مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

نظرة في كتاب نهج البلاغة

الإمام الخامنئي دام ظله

نعتذر عن متابعة موضوع بحث حول آية الميثاق في هذا العدد، ونستعيض عنه بإحدى محاضرات الإمام القائد الخامنئي حول نهج البلاغة ألقاها بعيد انتصار الثورة الإسلامية المباركة، على أن نعود إلى بحث الميثاق في العدد القادم إن شاء الله.

نهج البلاغة عبارة عن كتاب يضم بين دفتيه مجموعة من الخطب والرسائل والكلمات المتفرقة لأمر المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام.
ينقسم هذا الكتاب الريف إلى 3 أقسام:
- قسم الخطب.
- قسم الرسائل.

- قسم قصار الكلمات، أو ما يعبر عنها ب- "الحكم ".

* لمحة تاريخية
جُمع هذا الكتاب من قبل الشريف الرضي أواخر القرن الثالث الهجري "حوالي 400هـ "، أي منذ حوالي الألف سنة تقريباً.
كانت هذه الخطب والكلمات والحكم منتشرة في كتب الحديث والتاريخ، إلا أنها لم تكن مدوَّنة بهذه الكيفية. وقد حاول البعض جمعها قبل الشريف الرضي، إلا أنه لم يوفق كما وفق هذا العالم الجليل الذي يدين للجهد والإبداع الذي قام به كل عشاق نهج البلاغة وروَّاد معارفه المتنوعة.

وليس كل ما نقل عن أمير المؤمنين "عليه السلام " من خطب ورسائل وحكم موجود في نهج البلاغة، بل يوجد الكثير منها في بطون الكتب المختلفة. وقد سعى بعض العلماء المتأخرين لجمعها تحت عنوان "مستدرك نهج البلاغة ".

* اعتبار النهج
ادعى البعض أن كتاب نهج البلاغة ليس معتبراً، لأنه ليس مسنداً. إن الراوي، وهو الشريف الرضي، لم يذكر سلسلة الأسانيد التي تنتهي إلى أمير المؤمنين، وهكذا لا يمكن للفقهاء دراسة هذه الأسانيد والتحقق من صحتها ومقبوليتها، ولذلك لا بد من إسقاط الاعتبار والحجية للكتاب.

والجواب: أولاً إن ما ورد في نهج البلاغة منقول في كتب الأحاديث المعتبرة، ويوجد فيها جميع سلسلات الأسانيد للخطب والرسائل والحكم المجموعة في نهج البلاغة. وقد ألف بعض الكتاب مؤلفاً في ذلك أسماه:
"مدارك نهج البلاغة ومسانيده ". فعدم وجود الأساني في نفس نهج البلاغة لا يعني أنها فاقدة للسند وبالتالي فهي ليست فاقدة للاعتبار.

ثانياً: إن الغرض من السند هو الحصول على الاطمئنان بصدور الحديث من المعصوم. ولا ينحصر ذلك به. بل قد يكون نفس متن الحديث دليلاً بذاته على صدوره من المعصوم لما يحمل من معانٍ إعجازية لا يمكن للناس العاديين في ذلك العصر إدراكها. فالأحاديث التي تتحدث عن أحوال المستقبل لا يمكن صدورها إلا من مثل أمير المؤمنين عليه السلام " الذي يتحلَّى بالعلم الإلهي اللدنّي.

وهذه الفصاحة والبلاغة الراقية لا يمكن أن تصدر عن بشر عادي. على هامش الكثير من الخطب، كان يذكر الشريف الرضي: "هذا الكم لا نظير له في كلام البشر ".
ومع أن ذلك العصر عصر الفصحاء والبلغاء والمفكرين، إسلاميين وغير إسلاميين، إلا أنه لم يعترض عليه أحد في مقولته تلك "حتى قيل في النهج: "دون كلام الخالق وفوق كلام المخلوقين " ".

* أهمية النهج

تكمن أهمية نهج البلاغة من جهتين، أولاً من جهة طرح المسائل الأصولية للإسلام: معرفة الله، الإنسان، تشخيص الرؤية الإسلامية حول الإنسان، مسألة النبوة وموقعها في تاريخ الإنسانية، مقام النبي ورسالة النبي وأمثالها من المسائل التي تطرح في باب النبوة و... والخلاصة فإن نهج البلاغة يطرح المسائل الأصولية للإسلام، وهي اليوم وسيلة لنا لمعرفة الإسلام.

ومن جهة أخرى يشير الإمام في نهجه إلى المسائل الاجتماعية في محيط المنافقين والمذبذبين، وهي سمة بارزة في عصره، ونحن اليوم إذا أردنا إيجاد الحلول لكثير من مسائل الحياة والمسائل السياسية والمشكلات والمعضلات الاجتماعية، فعلينا أن نستلهم من نهج البلاغة.

إن الكثير من خطب النهج للأسف الشديد ناقصة، أي أنه سقط منها، إما في بداية الخطبة وإما في نهايتها، قسماً، بل أن السيد الرضي كان يحذف بعض كلام الأمير في وسط الخطبة، حيث يصل إلى مكان فيقطع الحديث ويقول "ومنها " منتقلاً إلى مقطع آخر، لأنه كان يجمع كلام أمير المؤمنين بلحاظ أدبي، أي بالالتفات إلى ما فيه من البلاغة والفصاحة فقط. ولذلك أسماه نهج البلاغة.

* أمهات المسائل في النهج
1- العقائد:
لم تطرح المسائل العقائدية على نسق متكلمي القرن الثالث والرابع الهجري، بل كانت دائماً متحلية بالذوق المعنوي والعرفاني. وإذا أراد إنسان أن يسمع كلام علي "عليه السلام " في باب التوحيد فسيجد بيانه إجمالاً متفاوتاً مع بيان الخواجة نصير الدين الطوسي، المتكلم والفيلسوف الإسلامي المعروف، ومع أي متكلم وفيلسوف آخر.
وتشمل المسائل العقائدية مسائل عديدة مثل التوحيد، الإنسان، القيامة، النبوة، الإمامة وسائر المسائل الأصولية الإسلامية.
 

2- المسائل الاجتماعية والسياسية سواء بالنظر إلى السياسة الكلية للمجتمع أم السياسة الجزئية مثلاً: كيفية إدارة البلد وروابط الحاكم مع مرؤوسيه ومع عامة الناس، كما في عهده المشهور لمالك الأشتر عند تعيينه والياً على مصر، ومنها كيفية المواجهة مع العدو، القاطعية مع عدم إثارة العداوات العديمة الجدوى، وعدم إشغال القلب بما لا طائل منه، ووسائل اجتماعية أخرى كثيرة منها ما يتعلق بذلك العصر، ومنها ما يتعلق بكل مجتمع، وفي أي حقبة من التاريخ.
 

3- الأخلاق: تزكية النفس وتهذيبها، وتربية الإنسان من العناوين الرئيسية التي تعرض لها نهج البلاغة بالتفصيل. وهذا الموضوع من المواضيع، المهمة جداً في الكتاب، لكن للأسف لم يدرس بشكل كامل حتى الآن. وحتى المرحوم الشهيد مطهري في كتابه "في رحاب نهج البلاغة " لم يتعرض للموضوع بالكامل، وإنما اتخذ منه موضوعات متناثرة وقام بشرحها وتوضيحها. وكذلك فعل آخرون.


سؤال: قلتم أن نهج البلاغة معتبر بشكل كامل، فهل هذا يعني أن جميع ما ورد في نهج البلاغة مسند وصحيح، وما تقولون في مورد حديث الإمام عليه السلام عن النساء: هن نواقص العقول؟

الجواب: تعلمون جيداً أننا عندما نقول باعتبار كتاب ما، فهذا لا يعني أن كل ما ورد فيه صحيح ومسند، حتى تقولوا لا يوجد أي حديث غير معتبر في هذا الكتاب. فلا ينطبق هذا الكلام على أي كتاب ومنها نهج البلاغة، ولكن هذا لا يسمح لنا بالقول أن هذا الكتاب غير معتبر، فهذا كلام خاطئ، لأن أسانيد محتويات هذا الكتاب موجودة في مصادرها، وأما بخصوص المثال الذي ذكرتموه عن النساء "هنّ نواقص العقول " فيمكن تأويل هذا الكلام دون أية إهانة للمرأة ودون أن يتعارض مع روح القرآن.

من الأخطاء الشائعة أنه إذا لم ندرك الوجه الصحيح للحديث، فإننا فوراً نقول بأنه غير مسند، ولكن ماذا لو جاء شخط واكتشف سند هذا الحديث، فماذا نقول؟
في الواقع يجب أن نفكر دائماً بهذه الطريقة، هل يمكن أن نفهم شيئاً من الرواية لا يتنافى مع القرآن؟ فلو كان المعنى متنافياً مع القرآن نضرب به عرض الحائط سواء كان مسنداً أم لا، الأئمة أنفسهم قالوا: "ما خالف كتاب الله فاضربوا به عرض الحائط ".

ولكن ألا يمكن أن فهم من الرواية معنى لا يخالف القرآن؟ مثلاً: افرضوا أن علي بن أبي طالب عليه السلام يشير إلى نساء ذلك الزمان، ألم تكن النساء في ذلك الحين قد خرجت لتوّها من عصر الجاهلية؟ وهل تخلصت واقعاً في تلك الفترة الوجيزة من رواسب التربية الجاهلية وثقافتها المتخلّفة؟

وبالتأكيد هذا لا يعني أن الرجال قد تخلصوا جميعاً من هذه الرواسب، ولكن الآثار الجاهلية كانت أقوى بكثير عند المرأة من الرجل، خصوصاً إذا علمنا أن المرأة حسب التقليد الاجتماعية السائدة آنذاك، كانت تابعة بشكل شبه كامل للرجل وما لم يصلح الرجال لن تصلح النساء وفي الواقع، فالحديث الشريف يشير إلى مظلومية المرأة، وليس إلى إنقاص مكانتها أو إهانتها.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع