اخرج إلى الضوء | عندما يكون القائد والداً للمجاهدين مهارات | المساندة النفـسيّة في الأزمات والحروب الملف | كيف نواجه إشاعات الحرب؟ الملف | بصبركنّ... ننتصر الملف | دعاء أهل الثغور: مدد المجاهدين الملف | الشهداء المستبشرون معالم المجتمع الصالح في نهج البلاغة الملف | قيم المقاومة آخر الكلام | تحت الركام.. الافتتاحية | الصبر حليف النصر

تدوين الفقه بين أصحاب الإمام علي عليه السلام



آية الله محمد إبراهيم جناتي


يعتبر آية الله محمد إبراهيم جناتي من كبار مدرسي الحوزة العلمية في قم المقدّسة، بدأ بتحصيل العلوم الدينية في مدينة شاهرود ثمّ انتقل إلى النجف حيث درس عند كبار علمائها من أمثال السيد الشاهرودي والسيد الحكيم والسيد عبد الهادي الشيرازي وغيرهم على مدى 25 سنة من إقامته هناك.
كتب هذا البحث لمجلّة (كيهات انديشه) على حلقات باللغة الفارسية وترجمه لنا فضيلة الشيخ أحمد وهبي.
وقد كان الكلام في مراحل تدوين الفقه حيث وصل الكلام إلى مرحلة أمير المؤمنين عليه السلام.

في هذه المرحلة، تبع الإمام علياً عليه السلام بعض أصحابه، وبدأوا في زمانه بتأليف كتب لا يخلو ذكر أسمائها من فائدة:
1-يقول الشيخ الطوسي (قدّس سرّه) في "الفهرست": ألّف سلمان الفارسي كتاب "حديث الجاثليق الرومي" فبعد وفاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم أرسلم ملك الروم رجلاً إسمه الجاثليق إلى الخليفة في ذلك الوقت، ليجد جواباً عن أسئلته ولم يستطع الخليفة أن يجيب، في هذا الوقت أسرع سلمان الفارسي إلى علي عليه السلام وطلب منه أن يدرك أمّة محمد صلى الله عليه وآله وسلم، فذهب الإمام إلى المسجد وأجاب عن أسئلة الجاثليق. فكتب سلمان هذه الحادثة.

2-المرحوم الشيخ أيضاً ينقل في كتاب "الفهرست" أنا أبا ذر الغفاري ألّف كتاباً يشتمل على الخطبة التي تخبر عن الحوادث بعد وفاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم ودوّن كتاباً باسم "وصايا النبي" شرحه المرحوم العلامة المجلسي وفسّره وسماه "عين الحياة".

3-وألّفه أبو رافع غلام النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وصاحب أمير المؤمنين عليه السلام كتاباً في بعض الآداب والأحكام وبعض الأمور القضائية، وفي هذه المجموعة استفاد غالباً من أحاديث الإمام علي عليه السلام.

4-ودوّن علي بن أبي رافع كتاباً في موضوع الوضوء والصلاة والأساليب الفقهية بناءً على مذهب أهل البيت عليهم السلام، هذا الكتاب كان يعدّ من الكتب المهمّة عند الأئمة عليهم السلام، وكان مرجعاً للشيعة.

5-وربيعة ابن سميع لديه كتاب في "زكاة الدول الأربع" وهو تأليف من أحاديث النبي صلى الله عليه وآله وسلم بنقل علي بن أبي طالب عليه السلام، ويذكر النجاشي هذا الكتاب في رجاله.

6-وألّف عبد الله بن حرّ الفارسي كتاباً في أحاديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم برواية علي عليه السلام وسمّاه اللمعة.
وهناك عدد آخر من أصحاب علي بن أبي طالب عليه السلام مسطورة أسماؤهم في كتب علماء الشيعة، ويمكن الحصول على تفصيل ذلك في مجموعة فهارس الكتب، نظير "الفهرست" للنجاشي، و"منتهى المقال" للشيخ أبي علي وكتب أحوال الرجال مثل: "منهج المقال في تحقيق أحوال الرجال" وغيره.

أما عمر بن الخطّاب وأتباعه فلم يعملوا على تدوين الحديث والفقه لا في المرحلة الأولى ولا في أوائل المرحلة الثانية بل بدأوا بهذا العمل في أواسط المرحلة الثانية التي كانت في أواسط القرن الثاني للهجرة.

كان عمر أوّل من قرّر أن يدوّن السنة النبوية من فقهاء السنة بعد وفاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ولكن بعد مشورة مع جمع من الصحابة والاطلاع على رأيهم تردّد في هذا العمل، وطلب مدّة شهر الخير والصلاح من الله، وكما يقول كانت الإرادة الإلهية ترك هذا العمل، فعدل عمّا كان عازماً عليه، ومنع الناس من ذلك ولهذا السبب لم يعمل أحد من أتباعه أو الخلفاء من بعده على تدوين وكتابة الحديث. وكان الأصحاب والتابعون ينقلونه من القلب إلى القلب فقط. إلى أن جاء زمن حكومة عمر بن عبد العزيز ورأى العلماء يموتون واحداً بعد الآخر فخاف من ذهاب وضياع الأحاديث، وأمر بجمع النقد والحديث وتدوينهما، وكتب في رسالته التي أرسلها من الشام إلى أبي بكر بن حزم محدّث المدينة الكبير وطلب منه أن ينظر في حديث النبي صلى الله عليه وآله وسلم ويكتبه ويضبطه لأنّه يخاف من ضياع العلم وموت العلماء. "صحيح البخاري، ج1ـ ص 23، باب كيف يقبض العلم"..

مات عمر بن عبد العزيز في بداية القرن الثاني قبل أن يحقّق أهدافه، ولكنّه وإن كان قد أعطى أمراً بتدوين الحديث إلاّ أنّه لم يُرَ أي مجموعة من السنن والفقه والحديث عن الأخوة أهل السنّة حتّى نصف القرن الثاني.

ومن المناسب الإشارة هنا إلى كلام محدثي أهل السنة في هذا المجال ليتضح السبب في تأخير ضبط الأحاديث عندهم من أقوالهم:
السيوطي في كتاب "تنوير الحوالك في شرح موطأ مالك" يقول أنّ عروة بن الزبير ينقل أنّ عمر بن الخطّاب قرّر أن يكتب السنّة النبويّة، فاستشار أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فشجّعه الأصحاب على هذا العمل ولكن عمر بقي متردّداً مدّة شهر وطلب الخير من الله، وفي صباح أحد الأيام ظهر أمر الله فقال عمر للناس إنّه كان من قبل قد ذكر كلاماً في كتابه الحديث، ولكنّه تذكّر ورأى أنّ جمعاً من أهل الكتاب اشتغلوا بالتأليف مع وجود الكتاب الإلهي فتوجهوا إليه وتركوا كتاب الله، وآمنتم بالله أنّه لن يستبدل كتاب الله بشيء أبداً، وهكذا عدل عن رأيه في كتابه الحديث.
وينقل ابن سعد في "الطبقات" أنّ عمر أراد أن يكتب سنن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وطلب العون من الله مدّة شهر وعدل ذات صباح وقال أنّ قوماً جمعوا في ما مضى كتاباً وتوجهوا إليه وتركوا كتاب الله.
ويذكر الهروي أنّ الصحابة والتابعين لم يكتبوا الحديث بل كانوا يؤدونه باللفظ فقط، ويحفظونه. في هذه المرحلة لم يكتب غير كتاب الصدقات وعدد من لكتب لا يتوصّل إليها بعد بحث إلى أن خيف من ضياع الأحاديث بموت العلماء، فأمر أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز في رسالة لأبي بكر الخزرمي أن ينظر في سنة النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأن يكتبها.
ويروي مالك في الموطأ عن محمد بن حسن عن يحيى بن سعيد أنّ عمر بن عبد العزيز كتب إلى أبي بكر بن عمرو بن حزم أن يراجع حديث النبي صلى الله عليه وآله وسلم وسنته، وأحاديث عمر وأمثاله وأن يكتبه إليه لأنّه يخاف من اندراس العلم وموت العلماء.

ويذكر ابن حجر في مقدّمة كتابه أن آثار الرسول صلى الله عليه وآله وسلم لم تدوّن وترتّب في عصر الصحابة وكبار التابعين في كتاب لسببين:
أولاً: أنّهم كانوا في المرحلة الأولى وكانوا قد نهوا عن كتابة الحديث عمّا ذكر في صحيح مسلم، لأنّه كان يخاف من اختلاط الأحاديث بالقرآن الكريم.

ثانياً: أنّهم كانوا يتمتعون بحافظة قوية وقوة ذهنية فيّاضة، لأنّهم كانوا يفتقدون نعمة الكتابة غالباً.

في أواخر عصر التابعين بدأ العمل على تدوين الآثار والأخبار، وسببه أنّ العلماء هاجروا إلى البلدان المختلفة ومن ناحية أخرى راجت البدع.
من البديهي أنه يستفاد من كلام عمر بن الخطاب السابق، في كلام السيوطي وبالأخص من قوله أن تذكر قوماً من أهل الكتاب عملوا على تأليف مع وجود كتاب الله ممّا أدّى إلى تركهم لكتاب الله، أنّه نهى عن كتابة الحديث والسنّة دائماً في زمانه وفي سائر الأزمنة أيضاً، لأنّ ذلك يؤدّي إلى اختلاط القرآن بالحديث.

وواضح أنّه لو لم يبذل الجهد في جمع الأحاديث وكتابتها لاندثرت الأحكام الدينية والعلوم الإلهية كلها، في حال أنّ الهدف من بعثة نبي الإسلام الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم هو نشر العلم والأحكام الدينية والشرعية، وبناءً عليه هل من الممكن أن تبقى سنّة وحديث وفقه النبي صلى الله عليه وآله وسلم عند المسلمين بعد قرن أو أكثر بدون كتابة؟ أبداً، هذا بالإضافة إلى أنّنا نعلم أن حفظ السنّة هو من أهم وأكبر الوظائف العقلية والشرعية في الإسلام لأنّ الشرائع التي ذكرت في القرآن هي موجز ومختصر لجميع الأحكام الدينية والمسائل الشرعية والمعارف الإلهية. ومعرفتها التفصيلية غير ممكنة إلاّ بالرجوع إلى السنّة النبوية، بناءً عليه يكون الحفاظ على هذه الروايات الغالية من أكثر مسؤوليات المسلمين أهمية، وإنّ عدم كتابتها وضبطها سينتهي إلى زوالها وضياعها، لهذا السبب أمر عمر بن عبد العزيز في أوائل القرن الثاني أبا بكر محمد بن عمرو بن حزم بكتابتها.

والمثير للعجب أنّ عمر بن الخطّاب ينسب ترك كتابة الحديث والفقه والسنّة إلى المشيئة والإرادة الإلهية، مع أنّ حسن هذا العمل لا يخفى على أحد، وهو كما قلنا أثر واجب وضروري. ويفهم من هذا أنّه كان هناك مسألة أخرى هي السبب في ذلك ولم يكن يُرى مصلحة في إبرازها، أمّا ما نقله ابن حجر من أنّ كتابة السنّة لها نتائج وخيمة، ويحتمل أن يختلط القرآن بالحديث، فهو إشكال جوابه واضح لدى الجميع.
الدليل الثاني الذي ذكروه لهذا العمل – ومنه ما ذكره الدرامي في مقدمة كتاب السنن – هو قول نسبوه إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهو أنّه صلى الله عليه وآله وسلم أمر أن لا يكتب شيء من قوله، وأن يمحى ويتلف كلّ ما كتب عنه صلى الله عليه وآله وسلم غير القرآن.
وعلى هذا الدليل أيضاً هناك مناقشات وإشكالات واضحة، لأنّ ما نسبوه إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا يقبله أحد، ليس من العلماء فقط بل من الجهال أيضاً، وخصوصاً أنّه قد ذكرنا من قبل أحاديث عن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم يأمر فيها علياً عليه السلام بكتابة أقواله صلى الله عليه وآله وسلم.

خلاصة الكلام أنّ الأحاديث والأخبار لم يجرِ تدوينها عند الأخوة أهل السنّة حتّى منتصف القرن الثاني، وبعد ذلك اتفق علماؤهم على ضرورة ولزوم جمعها وتدوينها، ولكن من وجهة نظر الشيعة فقد جمعت الأحاديث – الشاملة لجميع سنن النبي صلى الله عليه وآله وسلم – بإملاء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وخط علي عليه السلام.

 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع