الشيخ محمد جمعة
هو محمد بن عز الدين حسين بن عبد الصمد بن محمد العاملي،
الحارثي الهمداني، الجبعي المعروف بالشيخ البهائي.
* مكانته ومقامه:
شيخ الإسلام، بهاء الملة والدين، أستاذ الأساتذة والمجتهدين وشهرته طائلة وصيته
طائر في ضلوعه في العلوم، فهو المحقق والفقيه، والحكيم المتأله، والعارف البارع
والمؤلف المبدع وأحد نوابغ الأمة، وأوحدي من عباقرتها الأماثل، فقد كان أمة مستقلة
في الإحاطة بالعلوم وسائر الفنون(1). وقد وصفه الحر العاملي رضي الله عنه في أمل
الآمل بقوله: "حاله في الفقه والعلم والفضل والتحقيق والتدقيق وجلالة القدر وعظم
الشأن وحُسن التصنيف، وجمع المحاسن أظهر من أن يُذكر، وفضائله أكثر من أن تُحصر،
وكان ماهراً متبحراً جامعاً كاملاً شاعراً أديباً منشئاً، عديم النظير في زمانه في
الفقه والحديث والمعاني والبيان والرياضي وغيرها"(2).
* أخلاقه:
أثنى المؤرخون على أخلاقه التي تحلّى بها، وشمائله التي ندَّت عن كريم أصله وحسن
خُلُقه، وأفاضوا في حسن معاملته. قال المحبي: أخلاق لو مزج بها البحر لعذب طعماً،
وشيم هي في المكارم غرر وأوضاح، وكرم بات جوده لشائمه لامع وضاح"(3) وكان معروفاً
رضي الله عنه بعطفه على الفقراء ومحبته للأيتام يصرف ماله في سبيل البر والخير، وقد
كانت له دار مشيَّدة البناء، رحبة الفناء، يلجأ إليها الأيتام، ويفد عليها الراجي،
وكان مشغوفاً بمظاهر البساطة في الحياة لا يحب التصنع والتكلف، زاهداً في حياته.
* أساتذته وشيوخه:
تتلمذ الشيخ البهائي رضي الله عنه على أساطين العلم وكبار علماء عصره، وكان أبوه
الشيخ حسين أول معلم له، ثمَّ دفعه إلى أنداده من علماء إيران ليكملوا صقل شخصيته
العلميّة، وعلى امتداد الطريق من لبنان إلى إيران ملأ سمعه من علوم أبيه فقهاً
وأصولاً وفلسفةً وأدباً وغيرها.
* أبرز أساتذته:
1 - الشيخ عبد العالي الكركي المتوفَّى سنة 993.
2 - الشيخ محمد بن محمد بن أبي اللطيف المقدسي، وقد نال منه إجازة مؤرخة سنة 993.
3 - الشيخ عبد اللَّه اليزدي توفي سنة 941.
4 - علي المذهب المدرس، أستاذه في العلوم العقلية والرياضية.
5 - الشيخ أحمد الكجائي، المعروف ببير أحمد، قرأ عليه في قزوين.
6 - النطاسي عماد الدين محمود، قرأ عليه في الطب.
* تلامذته:
أخذ عن الشيخ البهائي لفيف كبير من العلماء يعدون بالمئات ويرجع سبب كثرة تلامذته
إلى تنوع قنوات معرفته، فمنهم من نهل منه الفقه والأصول، ومنهم من نهل الفلسفة وعلم
الكلام وآخرون نهلوا منه الأدب واللغة والبلاغة. وأبرز تلامذته:
1 - إبراهيم بن فخر الدين العاملي البازوري.
2 - أبو طالب التبريزي.
3 - ظهير الدين إبراهيم بن قوام الدين الهمداني.
4 - بدر الدين بن أحمد العاملي الأنصاري، نزيل طوس.
5 - حسين اليزدي الأردكاني.
6 - حسين بن حيدر الكركي، وغيرهم كثيرون يضيق المقام عن ذكرهم.
* مقامه في الدولة:
تقلد العاملي قدس سره منصب شيخ الإسلام في أصفهان زمن الشاه عباس الكبير، خلفاً
للشيخ علي المنشار، وصار الرئيس المقدم عنده، حيث ارتفع شأنه، ولم يكن لأحد من كبار
رجال الدولة مركز يداني مركزه، فقد وضعته الدولة على مفرقها تاجاً وأطلعته في
مشرقها سراً وجاهاً، وكان سلطان الدولة لا يفارقه سفراً وحضراً، ولا يعدل عنه
سماعاً ونظراً ولم يعد يصدر أمراً إلا عن رأيه. فرافقه في رحلاته ليمنحه الآراء
السديدة، فزار معه خراسان وآذربيجان وأران وغيرها. وكان الشيخ رضي الله عنه يلتقي
جهابذة العلم في تلك الأنحاء.
* رحلاته:
سافر الشيخ حسين والد الشيخ البهائي أسفاراً عديدة إلى بلاد الشام وإيران وغيرها
مما حدا بالشيخ البهائي رضي الله عنه إلى حب السفر طلباً للعلم وتبليغاً له وللقيام
بالواجبات الدينية والإصلاح في البلدان المختلفة. وبدأ رحلته بحج بيت اللَّه
الحرام، واجتمع في سفره بلفيف من أهل العلم، فناقشهم وحاججهم، فلمع نجمه بين
الأمصار وتشوق إلى مجالسته والاستماع إلى مناقشاته العلماء وأهل الفضل، وكانوا كلما
سمعوا بقدومه توافدوا عليه من كل حدب وصوب وقد زار مصر والجزيرة والشام والحجاز
والقدس وغيرها من البلاد، وألف كتابه المشهور الكشكول وهو في مصر.
* آثاره:
لقد أوتي الشيخ رضي الله عنه براعة تأليفية نادرة، فإذا قرأنا كتاب الأدب وجدناه
فيها متعمقاً متبحراً وظنناه أديباً متخصصاً قصر علمه على هذا الميدان وإذا لاحظنا
النكات النحوية المستخدمة في طي الكتب أيقنا بسعة أفقه في النحو، وإذا طالعنا
شواهده المختارة وآراءه الدقيقة رأيناه ناقداً بلاغياً دقيق النظر، وإذا خضنا ميدان
التفسير والفقه والأصول وجدنا له باعاً عريضاً وانتاجاً مستطيراً. وهو عالم بعدة
لغات منها العربية والفارسية لذا ألَّف في اللغتين ولكنَّ أكثرها في العربية
وبالتركية أيضاً. وكذلك اشتغل بالتدريس في بلدان عديدة ومدارس مختلفة، فقد درَّس في
مدارس أصفهان والكاظمية والنجف ومصر ودمشق وحلب. قال العرضي: "قرأ وأقرأ شروحاً
ومتوناً فأكحل للتحقيقات جفوناً وأقرَّ للتدقيقات عيوناً(4) بلغ عدد مؤلفاته ثمانية
وثمانون كتاباً، منها مطبوع ومنها غير مطبوع وتوزعت هذه المصنفات في عدد من مكتبات
الشرق كان حظ دولة الإسلام في إيران منها كبيراً، بالإضافة إلى المكتبات الخطية في
الهند وأفغانستان والبحرين وفي بعض المتاحف الغربية.
* وأهم مؤلفاته:
1 - الزبدة في الأصول.
2 - شرح الأربعين حديثاً.
3 - لغز الزبدة.
4 - دراية الحديث.
5 - الجامع العباسي وهو في فقه الإمامية كتبه باللغة الفارسية.
6 - الرسالة الإثنا عشرية.
7 - هداية الأمة إلى أحكام الأئمة.
8 - حديقة السالكين.
9 - العروة الوثقى والصراط المستقيم.
10 - بداية الهداية من الفقه.
11 - عين الحياة في التفسير.
12 - الحبل المتين في مزايا القرآن المبين.
13 - رسالة في وحدة الوجود.
14 - تهذيب الوصول إلى علم الأصول.
15 - رسائل في: القبلة، الطهارة الصوم، الزكاة، الحج، المواريث.
16 - أسرار البلاغة.
17 - الفوائد الصحية في علم العربية.
18 - التهذيب في النحو.
19 - بحر الحساب.
20 - تشريح الأفلاك.
21 - مفتاح الفلاح في الهيئة. وغيرها من الموضوعات والمؤلفات الثمينة التي أغنت
مكتبتنا بثقافة واسعة.
* البهائي شاعراً:
ارتقى شعر الشيخ البهائي رضي الله عنه فوق مستوى شعر الشعراء في عصره وامتاز بجديد
القول، ونظم في كل فنون الشعر كالمديح والغزل والرثاء والوصف والعتاب والشعر الديني
الذي برز فيه الوعظ ومدح النبي صلى الله عليه وآله والأئمة الأطهار عليهم السلام.
ولا شكَّ أن كثيراً من شعره قد ضاع وهذه مصيبة الشعراء العلماء إذ أنَّ الباحثين
يهتمون بآثارهم العلمية ولا يعمدون إلى جمع شعرهم. يقول في مديح أهل البيت عليهم
السلام وشوقه إليهم:
إن جئت طوس فباللَّه عليك |
إن جئتُ أقصُّ قصة الشوق إليك |
قبِّل عني ضريح مولاي وقل:
قد مات بهائيُّك بالشوق إليك
ويقول لزائر الروضة العلوية في النجف:
فاسجد متذللاً وعفِّر خديك |
هذا الأفق المبين قد لاح لديك |
هذا حرم العزة فاخلع نعليك |
ذا طور سينين فاغضض الطرف به |
ويقول:
مقصِّر في صالحات القرب |
يا رب إنّني مذنب خاطىء |
أرجوه في الحشر لرفع الكرب |
وليس لي من عمل صالح |
وآله والمرء مع من أحب |
غير اعتقادي حب خير الورى |
هذا وقد توفي الشيخ البهائي رضي الله عته سنة 1031هـ - 1622م. ودفن في الحضرة
الرضوية في مشهد على مشرفها آلاف التحايا والسلام.
(1) الغدير: 11 - 230.
(2) أمل الأمل 1 - 158.
(3) خلاصة الأثر: 3 - 441.
(4) معادن الذهب ص67.