يعتبر العُجب من المهالك العظيمة جداً التي يحذر منها علماء الأخلاق بشدة وخاصة إذا كان في الكفر والشرك، يقول الإمام قدس سره:
يصل أهلُ الكفر والمشركون وذووا الأخلاق القبيحة وأهل المعصية أحياناً إلى درجة الإعجاب بزندقتهم وسيئات أعمالهم، ويرون أنفسهم متحررين بخروجهم عن التقاليد، التي ينسبونها للأوهام والخرافات، ويرون أن الأخلاق الحسنة نوع من الضعف والاستكانة وأنهم يستحقون المدح والثناء لأنهم متحررون غيرُ مبالين بالشرائع ولا يؤمنون بالخرافات أصبحوا يأنسون بأعمالهم القبيحة والسيئة فيرونها حسنة، ويعتبرونها كمالاً، وورد في الحديث الشريف في شأنهم:
"العجبُ درجات، منها أن يُزيَّنَ للعبدِ سوءُ عمله فيراهُ حسناً، فيُعْجبُهُ، ويحسبُ أنه يُحْسنُ صُنْعاً" وهذه إشارة إلى قول الله تعالى:
﴿أَفَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَن يَشَاء وَيَهْدِي مَن يَشَاء فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُون﴾َ وقوله سبحانه:
﴿قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا ً، الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا، أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا﴾.
هؤلاء جهلة، أخلاقُهم سيئةٌ، يعجز عنهم أطباءُ النفوس، ولا تؤثر فيهم مواعظُ العلماءِ والحكماء ونصائِحُهُمْ.
نعوذ بالله تعالى من شر النفس ومكائد الشيطان، الذي يُهوِّنُ المعصيةَ في قلب صاحبها، حتى يُكرِّرَها ويألفها، فتصغُرَ كبائرُ المعاصي في عينه، حتى يستهينَ بالشريعة، ويؤولَ إلى الكفر، نعوذ بالله سبحانه.
* حيلُ الشيطان دقيقة
كما يتدرج أولو العجب بالمعاصي من مرتبة إلى أُخرى حتى يصلون إلى الكفر، كذلك أهلُ العجب بالطاعات ينتقلون من الدرجة الناقصة إلى الدرجة العالية.
فالشيطان في تعامله مع أمثالكم من المتقين والمؤمنين، لا يطلب منهم قتل النفس أو الزنا، أو السرقة... بل يشقُّ طريقَه بدفعكم لإلتزام المستحبات والأذكار والأوراد، ثم، وبدقة متناهية يُظهرُ عملاً واحداً من أهل المعصية، فيثبتُ لكم بحكم الشرع والعقل أنكم أفضلُ من هذا الشخص، وأنكم ناجون طاهرون منزَّهون عن المعاصي... إلى أن تصلوا إلى نتيجتين.
الأُولى: سوء الظن بعباد الله تعالى.
والثانية: العجب بالنفس.
والنتيجتان مهلكتان.
قولوا للشيطان والنفس: قد تكون لهذا العاصي، حسنات، فيشملُهُ الله برحمته، ويؤولُ إلى حسن العاقبة. بل لعلَّ الله ابتلاه بالمعصية حتى لا يُبتلى بالعجب الذي هو أسوأُ من المعصية،... ورد في الحديث الشريف: "إنَّ الله علم أنَّ الذنب خيرٌ للمؤمن من العجب، ولولا ذلك ما ابتلى مؤمناً بذنب أبداً".
ولعلُّ عملي أن يؤول إلى سوء العاقبة، بسبب سوء الظن هذا.