقيه العادل توليه وله الولاية فيه أمران:
أحدهما: كل ما كان للنبي والإمام الذين هم سلاطين الأنام وحصون الإسلام فيه للولاية وكان لهم، فللفقيه أيضاً ذلك، إلا ما أخرجه الدليل من إجماع أو نصّ أو غيرهما.
وثانيهما: إن كل فعل متعلق بأمور العباد في دينهم أو دنياهم ولا بدّ من التبيان به، ولا مفر منه، إما عقلاً أو عادة من جهة توقف أمور المعاد أو المعاش لواحد أو جماعة عليه وإناطة انتظام أمور الدين أو الدنيا به، أو شرعاً من جهة ورود أمر به إجماع أو نفي أو ضرر أو إضرار أو عسر أو حرج أو فساد على مسلم، أو دليل آخر، أو ورد الإذن فيه من الشارع، ولم يجعل وظيفة لمعيّن واحد أو جماعة ولا لغير معيّن أي واحد لا بعينه، بل علم لا بدّية الإتيان به، أو الإذن فيه ولم يعلم المأمور به ولا المأذون فيه، فهو وظيفة الفقيه وله التصرف فيه والإتيان به)1.
وكذلك الحال لو عدنا إلى رأي الإمام الخميني قدس سره أو دستور الجمهورية الإسلامية في إيران حيث حددت فيه مهمات وواجبات وحدود الولي الفقيه.

ولم تكن هذه النظرية عند الشهيد الصدر مجرد حبر على ورق أو ترفاً فكرياً يريد من خلاله إبراز عبقريته أو التسلق إلى مواقع في هذه الدنيا بل كان صادقاً في طرحه لها وتطبيقها على نفسه قبل الآخرين وخير دليل على ما نقول ممارسته للولاية مع الإمام الخميني (قدس سره) بعدما انتصرت الثورة الإسلامية حيث كان يرى فيه الإمام الولي الفقيه المفترض الطاعة فأمر الناس في مقولته الشهيرة (ذوبوا في الإمام الخميني كما ذاب هو في الإسلام). وهذا التعبير هو خير ما يمكن أن تتمخض عنه اللغة العربية في الدلالة على واجب الناس والمجتمع تجاه ولي الأمر، وما زالت هذه الدعوة هي السبيل لخلاص الشعب العراقي وانتصار كل الحركات الإسلامية في العالم على الطواغيت. وهناك بعض الحركات الإسلامية في العالم التزمت مبدأ الولاية وقد حصدت الكثير من النجاحات الباهرة على أعداء الله والأمة وخير مثال على ذلك الجمهورية الإسلامية في إيران كدولة، وحزب الله في لبنان كحركة إسلامية الذي ما فتى‏ء يحصد الانتصارات تلو الانتصارات في مواجهته لأمريكا وإسرائيل والمشاريع الإستسلامية في المنطقة.

فحزب الله هو حركة إيمانية جهادية هدفه إقامة حكم الله في الأرض من خلال ولاية الفقيه العادل ونحن لو قمنا بمقارنة بسيطة بين حزب الله وكل الحركات الإسلامية الأخرى التي سبقت حزب الله في لبنان والعالم العربي والإسلامي التي كان هدفها محاربة العدو الصهيوني والاستكبار وإقامة حكم الله في الأرض لوجدنا أن حزب الله لم يتميز عن كل هذه الحركات بالهدف بل من خلال الطريق الموصل إلى الهدف.
من هنا علم أن الولاية هي التي حصنت حزب الله في كل المواقع وهي التي منعته من الانحراف والشذوذ عن الهدف الأصلي لأن الولاية تعني مركزة القرار ووحدة القيادة وعندما تتوافر وحدة القيادة والقرار في أي أمة سوف يكون ذلك موطن القوة الأولى الذي من خلاله تنطلق باتجاه الهدف الذي رسمته لنفسها.

وأخيراً نختتم بمشهد آخر يؤكد عمق إيمان الشهيد الصدر بالولاية عندما استأذن الإمام الخميني قدس سره في الخروج من العراق قلم يأذن له فالتزم من دون أدنى نقاش إنفاذاً لأمر الولاية وبقي في أرض الغري رغم المخاطر الجسيمة والأكيدة التي كانت محدقة به حتى استشهد على يدي النظام المجرم في العراق وقد كان القدوة والأسوة الحسنة للأمة وللعلماء والفقهاء بالتزامه بالولاية حتى الشهادة وهذا هو المعنى الحقيقي لقوله (ذوبوا في الإمام الخميني كما ذاب هو في الإسلام). وكذلك فإنه ترجمة لقول الله عز وجل: (يا أيها الذين آمنوا لما تقولون ما لا تفعلون كبر مقتاً عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون)(8).

 

(1) لمحة فقهية تمهيدية عن مشروع دستور الجمهورية في إيران، السيد محمد باقر الصدر ص‏21 - 22 ط: دار التعارف، بيروت - لبنان.
(2) سورة المائدة، آية: 44.
(3) سورة المائدة، آية: 44.
(4) خلافة الإنسان وشهادة الأنبياء، محمد باقر الصدر، ص 42 - 52 ط: دار التعارف، لبنان.
(5) خلافة الإنسان وشهادة الأنبياء، محمد باقر الصدر، ص‏49 - 50 ط: دار التعارف، لبنان.
(6) لمحة فقهية تمهيدية عن مشروع دستور الجمهورية في إيران، السيد محمد باقر الصدر ص‏20 - 21 ط: دار التعارف، بيروت - لبنان.
(7) ولاية الفقيه، بحث من كتاب عوائد الأيام للمولى النراقي ص 27 - 28 ط: منظمة الإعلام الإسلامي في طهران.
(8) سورة الصف، آية: 2.


 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع