مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

حصون الإسلام: الشيخ البهائي رضوان الله عليه


السيد محمد القدسي


ساهمت الدولة الصفوية والتي تأسست في إيران عام 905هـ (1501م) في إحياء وتجديد الفكر الإسلامي وخط أهل البيت (عليهم السلام) في كل أرجاء إيران وبعض من العراق وأفغانستان والمناطق المجاورة لها وتميزت هذه الدولة باحترام حكامها لحملة علوم آل محمد (ص) وسعيها لاستحضارهم من البلاد البعيدة لا سيما من بلاد الشام ولبنان وذلك بهدف خلق حركة علمية ودينية تساهم في نشر الإسلام الأصيل في البلاد التي حكمتها. وفي هذا الاطار يأتي استدعاء الشاه طهماسب أحد حكام الدولة الصفوية الشيخ علي بن عبد العالي الكركي (المحقق الثاني، ت 940هـ) لينهض بعبء التبليغ والدعوة وتبعه في ذلك العديد من طلبة العلم والعلماء من لبنان وغيره وكان من هؤلاء والد الشيخ البهائي حسين بن عبد الصمد (ت 984هـ) (1576م) وبعد والده الذي أدى خدمات جليلة للإسلام في إيران قام الشيخ البهائي بدور كبير في هذا الإطار وقد خلد التاريخ اسمه وذكره ولا يزال حديث الناس في أكثر من مكان حتى اليوم، فمن هو الشيخ البهائي؟

* الشيخ البهائي(953- 1030هـ):
هو بهاء الدين محمد بن الحسين بن عبد الصمد بن محمد بن علي بن الحسين بن صالح الحارثي الهمداني العاملي الجبعي ويعود نسبه إلى الحارث الهمداني صاحب أمير المؤمنين، وهمدان قبيلة عربية مشهورة من قبائل اليمن.

* ولادته ووفاته:
اختلف في ولادته بين ثلاثة أمكنة بعلبك وقزوين وآمل في خراسان، كما اختلف في تاريخ ولادته بين يوم الخميس 17 محرم عام 1953هـ وبين تواريخ أخرى.
وكذلك حصل الخلاف في تاريخ وفاته بين 12 شوال عام 1030هـ أو 1031 أو 1035 وكانت وفاته في أصفهان وكان عمره قد بلغ 77 سنة أو 80 أو 81 أو 82، باختلاف الروايات.
وقبل أن يدفن نقل إلى مشهد الإمام الرضا عليه السلام ثم ووري في داره بجانب الحضرة المقدسة الرضوية وقبره هناك مشهد يزار إلى اليوم.
وقال تلميذه المجلسي الأول أنه تشرف بالصلاة عليه "جميع الطلبة والفضلاء وكثير من الناس يقربون من خمسين ألفاً".
ويبدو أنه لم يعقب بذرية والبعض يرى أن آل مروة في جبل عامل هم من أنسباء الشيخ البهائي.

* حياته العلمية:
كانت قزوين عاصمة الدولة الصفوية في عصرها الأول واشتهرت بحركة علمية واسعة وكان والد الشيخ البهائي يسكن فيها وقد درس فيها على يد والده هناك علوم العربية والفقه والأصول والحديث والتفسير، وسافر والده بعد ذلك، فبقي الشيخ البهائي في قزوين مدة من الزمن عاد والتحق بعدها ليتابع دراسته فيها حيث كانت هناك بداية شهرته. ومن الذين تتلمذ عليهم أيضاً العلامة عبد الله اليزدي، وإضافة إلى الدراسة المنتظمة عند والده وعند أستاذه فقد أخذ عن العديد من العلماء في أصفهان وعن آخرين كثيرين وكان هناك للشيخ سلوك آخر أدى إلى اكتمال علمه ونبوغ عقله وهو أسفاره الكثيرة حيث اختلط بمختلف الفئات لا سيما العلماء منهم.

وقد دامت أسفاره مدة ثلاثين عاماً زار خلالها مختلف أنحاء الدولة الصفوية وبلاد الجزيرة العربية ومصر والشام والحجاز وأدى فريضة الحج خلالها ويقال أنه بلغ بلاد الروم.
وقبل أن يباشر سفره الطويل سمي شيخ الإسلام في بلاد الصفويين وهو أعلى منصب ديني في تلك الدولة، إلا أن ذلك لم يثنه عن سفره الذي حصل له فيه العديد من المواقف التي لا مجال لذكرها هنا.
وكان الشيخ البهائي على سعة علمه وعلو درجته يمتاز بتواضعه الشديد وبعده عن التكلف وربما هذا الذي أدى إلى أن يرميه البعض بتبنيه لاتجاهات صوفية.
وما يؤسف له أن الشيخ البهائي لم يترك لنا مذكرات لرحلته الطويلة هذه التي ولا شك كانت حافلة بأحداث وأحداث.. ويقال إنه عندما زار بلاد الشام تقاطر عليه أهالي جبل عامل أفواجاً أفواجاً إلا أنه سارع بالرحيل مخافة أن يظهر أمره وذلك في زمن السلطان العثماني مراد بن سليم.

أما طلابه فإنه قد تتلمذ على يده العديد من الطلاب منهم:
1- السيد حسن بن حيدر الكركي.
2- نظام الدين محمد القرشي (الظاهر أنه نظام بن حسين الساوجي).
3- الشيخ نجيب الدين علي بن محمد بن مكي العاملي الجبلي ثم الجبعي.
4- الفاضل الجواد البغدادي.
5- السيد ماجد البحراني.
6- ملا محسن الفيض الكاشاني.
7- السيد الأمير نزار رفيع الدين النائيني.
8- المولى شريف الدين محمد السروي الشتي.
9- المولى خليل بن غازي القزويني.
10- المولى محمد صالح بن أحمد المازندراني.
11- الشيخ زين الدين بن محمد بن صاحب المعالم.
12- المولى حسن علي بن عبد الله الشوشتري شيخ رواية المجلسي الأول محمد تقي.
13- الشيخ محمد بن علي العاملي التنئيني.
14- المولى مظفر الدين علي.
15- الشيخ محمود بن حسام الدين الجزائري.
16- الشيخ زين الدين علي بن سليمان بن درويش بن حاتم القرمي البحراين.
17- المجلسي الأول محمد تقي.
18- الشيخ إبراهيم بن إبراهيم العاملي البازوري.
19- الشيخ عبد اللطيف بن أبي جامع العاملي.
20- السيد حسين الحسيني المرعشي وزير الشاه عباس سلطان العلماء وصاحب الحواشي على الروضة والمعالم.

* علاقته بالدولة الصفوية:
تقلد الشيخ البهائي منصب شيخ الإسلام في أصفهان زمن الشاه عباس الكبير خلفاً للشيخ علي المنشار وتبوأ مكانة مرموقة ما زال يعرف بها، ولم يكن لأحد من كبار الرجال الصفويين مركز يداني مركزه.
ويتحدث الناس في الأيام الحاضرة بأحاديث تشبه الأساطير عن مكانته وأعماله الإنشائية في دولة الشاه عباس الكبير حتى أنه كان يضع تصاميم المعاهد والمعابد والصور وغير ذلك من الأبنية التي اشتهر هذا الشاه بانشائها وهي مباني ضخمة لا يزال بعض منها ثابتاً وهي تشهد للشيخ بخبرته وبراعته الفنية في فروع الرياضيات والهندسة. وقد وضع تصاميم كثيرة من تلك المعابد والمساجد على أسس فنية بحيث يستفاد منها تعيين المواقيت الشرعية، ويقال أنه صنع بعض الآلات الفلكية التي تحدد المواقيت الشرعية.
وكان مقرباً جداً من الشاه عباس الصوفي ويروى أنه يوم عاد من سفره الطويل جاءه الشاه عباس إليه بنفسه وأحاطه بالإكرام والإجلال وظل صاحب المنصب الأول لدى الشاه إلى أن وافاه الأجل.

* آثاره:
تعددت آراء العلماء القائلين بالثناء والمدح للشيخ البهائي وإظهار فضله في الفقه والتفسير والآداب والشعر وعلوم متعددة أهمها الهندسة والفلك.. وأنه كان كثير الحفظ متفرداً في معرفة بعض العلوم وقيل عنه أنه مجدد دين الأئمة على رأس القرن الحادي عشر وإليه انتهت رياسة المذهب وقيل الكثير في كتبه وما فيها من فوائد فلسفية إضافة إلى بحوثه في الرياضيات والفلك وقد ترجم له الكثير من متأخري المؤلفين وأصحاب المعجمات.
وقد بلغت مؤلفات الشيخ البهائي ما يزيد على الخمسين مؤلفاً في التفسير والحديث والدراية والرجال والأدعية والفقه والأصول والحساب وعلم الهيئة والحكمة والتاريخ والأدب إضافة إلى أجوبة المسائل والكثير من الحواشي وأشعار متعددة بالعربية والفارسية، ومن

* مؤلفاته:
1- مشرق الشمسين وإكسير السعادتين.
2- العروة الوثقى في تفسير القرآن.
3- الحبل المتين في أحكام الدين.
4- شرح الأربعين حديثاً.
5- رسالة مختصرة في الدراسة.
6- فوائد في الرجال.
7- مفتاح الفلاح في عمل اليوم والليلة.
8- حدائق المقربين أو حدائق الصالحين في شرح الصحيفة السجادية.
9- الجامع العباسي.
10- الزبدة.
11- الفوائد الصمدية.
12- خلاصة الحساب.
13- تشريح الأفلاك.
14- الاسطرلاب.
15- الجوهر الفريد.
16- توضيح المقاصد.
وتوجد جملة من مؤلفات الشيخ في مكتبات الجمهورية الإسلامية في إيران إضافة إلى وجود العديد من مخطوطاته كذلك كان الشيخ موضوعاً للعديد من الدراسات وكتب التراجم المتفرقة في أنحاء متعددة وبعضها مفقود.
وقد ترك لنا الشيخ أحمد المنيني في شرح قصيدة البهائي عن أبي المعالي الطالوي نبذ يسيرة عن أخبار أسفار الشيخ البهائي وكذلك كتاب مظفر الدين في أحوال شيخه البهائي. وصدر حديثاً أكثر من مؤلف يتناول سيرة الشيخ البهائي وعطاءاته.

* خاتمة:
إن الشيخ البهائي يشكل نموذجاً حضارياً راقياً وشاهداً تاريخياً ناصعاً على عمق العلاقة والروابط الثقافية والحضارية بأبعادها المختلفة بين مختلف أرجاء الوطن الإسلامي الكبير وهو يمثل ثروة علمية كبيرة ورمزاً مشعاً للعالم المبلغ المبدع الذي تتعدد مواهبه والذي يغني التجربة الإسلامية بالكثير من أفكاره وأعماله. وقد كان دوره مميزاً في بدايات القرن الحادي عشر الهجري في جعل الشريعة الإسلامية تأخذ طريقها إلى التطبيق واعتبارها أساساً في دستور الدولة ويمكن اعتبار عطاءاته في إيران من اللبنات الأولى التي مهّدت قبل مئات السنين لاكتمال بنيان الدولة الإسلامية الحاضرة على يدي الإمام الخميني العظيم رضوان الله تعالى عليه كما أن وجوده المبارك في إيران يثبت أن العلاقة بين لبنان وإيران هي علاقة ضاربة جذورها في أعماق الزمن وتاريخها سجل حافل باللآلئ.

* ما جرى للبهائي والداماد بصحبة الشاه عباس
ومما يحكى أن الشاه عباس ركب يوماً إلى بعض متنزهاته وكان البهائي والداماد في موكبه إذ كان لا يفارقهما غالباً وكان الداماد عظيم الجثة والبهائي نحيفها فأراد الشاه أن يختبر صفاء الخواطر بينهما فقال للداماد وهو راكب فرسه في مؤخرة الجمع وقد ظهرت عليه آثار الإعياء والتعب والبهائي في مقدمة الجمع: يا سيدنا ألا تنظر إلى هذا الشيخ كيف تقدم بفرسه ولم يمش على وقار كما تمشي أنت فقال الداماد أيها الملك إن جواد الشيخ قد استخفه الطرب بمن ركبه فهو لا يستطيع التأني ألا تعلم من الذي ركبه، ثم قال للبهائي يا شيخنا ألا تنظر إلى هذا السيد كيف أتعب مركبه بجثمانه الثقيل والعالم ينبغي أن يكون مرتاضاً مثلك خفيف المؤونة فقال البهائي أيها الملك إن جواد الشيخ أعيا بما حمل من علمه الذي لا يستطيع حمله الجبال فعند ذلك نزل الشاه عن جواده وسجد لله شكراً على أن يكون علماء دولته بهذا الصفاء.

* لغز في الإمام علي
ابتكر الشيخ البهائي عليه الرحمة لغزاً في اسم الإمام علي عليه السلام وكأنه أرسله إلى والده وهو: يا ثقتي ورجائي ومن به في الدارين افتدائي استدعي منكم الأخبار عن اسم عدد أفراده بعدة لطائف الأركان ومن أجزائه عرق أبواب الجنان ويذكرونه مع الله المنان في أوله بصيرة المخلوقات وثانيه تالي اسم الذات وآخره أول مراتب العشرات ويحصل منه الإيمان بالزبر والبينات أول أفراده رأس العرب والعجم وآخر أجزائه مساوٍ للاسم الأعظم صورته بالاستعلاء موصوف ومسماه في السماوات والأرضين معروف وآخر آخره صدر الحروف أوله مدار الدنيا وبآخره تتم العقبى ولولا وسطه لكان معه وما أن نقص ثلاثة من ثلثه بقي ثلاثة وإن زيد ثلاثة على ثلثه جعل ثلث ثلاثة لولا أوله لكان رأس العمر مقطوعاً وإن لم يكن آخر ثانيه واسطة العمر لكان بقطعتين مكسولاً من وجد بأوله نصيباً فقد كان غنياً ومن عري فلا يرى من العيش نصيباً ولو كان أوله لآخرته لم يكن فقيراً، آخره رأس اليقين وبجزئي أوله يتم الدين الحروف مندرج بين جزئي آخره بالتمام وبآخره يبني حروف كل كلام والسلام خير ختام.

 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع