بقلم: عفاف الحكيم (*)
في آذار عام 1997 نشرت جريدة التايمز كلاماً للمستشرق الايطالي (مونتغمري وات) قال فيه: "إذا وجد القائد المناسب الذي يتكلم الكلام المناسب عن الإسلام فإن من الممكن لهذا الدين أن يظهر كإحدى القوى السياسية العظيمة في العالم مرة أخرى".
- وفي عام 1978 كتبت صحيفة الصنداي تايمز تصف موقع شخص الإمام الخميني قدس سره وحضوره على الساحة الدولية قائلة: "إنه يبدو كرصاصة انطلقت من القرن السابع واستقرت في القرن العشرين".
- وكتب الصحافي العربي الشهير "هيكل" بعد أول لقاء مع الإمام في باريس قائلاً: "بدا وقتها في باريس وكأنه فعلاً شخص من شخصيات صدر الإسلام عادت إلى الحياة بمعجزة بعد ثلاثة عشر قرناً من الزمان".
- وأنه في ظل هذه القيادة الربانية التي نهضت لتصحيح أوضاع الأمة ومسارها عامة وجدت المرأة فرصتها من جديد...
فأجواء القيادة الصالحة التي شكلت عاملاً كبيراً من عوامل نهوضها في صدر الإسلام عادة مرة أخرى رغم ثقل التراجعات الحادة التي أرخت بظلها على مجتمعاتنا لتمكنها ثانية من النهوض والارتفاع... فتكون بمستوى الحدث وعياً وفاعلية وعطاء..
إذ يلاحظ المتتبع لخطوات المسلمة عبر تاريخها أن أشد الفعاليات بروزاً وغزارة كان ما تجلى في حقبتين اثنتين فقط، أي عصر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعصر حفيده الإمام الخميني قدس سره.
وهذا ما يكشف من جهة عن عمق الأثر الذي تتركه العقيدة الإسلامية في حياة المرأة.. ومن جهة ثانية عما للقيادة من دور في تفجير طاقات رجال الأمة ونسائها.. وجعل الساحة تضجّ بحركة الحضور الإنساني الواحد المتكامل.
* فكر الإمام ونهجه:
عندما يتناول أي باحث - حركة المرأة - في ثورة الإمام روح الله الموسوي الخميني قدس سره، فإن أول ما يستوقفه هو تلك الرؤية الشاملة والواضحة الموضّحة التي حملها وتبناها وسار على هداها.. بل بيّنها وشرحها وعمل بها، بحيث كانت كلماته وبياناته اللسان الصادق والمرآة الصافية للإسلام المحمدي الأصيل..
ولذا رأينا تلك الوقائع والحقائق المدهشة المتوغلة بجذورها في صدر الإسلام تنعكس سريعاً على تلك المرآة ليلامس وهجها ليس فقط قلوب الملايين المسلمين.. بل ملايين المتعطشين والمستضعفين في عالمنا الظامئ.
ومن هنا نجد أن الإمام في نظرته للمرأة لم يأت بشيء لم يكن وإنما اغترف ماء فكره كاملاً من هذا النبع.
وعليه فإنه لم يختلف عن غيره من الفقهاء والمراجع لجهة تحديد صلاحيات وحقوق وواجبات المرأة، بل اختلف في التفاعل والتأسي الحميم بنهج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الذي لم يكتفِ بأن يقدم الإسلام للناس بلسانه الشريف.. وإنما انتهج في هذا التطبيق العملي مع الملاحقة الميدانية.. حتى لا يقتصر إسلام الناس على ما سمعوه بل أيضاً على ما رأوه رأي العين، وحيث نجد خطابه قدس سره يتميز بتلك النفحات الأصيلة.
1 - نجده يسعى كأب شفوق لأن يوضح للجميع معالم دور المرأة وأبعاد نهوضها في سائر المستويات الاجتماعية والسياسية والتربوية والحضارية، لافتاً إلى أهمية تمثل النموذج القرآني الذي يعتبر المرأة شريكاً أساسياً في صناعة مستقبل الأمة ومصيرها..
2 - لم يقتصر تشجيعه على الكلمة - كما بينا - بل جعلها تقترن بالمواقف العملية وصولاً إلى انتشال المرأة من الدور الهامشي الذي رسمته دوائر الاستكبار ومخططاته من جهة.. ومن الزاوية الضيقة التي حصرها فيها جمع من الفقهاء من جهة ثانية.. ليجعلها تتقدم باتجاه الدور الفاعل الحي على كل الصعد.. وهكذا نجده يهتف بالجمع قائلاً:
"إننا نأمل أن تستيقظ جميع النساء من الغفلة التي فرضت عليهن من قبل الناهبين والنهوض حتى تصل إلى مقامها الرفيع".
"لقد ظهر الدين الإسلامي في الجزيرة العربية حيث المرأة مسحوقة عديمة الاعتبار فجعلها الإسلام في مكانها المناسب متساوية مع الرجل مرفوعة الرأس ذات كرامة وعزة، بل حظيت بعناية أكثر من الرجل في الإسلام".
المرأة في فكر الإمام:
لمعرفة موقع المرأة في فكر الإمام.. يتعين علينا أساساً - كما مرّ - أن نلقي نظرة على موقعها في المشروع الحضاري الذي حمله الإسلام ككل.. وحيث المرأة في هذا المشروع - الذي هو بذاته برنامجه قدس سره وبرنامج كل قيادة ربانية.
- في هاجر أم إسماعيل عليه السلام التي دعا الله سبحانه وتعالى رجال الأمة ونساءها لأن يسعوا سعيها ضمن فريضة الحج الكبرى متذكرين تسليمها وصمودها وخروجها العملي الحاسم من ضيق المشكلة إلى أفق المهمة..
- وفي آسيا عليها السلام زوجة فرعون التي أفرد الله تعالى في كتابه العزيز مجالاً لإبراز موقفها الرائع وحيث ضربه تعالى مثلاً للذين آمنوا من رجال ونساء خير أمة اخرجت للناس.. متذكرين نهوضها وشجاعتها وثباتها حتى الشهادة، وحيث سجل التاريخ تقاعس قوم ونهوض امرأة أمام جبروت وطغيان فرعون.
- المرأة في هذا المشروع والبرنامج..
هي خديجة عليها السلام التي دفعها الوعي لتكون كما ورد "وزيرة صدق للإسلام".
- وفي الزهراء عليها السلام في كمالها وحضورها وامتداد تأثيرها العظيم في مسار الأمة وتاريخها، ماضياً وحاضراً ومستقبلاً.
- في زينب عليها السلام في صبرها وجهادها ونهوضها لمواصلة المسيرة وصولاً إلى حفظ الإسلام.. وزلزلة عروش الظالمين..
من هذه القاعدة الواضحة انطلق الإمام باتجاه تركيز مسار المرأة وشخصها بحيث جعل مسألة إعادتها إلى مكانتها وإبراز دورها همّاً من همومه..
وإنه لبلورة معالم نظرة الإمام في هذا الجانب لا بد لنا من وقفة يسيرة نستعرض فيها بعض العناوين والمقتطفات التي حملتها تلك الكلمات والخطب.. متأملين بأي روحية كان قدس سره يخاطب الأمة، بل نساء الإسلام تحديداً باثاً فيهن روح المسؤولية والمبادرة وحرارة النهوض.. مظهراً أن الفوارق الموجودة بين الجنسين لا علاقة لها بالطبيعة الإنسانية، بل أنها نابعة من كون المرأة والرجل يكمل أحدهما الآخر مبيناً أن المساواة الحقيقية بين الرجل والمرأة هي المساواة في تحمل المسؤولية وأداء الواجب وصنع المستقبل.. وإن الحجاب ليس سجناً للمرأة بل وسيلة للتحرر والانطلاق والعمل في مختلف الشؤون من أجل خدمة الإسلام.. مؤكداً "أن الدفاع عن الحق والذود عن الإسلام هما من اشرف العبادات".
وأن الدور الذي عليها أن تؤديه ليس هدية تقدم لها بل هو حق من حقوقها ومسؤولية من مسؤولياتها ويترتب عليها أن تنتزع هذا الحق وتمارس هذه المسؤولية..
* أمثلة ونماذج:
1- على صعيد تعزيز الدور ككل:
نجد الإمام يتوجه في هذا الاتجاه نحو جذب انتباه الأمة إلى أهمية دور المرأة بحيث يركز على مساهمتها الكبرى في الانتصار والنجاحات الباهرة التي أثمرتها جهودها.. وأهمية هذا الكلام أنه لم يكن لكسب العواطف والتأييد وكسب الرأي العام، بل هي حقيقة قائمة في صلب الفكر الإسلامي الذي يحمله ويعمل به، وهي أيضاً حقيقة القيادة الصالحة التي يمثلها والتي حضورها حضور قيم وتعاليم، واتصالها بالناس واتصال الناس بها ليس اتصالاً مادياً ومصلحياً.. ولنسمع بعض قوله: "لولا المرأة في هذه الثورة لما كنا نتذوق طعم الانتصار".
"كان انتصارنا هذا من النساء قبل أن يكون من الرجال، كانت السيدات في الصفوف الأمامية، ويعود لنسائنا العزيزات ما أبداه الرجال من الجرأة والشجاعة.. إننا أسرى تضحياتكن فأنتن سيدات حقاً".
"إن أمة تتخذ نساءها صفاً متقدماً لتحقيق الأهداف الإسلامية هي أمة لن ترى الشقاء أبداً، وإن أمة تقف نساؤها في ساحة المواجهة مع قوى الاستكبار قبل الرجال هي أمة سيكتب لها النصر..".
"لو لم يكن هناك أية مكاسب لهذه الثورة سوى هذا التحول الذي حدث في نسائنا وشبابنا لكان ذلك كافياً لبلدنا".
2- على صعيد المسؤولية الاجتماعية:
نجده قدس سره يقدم في هذا المجال للدكتور جيم كولا روزفلت - أستاذ جامعة رونكرز الأميركية - شرحاً وافياً وواضحاً حول الحقوق الاجتماعية للمرأة المسلمة وذلك أثناء لقائه معه: "من قال إننا نعارض عمل المرأة ومن قال أنها لا تستطيع ممارسة المهام الرسمية، لا أحد يمنعهن من دخول الجامعات والدوائر والمجالس النيابية أبداً، بل الممنوع هو ما يأتي بالفساد الأخلاقي سواء على المرأة أو الرجل فهو حرام لكلا الجنسين".
وفي رده قدس سره على مثل منظمة العفو الدولية يجيب: "إن الإسلام أناط بالمرأة دوراً مهماً وحساساً في بناء المجتمع الإسلامي ورفعها إلى المستوى الذي تستطيع فيه أن تتبوأ منزلتها الإنسانية في المجتمع لتخرج من كونها سلعة إلى كونها إنساناً بناءً.. وعلى أساس هذا التفكير تستطيع أن تتولى مسؤوليات داخل الحكومة الإسلامية".
أيضاً: "يحق للنساء الانتخاب، إن ما يعطيه الإسلام في هذه القضايا للمرأة هو أكثر مما يعطيه الغرب، يحق للنساء المشاركة في الانتخابات والترشح للانتخابات".
3 - على صعيد المسؤولية السياسية:
نجد الإمام قدس سره يؤكد دور المرأة في الشأن السياسي ويجعله تكليفاً عليها أن تنهض به:
"أيتها النساء أيدكن الله حافظن على بقائكن في الساحة السياسية، لأن كل بيت يعتبر مركزاً من مراكز الدولة.. المسألة مسألة عقائدية لا مادية.. فالنساء حين يخرجن لأداء عمل ما كأن تتولى أحداهن منصباً من المناصب ويضحين بأولادهن، لا يخرجن لهذه الأمور من أنفسهن بل لأن الإسلام والقرآن هما اللذان دفعا بهن إلى الخروج مع الرجال بل أمامهن إلى ساحة العمل السياسية".
الإمام يرى أن ما تقدمه المرأة من خلال مشاركتها وخروجها للساحة السياسية والذي يكون على حساب بعض المسؤوليات هو تضحية منها وأن هذه التضحية يجب أن تصان وأن تؤخذ بعين الاعتبار لأن فقدانها يؤدي إلى حرمان الأمة من طاقة محركة وفاعلة.. لافتاً إلى أن معادلة تربية طفل قد تكون أدنى من معادلة تحريك المجتمع..
وإن معادلة العمل السياسي المرتبط بنهضة المجتمع وتنميته والدفاع عن مقدساته.. قد تكون أكبر من معادلة الاهتمام الكامل بالأسرة داخل البيت لأن الإسلام والقرآن هما اللذان يدفعانها.. لذا لا بد من المحافظة على بقائها والاستفادة من طاقاتها وإمكاناتها في ساحة العمل السياسي.
4 - على صعيد الحضور في ميدان الدفاع عن الإسلام:
وهنا أيضاً نجده قدس سره يحرص على مساهمتها في القوة الدفاعية إعداداً وتدريباً، حيث يؤكد على المرأة القادرة على المواجهة والحرب في المجال العسكري أن تتعلم الفنون العسكرية.. لأن مسؤولية الحفاظ على الإسلام والدفاع عنه وعن الوطن الإسلامي يملي على المرأة جهاداً يتلاءم مع قدراتها الذاتية وما تتطلبه الظروف..
ولذا حين يكتب وصيته العامة يحرص على أن يتحدث مع المرأة بالمسألة الجهادية تركيزاً منه على هذا الجانب..
فالمرأة التي تتردد وتنكر إرادتها في المواضع التي تتطلب الثبات والصمود والتي تنهار أمام الدم المراق في سبيل الله، والتي تخذلها عاطفتها في اللحظات الحرجة، من الصعب أن تصل إلى ذاك المقام الشامخ فتكون في عداد المؤهلين لأن يجري الله تعالى على يديها ما يريد أن ينزله من بركات في هذه الأمة.. وهكذا يسعى في وصيته قدس سره لأن يؤكد على معالم المجتمع الإسلامي الذي تشكل المرأة فيه ركناً أساساً.
"نحن فخورون - يقول الإمام - بأن السيدات والنساء الهرمة والشابة والصغيرة والكبيرة حاضرات في الميادين الثقافية والاقتصادية والعسكرية وجنباً إلى جنب مع الرجال أو أفضل منهم، يبذلن الجهد من أجل إعلاء كلمة الإسلام وأهداف القرآن الكريم".
"القادرات منهن على الحرب يشاركن في التدريب العسكري للدفاع عن الإسلام والدولة الإسلامية الذي هو من الواجبات المهمة، وقد حررن أنفسهن من أنواع الحرمان التي فرضت عليهن بل على الإسلام والقرآن، وقد حررن أنفسهن بكل شجاعة والتزام واخرجن أنفسهن من أسر الخرافات التي أوجدها الأعداء بواسطة الجهلة وبعض المعممين الذين لا يفهمون مصالح المسلمين".
5 - على صعيد الأمومة وتحصيل العلم:
لقد أعطى الإمام قدس سره الأم موقعاً مميزاً مبيناً أن عطاءها هو الذي يحدد مقامها الرفيع.. لأن الأم حين تنهض بدورها الأمومي كاملاً فإنها تمنح مجتمعها الاستقرار والازدهار وتمنح الأمة القوة والعزة والمنعة..
وعليه فإن مسألة استيعاب المرأة لدورها الأمومي وأبعاده الخطيرة هي مسألة طاقة عند الإمام.. ولذا نجده يسعى إلى ايضاح نوعية التربية التي يجب أن تقوم بها والمقومات والمزايا التي ينبغي أن تتحلى بها.. فمن جهة نجده يكشف عن ايجابيات دور الأم الواعية، ومن جهة يحذر من سلبيات ومخاطر تخلف المرأة.. لأن تخلفها سيؤدي حتماً إلى تخلف نتاجها.. وهذا بدوره يؤدي إلى تخلف المجتمع بأسره مظهراً أبعاد تربية الأم الواعية وأبعاد تربية الأم الجاهلة.. لافتاً الجميع إلى الحصيلة النهائية.. مبيناً أنه أن كان صلاح المجتمع بصلاح أفراده وكانت مهمة الأنبياء هي هداية الفرد وإصلاح المجتمع.. فالأم من خلال دورها تؤدي الهدفين معاً.. ولنسمع بعضاً من كلامه قدس سره بهذا الخصوص:
"إن عمل الأم عمل الأنبياء، إن الأنبياء بعثوا لتربية البشر فإن نساءنا يعملن عمل الأنبياء بتربيتهن الأبناء ولا عمل اسمى من هذا العمل".
"أنتن السند لهذه الأمة فلتسعين جهدكن في تحصيل العلم لكي تتخذن من فضائل الأعمال وفضائل الأخلاق ما تربين عليه الشباب القوي لبلدنا في المستقبل".
"إن خروج الرجل وبلوغه الكمال يتحقق على يد المرأة الكفؤ".
"من الممكن أن تربي أم طفلاً تربية صالحة فتكون منقذاً ومخلصاً للأمة، كما أنه من الممكن أن تربيه تربية فاسدة يكون بعدها سبباً في خلل أمة".
6 - على صعيد الضوابط الشرعية:
نجده قدس سره في أحدى المقابلات التي أجرتها معه صحيفة الغارديان يجيب السيدة اليزابيت تارغود عن سؤالها: هل أن المرأة قادرة في ظل الحكومة الإسلامية على الاختيار بحرية بين الحجاب الإسلامي واللباس الغربي؟ قائلاً: "النساء ينعمن بالحرية في اختيار العمل والمصير، كذلك نوع اللباس ضمن الموازين والضوابط الشرعية".
"إن للمرأة في النظام الإسلامي عين ما للرجل من حقوق كحق الدرس وحق العمل وحق التملك وحق إبداء الرأي وحق المشورة ولكن يحرم على الرجل تسبيب إفشاء الفساد كذلك يحرم على المرأة مثيلاته".
وهكذا بيّن الإمام بأن الإسلام ساوى في مسألة الحرية بين المرأة والرجل وكفل للمرأة حرية الحركة والإبداع في كل المجالات.. وليس هناك إلا الضوابط الشرعية التي حددتها أحكام الله والتي تحافظ على إنسانية المرأة وتصون مقامها.. مدللاً على المكانة السامية التي يمنحها الإسلام وتشريعاته للمرأة.. خلافاً للاعتقادات الخاطئة لدى الغرب وما يروجه الاستكبار عامة.. بأن المرأة المسلمة تخضع لعبودية الرجل والتقاليد الموروثة التي تحط من شأنها وكرامتها..
عناوين سعى الإمام لإبرازها وإقامتها في المجتمع الذي عليه أن يحمل الهم الإنساني العام.. وهم المشروع العالمي للإسلام.. ولذا كان لا بد لهذه العناوين من أن تشق طريقها إلى الدستور الإسلامي.. الذي أكد مكانة المرأة السياسية والتربوية وحقها في الانتخاب والترشيح لمجلس الشورى وحقها في اكتساب كل أنواع العلوم التي تتناسب وقابلياتها المختلفة.
وأنه من أجل تعزيز هذه المكانة وهذا الدور.. وتوضيحاً لاتجاه الحركة المستقبلية للمرأة، نجد الإمام - وقبل وفاته قدس سره بفترة وجيزة - يختار المرأة لتكون عضواً في وفد هام مكون من ثلاثة أعضاء فقط لحمل رسالته الشهيرة إلى الزعيم السوفياتي ميخائيل غورباتشوف، حيث أخبرتني المجاهدة الفاضلة رضية دباغ - في أحدى اللقاءات - أن الإمام قدس سره قال لها يومها: "أنا اخترتك من بين السيدات.. ومن بين الرجال آية الله محمد جواد آملي" وقد شاركت حينها بجانب هذه الشخصية الإسلامية الكبيرة في كل ما جرى من بحث - كما تقول - وقد حيا فيها غورباتشوف الأم الإيرانية ونساء الثورة.
أخيراً: لقد أثمر فكر الإمام ونهجه كإحدى أكثر ظواهر التاريخ إثارة للدهشة، وهذا ما تعبر عنه صور التضحية والإيثار التي قدمتها المرأة والتي لم يكن لها حد..
وهذا لا يمكن أن يحدث إلا عندما نرى أحكام الإسلام المحمدي الأصيل عملياً.. وعندما تلتزم الأمة ككل بقيم الإسلام وتوجيهات القيادة الصالحة والارتباط الصادق بالولاية..
لقد رأينا أن الإمام قدس سره كان حقاً القائد المناسب.. الذي قال الكلام المناسب، وكان الرصاصة التي انطلقت حقاً من القرن السابع لتستقر في القرن العشرين..
وكان في حضوره بمثابة الضوء من الضوء.. كشخصية من شخصيات صدر الإسلام، وقد عادت لتحمل لنا عبير الأجواء العطرة بعد ثلاثة عشر قرناً.. عبير أجواء القيادة الصالحة.. والمناخ الذي تتوق إليه أفئدة البشرية الظامئة..
(*) رئيسة جمعية التكفل الإسلامي وكاتبة إسلامية.