مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

مبادئ الثورة الإسلامية الثلاثة



حميد أنصاري


غير خافٍ على المطلعين على تاريخ نهضة الإمام الخميني الراحل، أن المبادئ الثلاثة: "التلازم الأزلي بين الدين والسياسة"، و"ضرورة العمل على إقامة الحكومة الإسلامية"، ومبدأ ولاية الفقيه بوصفه الوجه الوحيد لمشروعية الدولة في عصر الغيبة"؛ شكّلت أهم أركان فكر الإمام الخميني الراحل وأبرز آرائه السياسية. وقد بقيت نهضة الإمام الخميني على مدى مراحل مسيرتها قائمة على هذه الأصول الثلاثة. وأن مساعي الإمام الخميني في إحياء الأصول الثلاثة وتحققها، لم تبدأ مع انتفاضة عام 1963، بل إن أول كتاب سياسي للإمام ـ كشف الأسرار ـ الذي صدر عام 1943، وأول منشور سياسي صدر لسماحته عام 1944، يشيران بوضوح إلى إيمان سماحته بهذه الأصول، وحرصه على تجسيدها.

إن معظم مساعي الإمام الخميني التي بُذلت طوال جهاده السياسي، كانت قد تمركزت حول إحياء الأصول الثلاثة واثبات حقانيتها، ولفت أنظار المجتمع الإسلامي إليها، بدرجة أن سماحته، وفضلاً عن بحوث "ولاية الفقيه" وفصل مسهب في "كتاب البيع" والمسائل المطروحة في كل من "تحرير الوسيلة" و"توضيح المسائل"؛ نادراً ما كان يصدر عنه حديث أو كلمة أو خطاب، ولم يتطرق فيه إلى توضيح هذه الأصول. وبشكل عام نجح الإمام الخميني، من خلال التوعية والتوجيه وترسيخ الأصول المذكورة في صميم معتقدات الناس وتصوراتهم الدينية؛ في تحكيم أهداف جهاده السياسي وإسقاط النظام الشاهنشاهي، وإقامة النظام الإسلامي.

بعد انتصار الثورة الإسلامية أيضاً، وعلى مدى إحدى عشرة سنة، قاد الإمام الخميني، بوصفه "ولي أمر المجتمع الإسلامي وقائده"، الجمهورية الإسلامية في أحلك الظروف وأصعب المواقف، انطلاقاً من هذه الأصول واستناداً إلى طاقة الجماهير العظيمة التي آمنت بهذه الأصول، واختبرت حقانيتها عملياً وتأثيرها الاعجازي. إذ أن رسوخ دعائم النظام الإسلامي، وصموده في وجه حشد هائل من المؤامرات والدسائس والظروف الصعبة، كان منوطاً بتمسك غالبية أبناء الشعب الإيراني المسلم بهذه الأصول أكثر من أي شيء آخر. علماً أن عمل الإمام الخميني على ترويج هذه الأصول وترسيخها في أفكار الناس وتصوراتهم الدينية، لم يكن بدافع تحقيق تطلعاته السياسية مطلقاً، بل أن سماحته وبوصفه عالماً إسلامياً وفقيهاً مجتهداً يحيط بالكتاب والسنّة، وخبيراً بالفلسفة والعرفان والتفسير ومجالات المعرفة الدينية الأخرى، برهن على حقانية هذه الأصول؛ كان يعتبر ترويج هذه الأصول وإشاعتها مسؤولية دينية على طريق إحياء الدين وتهذيبه من الشوائب والتحريفات.

وهكذا فإن المذهب السياسي للإمام الخميني الذي يختلف كلياً عن المذاهب السياسية المعاصرة يرتكز إلى أصول ومبادئ اختبرت عملياً في مجال العمل والتجربة العينية، وتم النطق بها ـ وفي الحقيقة إحياؤها ـ واثبات حقانيتها ومشروعيتها نظرياً، على لسان شخص لقبه العدو قبل الصديق بـ"محيي الشريعة" و"مجدد الدين" ولم يشك أحد في سمو معرفته الإسلامية الدقيقة والمتخصصة.
رغم أن مساعي كبيرة بُذلت طوال تاريخ الإسلام من قبل علماء ومصلحين كبار على طريق إحياء هذه الأصول والدفاع عنها؛ وأن دافع الكثير من الحركات الشيعية ونهضات العلماء كان بالأساس تطلعها لتحقيق هذه الأهداف وتجسيدها عينياً، لا بد من القول وبدون مبالغة، أن الإمام الخميني هو أول من نجح ـ بعد عصور صدر الإسلام ـ في إحياء هذه الأصول والأهداف على نطاق واسع من العالم الإسلامي، وأن يقيم على ضوئها حكومة دينية شعبية مقتدرة، ويقودها على مدى ما يقارب الإحدى عشرة سنة. وبفضل أصالة المذهب السياسي للإمام الخميني والنظام المنبثق عنه، تداعت كل محاولات المساس بنظام الجمهورية الإسلامية بدءاً بالحرب المفروضة المدمرة وانتهاءً بممارسة شتى أنواع الضغوط الدولية.
لقد آمن الإمام الخميني بأن الإسلام هو السياسة بعينها، وكان يعتبر تدخل المسلمين في تحديد مصيرهم السياسي والاجتماعي واجباً إلهياً. وقد زلزلت هذه العقيدة أركان الأنظمة غير الدينية الحاكمة في البلدان الإسلامية، وعرّضت مصالح الغرب الحيوية في هذه البلدان إلى مخاطر جدية. ومن هنا كانوا قد شكلوا جبهة من أنصار الإسلام الأميركي ـ على حد تعبير الإمام الخميني ـ لمواجهة الثورة الإسلامية. وفي هذا المجال أخذت الحكومات الرجعية، على عاتقها مهمة المساهمة في مشاريع محاصرة الثورة، خاصة على صعيد الجبهة الإعلامية، وقد تصدر موضوع فصل الدين عن السياسة وتحريف مفاهيم الإسلام الثورية جدول أعمالهم.

وفي هذا المجال وصل عداء جبهة الإسلام الأميركي إلى درجة تكفير الإمام وأنصار الثورة الإسلامية، وقد كُتب ونشر بهذا الشأن الكثير من الكتب والمقالات. أما إلى أي حدّ نجحت الجبهة العالمية المعادية لأهداف الإمام الخميني وتطلعاته السياسية، في إخماد جذوة الصحوة الإسلامية، فهذا ما لا يتسع له مقالنا هذا.
وأخيراً، ارتأينا في خاتمة المقال أن نسجل قبسات من توجيهات مفجر الثورة الإسلامية والناطق بلسانها وإرشاداتها، لكي تتضح أصول الثورة ومبادؤها التي لا تقبل المساومة أو التجاوز، والتي أُنيط بحفظ قداستها وحرمتها أسس النظام الإسلامي ومواصلة حياته.

يقول الإمام الخميني الراحل: "إن مزاعم فصل الدين عن السياسة، من الدعايات الاستعمارية التي تسعى إلى منع الشعوب الإسلامية من التدخل في القضايا السياسية للتحكم بمصيرها. ففي أحكام الإسلام تم تناول الشؤون العبادية. إن تولي رسول الإسلام إدارة شؤون المسلمين الداخلية والخارجية يشير بوضوح إلى أن جهاده السياسي إحدى المسؤوليات الكبرى الملقاة على عاتق الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم. أن كلاً من استشهاد الإمام أمير المؤمنين عليه السلام، والإمام الحسين عليه السلام، وسجن الأئمة (عليهم السلام) وتعذيبهم ونفيهم وسمهم، كل ذلك كان بسبب الجهاد السياسي المستمر للشيعة ضد الظلم. وبكلمة واحدة: إن النضال والنشاط السياسي يعتبر جانباً مهماً من المسؤوليات الدينية"(1).
ويقول سماحته: "لو تأملنا في القرآن الكريم الذي بين يدي المسلمين، الذي لم يضف إليه أو ينقص منه كلمة أو حرف واحد منذ صدر الإسلام وحتى عصرنا الحاضر، وتدبّرنا فيه نرى أن الدعوة لم تكن من أجل أن يجلس الناس في بيوتهم وينشغلوا بالذكر ويتفرغوا لذكر الله. بل هي دعوة من أجل المجتمع؛ ودعوة من أجل السياسة، ودعوة من أجل الحكم؛ وفي الوقت نفسه يعتبر كل ذلك من العبادات، فالعبادة ليست بمعزل عن السياسة والمنفعة الاجتماعية"(2).

ويقول سماحته: "لو كان بمقدورك أن تعي مفهوم الدين وتدرك أبعاده في ثقافتنا الإسلامية، سترى بوضوح عدم وجود أي تناقض بين القيادة الدينية والسياسية. بل مثلما أن الجهاد السياسي إحدى الوظائف والواجبات الدينية، كذلك قيادة النضال السياسي وتوجيهه يعتبر جزءاً من مسؤوليات وواجبات القائد الديني"(3).
يقول سماحة الإمام الخميني: "إن الإسلام وفي الوقت الذي يدعو الإنسان لعبادة الله ويوضح له الصورة التي يتعبد فيها؛ يحدد له أسلوب حياته وكيف ينبغي له تنظيم علاقاته مع سائر أبناء جنسه، بل وحتى كيفية تنظيم علاقات المجتمع مع المجتمعات الأخرى. لا يوجد أي فعل أو سلوك يصدر عن الفرد أو المجتمع لم يعطِ الإسلام رأيه فيه. وعليه فمن الطبيعي أن يعني مفهوم القيادة الدينية، قيادة علماء الدين لجميع شؤون المجتمع. لأن الإسلام أخذ على عاتقه هداية المجتمع في مختلف النواحي والأبعاد"(4).

ويقول سماحة الإمام الخميني: "لقد وضع الله تبارك وتعالى، إلى جانب تنزيله جملة من القوانين ـ أحكام الشرع ـ نظاماً وجهاز تنفيذ وإدارة. وكان الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم يقف على رأس المؤسسات التنفيذية والإدارية لمجتمع المسلمين. إذ أنه صلى الله عليه وآله وسلم إضافة إلى تبليغ الوحي وبيان العقائد وتفسير الأحكام والنظم الإسلامية، سعى إلى تطبيق الأحكام وتحكيم النظم الإسلامية حتى أظهر الدولة الإسلامية إلى الوجود. فمثلاً لم يكتفِ آنذاك بتوضيح قانون العقوبات، بل كان صلى الله عليه وآله وسلم يشرف بنفسه على تنفيذه... وبعد الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم أنيط بالخليفة نفس المنصب والوظيفة. فالرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم لم يعين الخليفة من أجل بيان العقائد والأحكام فحسب، بل ومن أجل تطبيق الأحكام وتنفيذ القوانين، أن مسؤولية تطبيق الأحكام وإقامة النظم الإسلامية هي التي جعلت من تعيين الخليفة أمراً مهماً الذي من دونه يكون النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم وكأنه "ما بلّغ رسالته" كما عبّر عن ذلك القرآن الكريم"(5).

يقول سماحة الإمام الخميني: "من الضروري أن يقيم الفقهاء، مجتمعين أو فرادى، الحكومة الشرعية من أجل إقامة الحدود والحفاظ على الثغور والنظام. إن هذا الأمر إذا كان ممكناً لأحد فهو واجب عيني. وإلاّ فهو واجب كفائي. ولن تنتفي الولاية حتى في حالة كونه غير ممكن"(6).
يقول الإمام: "لو نهض شخص لائق يتمتع بهاتين الخصلتين. العلم والعدالة. وشكّل حكومة، فسوف تكون له الولاية نفسها التي كانت للرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم في أمر إدارة المجتمع. ويجب على الناس جميعاً إطاعته. إنه لوهمٌ وتصور مغلوط مَنْ يزعم أن صلاحيات الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم في الحكم كانت أكثر من صلاحيات الإمام أمير المؤمنين عليه السلام، وأن صلاحيات حكومة الإمام عليه السلام أكثر من صلاحيات الفقيه، طبعاً إن أفضلية الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم لا يدانيها أحد. ومن بعده أفضلية الإمام أمير المؤمنين عليه السلام، بيد أن سمو الفضائل المعنوية لا يزيد من صلاحيات الحكومة"(7).

يقول سماحة الإمام الخميني: "الحكومة التي هي جانب من ولاية الرسول المطلقة صلى الله عليه وآله وسلم، هي أحد أحكام الإسلام الأولية. ومقدمة على جميع الأحكام الفرعية حتى الصلاة والصوم والحج"(8).
ويقول سماحته: "يقولون دعوا علماء الدين يحافظون على قداستهم. إن القداسة التي يتحدث عنها هؤلاء تعني أن اتركوا علماء الدين والروحانيين يتفرّغون للمسجد والمحراب، وأن يتراوح عملهم في هذه الحدود، وأوكلوا السياسة للإمبراطور.. مقولة الكنيسة للبابا والسياسة للإمبراطور. بيد أن الإسلام ورسول الإسلام وأئمة الإسلام كانوا يتولون ذلك بقداسة تامة. كانوا يتصفون بالقداسة، وفي الوقت ذاته كانوا يتولون تسيير أمور الدولة ومحاربة أعداء الإنسانية، دون أن يمس ذلك بقداستهم. إنهم بهذا المنطق ـ أي حافظوا على قداستكم وأن لا يكون لكم شأن بالحكومة وسياسة البلاد ـ يريدون أن يوحوا إلينا أن نبي الإسلام صلى الله عليه وآله وسلم والإمام أمير المؤمنين عليه السلام لم يحافظا على قداستهما!! أي منطق هذا الذي يقول اتركوا علماء الدين محافظين على قداستهم، يعني أن أمير المؤمنين لم تكن لديه قداسة، لأنه تدخل في شؤون الدولة. ومن هنا يتضح أن أمثال هؤلاء لا يريدون أن نحافظ على قداستنا. إنهم يخططون لأن يتنحى علماء الدين جانباً، ليحل محلهم الأرباب في إدارة البلاد. لا بد من ملاحظة هذه الأمور بدقة. دققوا في الأقوال التي يرددها أمثال هؤلاء لأن كلامهم هذا يستبطن أشياء مغرضة، وهم بذلك يتحينون الفرص للاستيلاء على مقدرات مملكتكم وشعبكم"(9).

ويقول سماحته: "المسألة مسألة الحكومة. المسألة مسألة السياسة. حكومة العدل سياسة. سياسة بتمام المعنى. وقد أمر الله تبارك وتعالى الرسول أن يسلّم هذه الحكومة وهذه السياسة إلى الإمام أمير المؤمنين. فكما أن رسول الله نفسه كان يمارس السياسة، وأن حكومة من دون سياسة غير ممكنة؛ فإن هذه السياسة وهذه الحكومة الممزوجة بالسياسة قد تم إثباتها للإمام أمير المؤمنين في يوم عيد الغدير"(10).
ويقول الإمام الخميني: "عندما اقترب أجل الرسول الأكرم وحان وقت رحيله عن هذه الدنيا، عيّن الخليفة من بعده، والخلفاء إلى زمن الغيبة. وهؤلاء الخلفاء عينوا بدورهم أمام الأمة أيضاً. فلم يترك الرسول هذه الأمة متحيرة في أمرها، بل عيّن لها إماماً؛ عين لها قائداً. فما دام أئمة الهدى على قيد الحياة فهم الأئمة. ومن بعدهم الفقهاء.. أن هؤلاء الورعين، الذين يعون الإسلام ويحيطون بخفاياه. هؤلاء الزهاد المعرضون عن الدنيا. هؤلاء الذين لا يرف لهم جفن أمام بهارج الدنيا ومباهجها، هؤلاء الذين يتحرقون ألماً من أجل الأمة، ويعتبرون أبناءها كأبنائهم؛ هم الذين تم اختيارهم للذود عن هذه الأئمة والمحافظة عليها"(11).
 

 

(1) "نهج الثورة الإسلامية: منتخبات من فكر الإمام الخميني وآرائه"، من منشورات مؤسسة تنظيم ونشر آثار الإمام الخميني، ص121.
(2) المصدر نفسه، ص119.
(3) المصدر السابق.
(4) و(5) المصدر السابق، ص125.
(6) المصدر السابق، ص151.
(7) المصدر السابق، ص149.
(8) المصدر السابق، ص152.
(9) صحيفة النور، ج9، ص182.
(10) صحيفة النور، ج20، ص28.
(11) صحيفة النور، ج10، ص174.

 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع