مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

ضرورة معرفة القيم الإنسانية وتنميتها

دروس من نهج البلاغة


* الفصل الأول
يسأل الجميع: لماذا تعد مرحلة الشباب أهم مرحلة في حياة الإنسان؟
ولماذا ورد كل هذا التأكيد في الآيات على مرحلة الشباب والاهتمام بشخصية الشبان؟ ولماذا اهتم الأنبياء العظام والأئمة المعصومون (عليهم السلام) بالشبان إلى هذا الحد، ولماذا أوصوا كثيراً بمرحلة الشباب؟
ولماذا اعتبر المفكرون على مر التاريخ البشري مرحلة الشباب مرحلة مهمة جداً من مراحل عمر الإنسان؟
ولماذا سمي علماء النفس مرحلة الشباب بمرحلة الاضطرابات الاهتزاز والمشاعر الجياشة؟
ولماذا يرتبط مصير الإنسان وثيقاً بهذه المرحلة المتذبذبة المليئة بالأفراح والأتراح، والعسر والمحاسن والمفاسد، والنجاحات والإخفاقات والانتصارات والهزائم؟
ولماذا تتفتح براعم النضج الفكري والكمال المعنوي والتقدم العلمي لدى الإنسان في ربيع الشباب فتعطر شجرة وجود الإنسان؟ لماذا كل ذلك؟ هل نملك يا ترى إجابات عن هذه الأسئلة؟ لنتأمل قليلاً، ولننظر هل شغلت حتى الآن أسئلة من هذا القبيل أذهانا؟ وهل طرح الأصدقاء والمعارف مثل هذه الأسئلة حتى الآن؟ وكيف أجبتم عنها؟
فلنتفكر قليلاً!

سنجيب عن هذه الأسئلة بملاحظة دقيقة للحقائق الكامنة في وجود الإنسان، وبدراسة لعمل نفس الشباب في كتاب "نهج البلاغة" القيم، فقد اهتم الإمام علي عليه السلام بهذه القضية، وقال:
"فَمَثُلَت إنساناً ذا أذهانٍ يُجيلُها.... مَعجُوناً بطينة الألوان المُخْتَلِفَةِ وَالأشياءِ المُؤتَلِفَةِ وَالأضدادِ المتَعادِيَةِ والأخلاطِ المُتَابيَنةِ".
ومن المعلوم أن كثيراً من الغرائز والرغبات الإنسانية المختلفة تنمو في مرحلة الشباب والمراهقة وهي التي تقرر وضع الإنسان في الحال والاستقبال، وتصوغ شته الإنسانية. لو أننا قصّرنا بحق الغرائز المختلفة فلربما نمت تلك الغرائز والرغبات الحيوانية لدى الإنسان وأثرت في كل المشاعر والصفات الإنسانية فيتحول الإنسان إلى كائن حيواني مفترس.

يقول الإمام علي عليه السلام:
"فَعَلَيْكم بِالجَد والاجتهادِ والتَّأَهُبِ وَالاستِعدادِ والتزوّد في مَنْزِلِ الزَادِ".
فإذا لم نُغذِ نفوس الجيل الشاب وقلوبهم في هذه المرحلة الثائرة بما يساعد على نمو الغرائز والميول والعواطف البشرية لديهم، ولم يستنيروا بنور الإيمان والحقيقة، فمن الممكن أن تزول قيمهم الإنسانية ولن يقدروا بعد ذلك على التطور والتكامل أبداً. وإذا لم تُرَبَّ نفس الإنسان في هذه المرحلة الحساسة تربية سليمة ولم توجه توجيهاً صحيحاً، فقد تصاب بألوان الانحرافات والمفاسد.
وعلى هذا الأساس حذرنا الإمام علي عليه السلام فقال:
وإذا لم نهتم اهتماماً كاملاً بكل جوانب الروح الإنسانية ولم نلاحظ الاختلافات القائمة بين الميول والعواطف البشرية، فسوف يتحول الإنسان إلى كائن أحادي البعد ناقص، ولن ترتوي عندئذٍ كل زوايا الروح الإنسانية ولن تنمو.
وبما أن الغرائز المشتركة حيوان والإنسان غرائز تنمو تلقائياً، فهي تحتاج إلى التربية والرقابة، فإذا غفلنا في مرحلة الشباب الثائرة هذه عن تربيتها ومراقبتها وتكاملها، سلكت تلك الغرائز والميول طريقاً منحرفاً، وانهارت كل القيم الإنسانية.
إذاً، كلما زاد اهتمامنا بتربية الذات وتعليمها، كنا أقرب إلى بلوغ قيم أكمل.

قال الإمام علي (عليه السلام):
"مَنْ حاسَبَ نَفْسَهُ رَبِحَ، وَمَنْ غَفَل عَنها خَسِرَ، وَمَنْ خافَ أمِنَ وَمَن اعتَبَرَ أَبصَرَ".
فإذا لم نعرف في هذه المرحلة الحساسة والمصيرية الآفات التي تصيب الشخصية الإنسانية، ولم نقتلعها بطريق التكامل، في بداية مرحلة الشباب، أي في بداية نضج الجيل الشاب، لم يصح لنا أن ننتظر النمو والتكامل المطلوبين مع وجود الآفات والعقبات.
وإذا لم تتطور غرائز الإنسان وميوله في مراحل الكمال الأولى "مرحلة المراهقة والشباب" إقتداءً برموزٍ ومثلٍ كاملة، واجه الجيل الشاب الكثير من الأزمات.
قال الإمام علي (عليه السلام) في ضرورة وجود القدوة والمثل الكامل:
ألا وَإِنَّ لِكُلِ مَأمُومٍ إماماً يَقتَدي بِهِ، وَيَسْتَضيءُ بِنُورِ عِلمِهِ... أَلا وإنكُمَ لا تَقدِرونَ على ذَلِكَ، وَلكن أَعينُوني بِوَرعٍ واجتهادٍ، وعِفَّةٍ وَسَدَادٍ".
سلامة نفس الإنسان وماله، إذاً، مرهونان بتلك المقاييس والأمور التي أشار إليها الإمام علي عليه السلام، فعلى كل فتًى وشاب يريد مصلحة نفسه ويود سعادتها تطبيق هذه الأمور، لكي يفجر طاقاته الذاتية ويتقدم نحو الأمام يوماً بعد يوم.
إنكم أيها الشبان الأعزاء إن اطلعتم على أهمية مرحلة الشباب والقابليات والطاقات الكامنة في الإنسان والتي هي من نعم الله تعالى، فلنراجع معاً الآن كتاب "نهج البلاغة" وندرس بعضاً من بحوثه التي تتناول "الشباب والقيم الإنسانية" وهي تعاليم بناءة من الإمام علي عليه السلام، لكي نعرفكم إلى كيفية إصلاح الروح والنفس، ونوصيكم بتطبيق هذه التعاليم لكي تتمتعوا دوماً بروح نشطة وسليمة.
وسوف ندرس هذه البحوث عن ثلاثة من أحل هي:
أولاً: التربية البناءة: أي نمو الميول والغرائز الإنسانية الإلهية وتكاملها، مثل:
1- الضمير والوجدان الأخلاقي وسائر القيم المعنوية..
2- الفطرة الباحثة عن الله.
3- الغرائز والميول التي تميز الإنسان عن غيره.
4- التعفف وضبط النفس.
5- حب العلم.

ثانياً:
النمو والاعتدال في الغرائز والميول: وهي الغرائز والميول المشتركة بين الإنسان وسائر الكائنات في هذا الوجود، مثل: 1- الغضب 2- الغريزة الجنسية 3- تهذيب الرغبات النفسية 4- الخوف 5- تخيلات الشباب الشاعرية 6- حب الجمال والتجميل.
ثالثاً: مكافحة الرغبات الزائفة وآفات النضج، مثل:
1- حب الذات (الغرور).
2- حب الانتقام.
3- رصد العيوب (الغيبة).
4- اليأس والقنوط.
5- الإفراط والتفريط (التطرف).
6- التكبر (العُجب).
يشير الإمام علي عليه السلام: إلى تقبل جيل الشباب التربية واستعداده نفسياً لذلك، فيقول:
"وإنَّما قلبُ الحَدَثِ كَالأرضِ الخاليةِ ما أُلقِي فيها مِنَ شَيءٍ قَبلتهُ".
قلنا إن الميول الحيوانية ميول غريزية، فإذا لم تخضع رعاية تعليمية وتربوية، فإنها تنمو وتكبر وتسيطر على كيان الإنسان كله، وأمثلتها: الشهوة والغضب والاعتداء و... ونتيجة لذلك فالسبيل الصحيح الوحيد للتربية والاعتدالِ واتخاذ الطريق الوسط، هو أن نقوم في البداية بتنمية الغرائز الإنسانية وتكاملها ثم نهذِّب الغرائز والميول المشتركة ونسيطرا عليها، ونقوم بمكافحة آفات النضح والنمو. إن أي تساهل وتسامح في منح الأولوية لتربية جيل الشباب ونضجهم سوف يترك عواقب مؤلمة لا تُجبر.
والإمام علي عليه السلام أعطى الأولوية لما يخص تربية الجيل الشاب حينما أوصى ولده الإمام الحسن المجتبى عليه السلام بقوله:
"فَبَادَرتَك بِالأدَب قَبلَ أن يَقسُوَ قَلبُكَ وَيَشْتَغِلَ لُبُّكَ لِتَسْتَقبِلَ بِجِدّ رأيَكَ مِنَ الأَمرِ".

* منح الأولوية لتربية الذات:
ينبغي قبل كل شيء أن نبدأ بتربية أنفسنا وببنائها ونوليها اهتماماً كاملاً ونعرف ما يخص الشؤون التربوية معرفة صحيحة، ونعطي الأولوية لإصلاح الذات وتربيتها وفقاً للمراحل الأساس الثلاث المذكورة، ونعمل من أجل تكاملها، لأننا إن لم نعرف وجوب تربية أنفسنا فلن نقوم ببناء ذواتنا وشؤوننا الروحية. يقول الإمام علي عليه السلام في "نهج البلاغة".
أَيُها النَاس تَولّوا مِن أَنفُسِكُم تأديبَها وَاعدِلوا بِها عَن ضَراوَةِ عاداتِها".

* معرفة القيم:
بعد الإقبال على تربية أنفسنا وإصلاحها، علينا أن نعرف القيم الأخلاقية وأن نحييها في أنفسنا وقلوبنا ونرعاها، الإمام علي عليه السلام يشير إلى بعض ذلك إشارات عامة إذ يقول:
أ- "العِلمُ عَلى قَدرِ هِمَّتِهِ، وَصِدْقُهُ على قَدرِ مُروءَتِهِ، وَشَجَاعَتُه عَلى قَدرِ أَنَفَتِهِ".
ب- "العِلمُ وراثَةٌ كريمَة والآدابُ حُلَلٌ مُجَدَّدةٌ، والفِكرُ مِرآةٌ صافِيَةٌ".
جـ "لاَ غِنَى كَالعَقلِ، وَلاَ فَقرَ كَالجَهلِ، وَلاَ مِيراثَ كَالأَدبِ، وَلاَ ظَهيرَ كالمُشاوَرَةِ".
بعد ذلك علينا أن نقوم، عن طريق التربية الصحيحة، بتنمية هذه القيم في نفوسنا وقلوبنا، ومن هذه القيم:
1- امتلاك همة عالية.
2- الصدق والمروءة.
3- الشجاعة والامتناع عن الانقياد والتبعية.
4- الزهد وعدم الاهتمام بمظاهر الدنيا الزائفة.
5- العلم والمعرفة.
6- الأدب وتربية النفس.
7- تنمية الفكر والتفكير السليم.
8- التعقل الصحيح.
9- الركون إلى الجماعة وإدراك التشاور مع الناس.
من البديهي أن كل أشكال التعاسة والهروب من الحقائق وإنكارها يعود إلى جهلنا وعدم معرفتنا بالقيم التي منحها الله لنا وبالنعم الثمينة التي أودعها في نفوسنا، ولئن عرفنا كيف نتربى تربية صحيحة لغدونا أشرف المخلوقات وأفضل الكائنات في هذا العالم.
والإمام علي عليه السلام يشير إلى هذه الحقيقة المؤسفة بقوله:
"هَلَكَ أمرُؤٌ لمَ يَعرِف قدرَهُ".
"وَكَفى بالمرءِ جَهلاً ألاّ يَعرِفَ قَدرَهُ".

* القيم:
1- التقوى والورع: قال الإمام علي عليه السلام:
"التُقى رئيسُ الأخلاقِ".
وأكد ذلك بقوله: أُوصيكُم بتقوى اللهِ الذي ابتَدَأَ خَلْقَكُم... فَإِنَّ تقوى اللهِ ذَواء قُلُوبِكُم".
2- الحلم.
3- نعم العقل والتعقل.
قال الإمام علي عليه السلام:
"الحِلمُ غِطاءٌ ساتِرٌ، والعَقلُ حُسامٌ قاطِعٌ فاستُر خَلَلَ خُلُقِكَ بِحِلمِكَ، وَقَاتِل هَواكَ بِعَقلِكَ".
وهكذا نجد أن أقوال الإمام علي عليه السلام في نهج البلاغة تبين لنا أننا قادرون على تصفية نفوسنا وتطهير مجتمعنا من الرجس والدنس بالحلم والصبر وبتقوي العقل والتعقل الصحيح في التعامل مع الحياة الاجتماعية.
راجع قولي الإمام عليه السلام 10 و11.
4- الصبر والثبات وضبط النفس: أي تقوية القدرة على تحمل المشاكل. قال الإمام علي عليه السلام:
"... وَعَلَيكُم بالصَّبرِ، فإنَّ الصَّبرَ مِن الإيمانِ كَالرَّأسِ مِنَ الجَسَد، وَلا خيرَ في جَسَدٍ لا رَأسَ مَعَهُ، ولاَ في إيمانٍ لا صَبرَ مَعهُ".
ومن البديهي أن ليس بالإمكان التمتع بصحة نفسية جيدة في مرحلة الشباب الثائرة بدون الصبر والثبات.
5- نعمة المعرفة وغريزة حب الاستطلاع: (راجع قول الإمام عليه السلام 10).
6- الأدب والتربية الإسلاميان: (راجع قولي الإمام عليه السلام 10 و11).
7- الحذر والتدبير: قال الإمام علي عليه السلام.
"اظَّفَرَ بالحَزمِ، والحَزمُ بإجالَةِ الرَّأي، والرَّأيُ بتَحَصِينِ الأسرارِ".
8- تقوية القدرة على التفكير الصحيح: (راجع حديثي الإمام عليه السلام 10. 18).
9- الشخصية الرزينة؛
من سبل بلوغ الصحة النفسية وتطهير الروح في الخبائث امتلاك الشخصية الرزينة، فالذي يعف قيمة وجوده ويعطيه حقه لا يرضخ للمفاسد والخبائث، وقد قال الإمام علي عليه السلام:
مَن كَرُمَت عَلَيهِ نَفسُهُ هانَت عَلَيهِ شَهَواتُهُ".
ومن السبل الأخرى لبلوغ الصحة النفسية المثالية، الحياء والعفة والطهارة لدى الإنسان، فالعفة والحياء قوة رادعة تمنع الإنسان من ارتكاب القبيح والرذيل، قال الإمام علي عليه السلام:
مَن كَساهُ الحَياءُ ثَوبَةُ يَرَ النّاسُ عَيبَهُ".
(نكتفي بما أوردناه من أحاديث للإمام علي عليه السلام في هذا الفصل طلباً للاختصار).

 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع