نور روح الله | يوم القدس: يوم الإسلام* إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين

طرشــــــان يسمعون!

حسين عمّار


لمن لا يعرف القصّة التي تختبئ خلف عبارة "حوار الطرشان"؛ فهي باختصار تتحدّث عن قريةٍ عاش فيها أربعة "طرشان": أحدهم راعٍ، والثاني مزارع، والثالث بائع ملح، والأخير كان قاضياً. تقول القصّة إنّ الراعي عندما فَقَد أحد خرافه راح يبحث عنه، فمرّ بقرب المزارع وسأله إن كان قد رآه، ولأنّه أطرش لم يفهم، فدلّه على عجوزٍ رآه يمشي نحو تلٍّ قريب. فشكره الراعي، ووعده بالمكافأة، ثمّ وجد خروفه على التلّ بالفعل صدفةً، ولمّا أراد مكافأة المزارع، أهداه حملاً صغيراً، فغضب المزارع وظنّه يتّهمه بسرقة الحمل. أخذ الراعي يدافع عن نفسه بأنّ الهدية التي وعده بها كانت حملاً، لا خاروفاً. حينها، مرّ بائع الملح الأطرش أيضاً، فحكّماه فيما بينهما، فاستجاب لهما قائلاً: "سأعطي كلّ واحد منكما حفنة من الملح، حسناً!". فازداد الجدل تعقيداً، حيث صار يدور بين ثلاثة أشخاصٍ لا شخصين. كان القاضي الأطرش في ذلك الوقت يتشاجر مع زوجته، ثمّ طلّقها قبل أن يصل إليه الثلاثة ليحتكموا إليه، وبمجرّد أن تكلّموا، صاح القاضي بهم رافضاً أن يُرجع زوجته.. انتهت القصّة.

•تخيّل..
إنّ من عادة القصص الشعبيّة أن تضع المشكلة في قالبٍ دراميٍّ مبالغٍ فيه، لكنّها تنطلق من أمرٍ واقعيّ مَعيش دون ريب. وقصّة "حوار الطرشان" التي سردناها، لا تخرج عن هذا السياق. إن قمنا بتفكيكها، وإضفاء سمة الواقعيّة عليها شيئاً فشيئاً، سنرى أنّها تحصل معنا، أو أمامنا، كلّ يوم. لنفترض أنّ أبطال القصّة الأربعة لم يكونوا "طرشان" بالمعنى الطبّيّ، لنفترض أنّ الراعي سأل المزارع، وعثر على خاروفه، ولمّا وعده بالهديّة لم يوضح القصد، أو أنّه تكلّم بسرعةٍ ومن مكانٍ بعيد، حينها من المحتمل أن نصل إلى النتيجة نفسها التي وصلت إليها القصّة في هذه المرحلة، فلنسمّها العقدة الأولى، ومنها نشأ سوء الفهم، بين الراعي والمزارع، ومع استمرار الجدل المبنيّ على سوء الفهم ستنشأ الضغينة.

ثمّ جاء بائع الملح، الذي كان ينوي أن يفعل خيراً مع الرجلَين، لكنّ انفعالهما وحرصهما الشديد على أن يأخذا حقّيهما، جعلاه جزءاً من المشكلة، فصار "حقّه" عرضةً للخطر بعد أن كان سيلعب دور المصلح! تخيّل شعوره نحوهما في هذه اللحظة! 

وكان للقاضي حينها ظروفه الخاصّة التي تشغل باله، وتأخذ كلّ تفكيره. فقصدوه في وقتٍ غير مناسب، دون أن يعلموا شيئاً عن وضعه. فما كان منه إلّا أن افترض أنّ زيارتهم بسبب خلافه مع زوجته!

•الحكمة ومقدّمات الحوار
إنّ هذه الشخصيّات الخياليّة تشبهنا بشكلٍ من الأشكال، فهي على الرغم ممّا تحمله من أطباع جيّدة، إلّا أنّها معرّضةٌ بفعل ظروفٍ خارجيّة، أو بسبب سوء التقدير لأنّ تفقد الحكمة. وإلّا، فإنّ صفة الحكمة تلتصق بمن يُحسن امتلاكها في أعقد الظروف، لا في أيسرها.

ثمّة قاعدةٌ معروفة لدى جميع البشر: "ما يُبنى على باطل فهو باطل". كذلك في الحوار والنقاش، فإنّنا ندخل جدالاً بسبب مقدّماته السيّئة، ونستغرق فيه بدل أن نستدرك ونصحّح تلك المقدّمات. نناقش في التفاصيل مع اختلافنا على المبدأ اختلافاً جوهريّاً، ثمّ نستغرب كيف أنّ الآخر لا يقتنع!

إن كنّا غير مدركين لطبيعة النقاش وظروفه وأهدافه، فتلك المشكلة، لكنّ الكارثة حين ندرك أنّنا لا نناقش لنعرف الحقّ وندرك الحقيقة، بل لنثبت أنّنا على صواب، ثمّ نكمل.

لقد أفرد الإمام الخمينيّ قدس سره باباً خاصّاً لهذه الآفة في كتاب "الأربعون حديثاً"، وهو الباب الثالث والعشرون وأسماه "المراء والجدل"، تحدّث فيه عن سوء هذا النوع من الأفعال.

•عوامل تجعل حوارك عقيماً
في حال شعرت بشيء من هذه العوامل تتسرّب إلى نفسك أو إلى الطرف الآخر، إليك نصيحة بألف؛ انسحب من هذا الحوار، أو عالج هذه الثغرة إن استطعت:

1- التعصّب للرأي الخاصّ مهما كان.

2- عدم معرفة شخصيّة المحاور المقابل ونقاط ضعفه وقوّته، ومكامن استفزازه لتجنّبها.

3- "الأنا"؛ وجعل النفس في حال التنزّه عن الخطأ.

4- الاتّهام الدائم.

5- السلبيّة؛ كأن يبدأ الفرد حديثه غالباً بـ"لا"، "يستحيل"، "لا يمكن"..

6- أن ينتهز أحدهما الفرص لإبراز خطأ الآخر بدلاً من اتّخاذه موقف التعاون لتصحيح وجهة النظر.

8- اختيار الظرف غير المناسب، أو اللّحظة غير المناسبة، عند عدم التأكّد والحرص على جهوزيّة الطرف الثاني للأخذ والردّ والمناقشة العقلانيّة.

9- عدم الإنصات للطرف الآخر بحرص وتفهّم، وهو يختلف عن مجرد الاستماع وسماع ما يقوله دون تفهّم وروية.

10- المقاطعة الدائمة.

•فلتكن أكثر إنصافاً
ندرك أنّ من تعب للوصول إلى فكرةٍ ما، يصعب عليه التنازل عنها، لكنّ النقاش بالطريقة الصحيحة والموضع الصحيح؛ سيجعل أفكارك أكثر نضجاً، وسيجعل منك شخصاً أكثر إنصافاً.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع