مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

مجتمع: التضليل الإعلامي: "اكذب... اكذب"

أحمد شعيتو*

عندما كان العالم على أعتاب الولوج في حقبة "العولمة" في بداية آخر عقدين من القرن الماضي، كان على وشك دخول مرحلة تاريخية من المتغيّرات الكبرى.. إنّها متغيّرات حركة المعلومات والاتصالات.

*عولمة إعلاميّة
فيما مضى كانت المعلومة والخبر بطيئي التحرّك إلى أن أتى التلفاز والإذاعة كتطوّرين رائدين في تاريخ البشر. وأصبح هذا التطوّر أكثر أهمية عندما طُبعت روح العصر الحديث بصبغة إعلام الفضائيات "كسلعة رائجة" لدى الجمهور، فباتت المعلومة أوسع انتشاراً، والمتابع أكثر اطلاعاً على أحداث منطقته، بل ما وراء الحدود والبحار.
لكن هذه "العولمة الإعلامية" شهدت "الثورة العظمى" في العقد الأخير من القرن العشرين، مع غزو "الشبكة العنكبوتيّة"، فإذ بكل العالم بين يدينا متى وكيف نشاء.
هنا، كان مكمن الدقة والخطورة: كمٌّ هائل من المعلومات "الموجّهة" والمصوّبة نحو رأس، وعقل، ومشاعر يفترض بنا أن نعرف "صالحها من طالحها" سواء أتت عبر الفضائيات أم مواقع الإنترنت أم التواصل الإلكتروني، وبالأخص، عبر النوعين الأخيرين المذكورين لِما لدورهما من مكان متسارع النمو في هذه الآونة، في إطار الإعلام.
فهذا الإعلام، الذي يستهدف الرأي العام ليؤثر به، "يحمل رسالة فكرية ذات مضامين وأهداف متعددة تخاطب الإنسان عبر وسائل اتصال متنوعة" كما يعرّفها كتاب "الرأي العام والإعلام والدعاية"1، وهي تتكامل - كما يقول - من خلال 3 عناصر:
1 - المرسِل: أي الجهة التي تطلق الرسالة الإعلاميّة.
2 - وسيلة النقل: أي الأداة التي تقوم بنقل المادّة الإعلاميّة.
3 - المتلقي: أي الطرف الذي يتلقّى الرسالة الإعلاميّة.

*مفيد ولكن...
إذا كان الإعلام - أو وسائل الاتّصال الجماهيري - يلعب دوراً فاعلاً ومهماً في حياة البشر أفراداً وجماعات، عبر العناصر الآنفة الذكر، ويقوم بأدوار عدة منها تسلية أو إغناء معلومات أو تثقيف، فله بالمقابل أدوار سلبيّة قد تبدأ عند إفساد ثقافات ولا تنتهي عند حرف الرأي العام وجعله يرى "الدنيا" بمنظار أشخاص وأصحاب مؤسسات معينين، وفق توجيه مخطّط له يكلّف أموالاً طائلة.
من هنا، وجب على المتلقّي التدقيق الكثيف، لأنّه إذا كانت كثرة المصادِر الإعلاميّة نعمة أحياناً، فهي نقمة أحياناً أخرى. فتعدد مصدر المعلومة والخبر يتيح مجالاً للمقارنة والتحليل لتفنيد الصحيح من الخاطئ. لكن هذا التعدّد قد يُغرق غير المثقفين في بحر من التّيه خاصة إذا اجتمع عدد غير قليل من القنوات والمواقع الإخبارية والتصويرية على بثّ مواد مكثّفة تصب في توجيه موحّد مدفوع بالسطوة الماديّة والإعلامية.

*بين الأمس واليوم
لقد شهدنا تضليلاً قائماً على شكل أكذوبات كبرى خدمت توطِئة لقدم استعماريّة كما فعل الأميركيون في العراق، متحجّجين بكذبة امتلاك العراق لأسلحة دمار شامل. وفي أفغانستان، دخل الأميركيون البلد بحجّة الحرب على إرهاب خطير، فبذلت الاستخبارات الأميركيّة ووسائل الإعلام الموجّهة جهوداً كبيرة لتزييف صورة المسلمين وتصويرهم "كوحش" من أجل تبرير حروب الولايات المتحدة في المنطقة العربيّة والإسلامية ضدّ هذا الوحش الذي لا بد من اقتلاع أنيابه.
وفي القرن الماضي، شهِدنا على تضليل تاريخي قامت على أساسه دولة "إسرائيل" المغتصِبة، وجرى الترويج له بوسائل عديدة فصّلها الكاتب الفرنسي روجيه غارودي في كتاب الأساطير المؤسِّسة للسياسة الصهيونيّة وكشف كيف حاولت الصهيونية احتلال العقول لتبرير أحقيّة مزعومة في فلسطين. هذا يشير إلى أنّ تركيبة التّضليل ليست وليدة الآونة الأخيرة، بل كانت مركبة من أجل أهداف كبرى لا تزال منطقتنا تعيش آثارها.

يقول مارك ستيفنان المواطن الفرنسي، الذي روى قصة اعتناقه الإسلام، إنه منذ لحظة إشهاره لإسلامه انهالت عليه الأسئلة المستفسرة والمستغربة حتى "صار يخيل إلي، في بعض الأحيان، أني ارتكبت جريمة أو أني بكل بساطة مريض". يتهم المواطن - الكاتب أصابع الإعلام الفرنسي بتقديم صورة تضليلية عن الاسلام عبر تكثيف المقالات التي تتحدث عن الإرهاب ومحاولة تعميم هذه الصفة على شرائح واسعة من المسلمين.

*وسائط وأهداف معركة التضليل
يقول الباحث الفرنسي في الشؤون الاستراتيجية فرنسوا جيريه: إن التضليل الإعلامي والمراوغة والنفاق تمس العلاقات الاجتماعية والدولية، والرؤساء يعملون على تعزيز سلطتهم عبر قدرتهم على ضم المعلومات الجيدة لرصيدهم واستخدام التضليل الإعلامي ضد خصومهم. ومن أهداف التضليل التي يمكن أن نوردها أيضاً:
1 - تركيز صور معيّنة في الأذهان من أجل الترويج لآراء وسياسات محددة.
2 - التعمية على حقائق معيّنة وإحلال الأكاذيب مكانها من أجل إخفاء الواقع على الجمهور خوفاً من التأثير الذي يعاكِس مصالح معينة.
3 - تشويش أذهان الرأي العام وخلط المفاهيم لكي يختلط الحق بالباطل، ويصعب الفصل بينهما.

*وسائط كاذبة
وسائط عديدة تخدم هدف التضليل. وفي هذه الآونة يمكن الحديث بشكل خاص عما يلي:
1 - إطلاق الأكاذيب والأخبار غير الصحيحة من قبل قنوات معينة وبث صور غير حقيقية واستطلاعات نتيجتها مفبركة.
2 - اعتماد صحافيين وكتّاب لمقالات موجهة في إطار واحد يجعل منها جوّاً عاماً مؤثراً، مثل القيام بحملة افتراءات موحّدة ضدّ حزب أو شخص أو فئة.
3 - تِكرار نمط محدّد من الأفكار والآراء من أجل غسل الأدمغة وتثبيت هذه الأفكار في الأذهان على أنها الحقيقة.
4 - تضخيم الادّعاء بخطر الجهة المقابلة على المجتمع وأمنه من أجل التخويف لكي ينفر المجتمع منه.
5 - وسائط الإنترنت صار لها دور أساسي، فقد نشطت كثيراً في السنوات القليلة الماضية وخاصة في الموضوع السوري، حيث يجري بثّ عشرات آلاف مقاطع الفيديو أو الصور الكاذبة أو الأخبار الملفّقة للإيحاء بأن الطرف المعادي يرتكب فظاعات أو الإيحاء بوجود انتصارات ميدانيّة محققة، في وقت أصبح الاعتماد على مقاطع الفيديو والصور أوسع انتشاراً فكبُر دوره بشكل لافت وخطير.

*هدف مزدوج
يشير الباحث الدكتور طلال عتريسي (مختص في العلوم الاجتماعية) في حديث خاص معه إلى أن معركة التضليل في المنطقة تقوم بشكل أساسي من خلال الفبركات حيث يجري بثّ مشاهد بعناوين غير حقيقية من أجل تحريض الرأي العام أو دفعه لتبني وجهة نظر محددة. ويقول د. عتريسي: إن التضليل الأبرز في الموضوع السوري، على سبيل المثال، أمورٌ منها:
1- الاستشهاد بأقوال شهود عيان مزعومين، تبيّن أنهم كانوا في مكان آخر غير الميدان الحقيقي للأحداث.
2- نقل صور لقتلى وجرحى في أماكن ودول أخرى مثل قتلى غزة، والادّعاء أنها مجازر في سوريا.
3- كما أننا في قنوات الإعلام نلاحظ التركيز على القضيّة المذهبيّة عبر استقبال ضيوف في عدة قنوات للتركيز على أنّ المشكلة هي سنيّة شيعيّة، وهذا يتبدّى بشكل متزايد في الآونة الأخيرة.

هناك هدف آخر للأضاليل - بحسب عتريسي - وهو التأثير على الجانب المقابل. ويجري ذلك من خلال محاولة إضعاف ثقته بنفسه وإضعاف وجهة نظره، كذلك من خلال العمل على إشغال الجانب الآخر بموضوع مختلف عن الموضوع والحدث الأساسي، حيث ينشغل بتصحيح الأفكار التي بثها المضلل ونشرها ويبذل الجهود من أجل الرد على التضليل أو في تحضير الوثائق التي تدحض ادعاءات متعلقة بالقتل والمجازر أو بمواجهة مسألة الفتنة المذهبية لمنع تحقيقها. لا بدّ، مقابل حركات التضليل، من القيام بجهد جبار يفعّل الآلة الإعلامية لتقديم الصورة الحقيقية إلى أكبر قدر ممكن من الجماهير، وبقالب جاذب يساعد في كسر عصا التضليل.


* رئيس تحرير في موقع قناة المنار باللغة العربية.
1- الرأي العام والإعلام والدعاية، د. هاني الرضا؛ ود. رامز عماد، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع، 1998م.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع

معرفة رقم صفحات مقالة

امجد

2016-06-17 18:19:11

السلام عليكم. انا طالب ماجستير اختصاص علم اجتماع في سورية. وخلال قرائاتي استوقفني بحث للسيد طلال العتريسي عن مجتمع التضليل رقم العدد 265 تاريخ 2015. اريد معرفة رقم صفحة المقال في العدد لكي اتمكن من توثيقه بشكل اكاديمي ولك جزيل الشكر