زينب فهدا
الحوار الأسريّ من المسائل المهمّة التي يجب على الوالدَين الاعتماد عليها أثناء تربيّة أبنائهما؛ باعتباره أحد الأساليب التّعليميّة النّاجعة في بناء شخصيّة الابن أو الابنة، وطريقة إيجابيّة من طرق المحادثة والتواصل الإيجابيّ، التي تبني شخصيّتهما وتعزّزها. وقد يظنّ الوالدان أنّ عمليّة التواصل مع الأبناء من خلال الحوار سهلة وبسيطة، إلاّ أنّهما يُغفِلان أنّ هذه العمليّة بحاجة إلى فنٍّ وتعلّم، ولا يمكن للوالدين اللذين لا يملكان مهارات هذا الفنّ، النجاح في التّواصل مع أبنائهما، على قاعدة "فاقد الشيء لا يعطيه". ومع ذلك، يمكن للأهل اتّباع بعض الخطوات التوجيهيّة، التّي تساعدهم في إنشاء حوار مثمر ومفيد مع أبنائهم. وإليكم سبعٌ من هذه الخطوات.
•الخطوة الأولى: إيمان الوالدين بأهميّة التّحاور:
ويتحقّق هذا الإيمان من جهتين: فهم فوائد الحوار، وفهم معوقاته.
1- فهم فوائد الحوار: لا يمكن فهم أهميّة الحوار، إلّا من خلال تعرّف الآباء على الفوائد الجمّة التي يجنيها الأبناء من عمليّة التّحاور على الأصعدة كافّة:
أ- الاجتماعيّة: كتمكينهم من التواصل الفعّال مع الآخرين في المستقبل، وبناء علاقات اجتماعيّة جيّدة.
ب- الصّحيّة والنّفسيّة: كتجنّبهم الشعور بالوحدة والعزلة، وتغلّبهم على مشاعر الخجل والخوف التي يمكن أن تعتريهم.
ج- التّعليميّة: كتحسين الّلغة لديهم، وزيادة قدرتهم على التّعبير من خلال ما يكتسبونه من مفاهيم ومصطلحات وتعابير تُغني قاموسهم الّلغوي، وتمكّنهم من التّعبير عن عواطفهم ومشاعرهم.
2- فهم معوِّقات الحوار: من هنا، لا بدّ أن يبقى السّؤال عن مدى أهميّة الحوار الأسريّ والحاجة إليه يتردّد في أذهان الوالدَين، ولا سيّما أنّ المشكلات التي تواجه الآباء للقيام بعمليّة التواصل والحوار تنطلق من نقاط عدّة، يجدر معرفة أهمّها:
أ- عدم تربية الأبناء على أسلوب الحوار وآدابه منذ الصغر.
ب- عدم الاقتناع بجدوى الحوار وأهميّته.
ج- افتقار الوالدَين أو أحدهما للمعلومات الكافية حول موضوع الحوار.
د- عدم إلمام الوالدَين أو أحدهما بمهارات الحوار.
هـ- اعتقاد الوالدَين بعدم أهليّة الأبناء للحوار؛ كأنْ ينظر الآباء إلى الأبناء على أنّهم صغار ولا يدركون ما يتمّ الحوار حوله، أو العكس؛ بأن ينظر الأبناء إلى الآباء على أنّهم من جيل سابق، يجهل التطوّر والتكنولوجيا، ولا يسابق الزمن.
و- إحساس الطرفين أو أحدهما بعدم جدوى الحوار.
ز- ضعف الثّقة والتّفاهم بين الآباء والأبناء.
هـ- الانفعالات الزائدة، والغضب الشديد.
•الخطوة الثانيّة: البداية مع عبارات مشجّعة:
كأن يقول الأب لابنه في بداية الجلسة الحواريّة: "نحن هنا للتّحاور من أجل التوصّل إلى حلّ"، أو "لقد اتّفقنا على التّحاور عندما نواجه أيّ مشكلة"، أو "أنت صاحب أفكار رائعة"، وغيرها من العبارات التي تمهّد الطريق لتفاعل أطراف الحوار من خلال تبادل الحديث، أو طرح التساؤلات، أو تقديم الإجابات... وفي مقابلها، يجب الابتعاد عن العبارات الهدّامة وتجنّبها؛ لأنّها تؤسّس منذ بدايتها لحوار أسريّ فاشل، كقول الأب لابنه: "إنّ لم توافقني الرأي فأنت ضدّي"، أو "لا داعي إلى الحوار والنتيجة معروفة".
1- نعم للألفاظ الإيجابيّة: لكي يتحوّل الحوار إلى عمليّة منتجة، لا بدّ أن ينطلق من ألفاظ الحوار الإيجابيّة كـ :
أ- أنتَ على حقّ ولكن..
ب- إجابتك مقنعة يا بنيّ.
ج- فكرتك رائدة وجديرة بالاهتمام.
هـ- أحترم ما ذكرته، ولكنّني أخالفك في وجهة النظر في ناحيةٍ محدّدة وهي ...
و- حجّتك صحيحة يا ولدي، ولكنّها لا تخدم فكرتنا التي نحن بصددها.
2- لا للألفاظ السلبيّة: في المقابل على الوالديَن تجنّب ألفاظ الحوار السلبيّة كـ :
أ- أنت مخطىء، ولا تدرك ما أقول.
ب- أنت فاشل في التعبير عن وجهة نظرك.
ج- من أين أتيت بهذه الفكرة الساذجة؟
د- أنا أعلم منك!
هـ- كلامك كلّه خطأ! أو كلامك غير مفهوم.
•الخطوة الثّالثة: إبراز الاهتمام بالأبناء عند الحوار:
من الأمور المهمّة في نجاح الحوار الأسريّ هي أن يعمل الأهل على عقد جلسة للحوار في أيّ وقت يطلبه الأبناء، ويمكن أن يتحقّق هذا الأمر بطرق بسيطة، كإغلاق التلفاز عندما يرغب الابن في التكلّم، أو تجنّب إجراء مكالمة هاتفيّة... وقد تلجأ بعض الأسر إلى تحديد موعد أسبوعيّ لطرح موضوعات للنقاش بين أفرادها، إلّا أنّه وبغضّ النّظر عن عدد مرّات الحوار، أو وقته، أو مكانه، يجب الحرص على بقائه مرّة واحدة على الأقلّ في الأسبوع الواحد.
ولا بدّ من منح وقتٍ كافٍ للأبناء عند الحديث، وعدم مقاطعتهم أو الإصرار على سماع الجواب في اللحظة نفسها.
ويجب على الوالدَين أيضاً، تجنّب التكلّف والتشدّق في الكلام، حتّى لا يؤدّي ذلك إلى شعور الأبناء بالملل، ونفورهم من الإنصات للحديث.
•الخطوة الرابعة: مراعاة مستوى الأبناء الفكريّ وأعمارهم:
هذه الخطوة تمنح الأبناء راحة، وتزيد من فاعليّة الحوار. كما يجب اختيار الأسئلة المناسبة لأعمار الأبناء، ولمستوى تفكيرهم، وتجنّب الأسئلة الغامضة والمحرجة والاستعراضيّة، أو التي تحمل أكثر من معنى؛ لأنّها تشتّت أذهانهم وتشوّش أفكارهم. وبعبارة أخرى، يجب أن لا يكون الحوار أعلى من مستواهم الفكريّ. وهذه النّقطة مهمّة؛ لأنّها تُسهم في إقناع الأبناء بالأفكار المطروحة، ومناقشتها بسلاسة دون تعقيد، وتُلغي أسلوب القمع الذي يمارسه بعض الآباء والأمّهات في مواجهة أفكار أبنائهم بقصد أو دون قصد.
•الخطوة الخامسة: مُراعاة الوالدَين لحالتهما المناسبة للحوار:
يجب تجنّب إجراء الحوار مع الأبناء عندما يكون أحد الوالدَين منزعجاً أو غاضباً؛ فإنّ ذلك سوف يجرُّه إلى القيام بأفعال غير سليمة، كالضرب على الطاولة، أو رمي القلم أو الأوراق جانباً، أو التحدّث بصوت مرتفع، أو استخدام ألفاظ غير لائقة وكلمات سلبيّة بحقّ الأبناء؛ كأن يقول: "أنت غبيّ"، أو "أنت ما زلت طفلاً صغيراً لا تفهم". فكلّها عبارات سوف تمنع الأبناء من الكلام مرّةً أخرى، وتقتل الرغبة في التّحاور لديهم.
إنّ أجواء الحوار لا بدّ من أن تكون هادئةً وبعيدة عن حالات التشنّج والتوتّر والغضب، أو التسلّط والحوار السلطويّ الذي يفرض من خلاله الآباء آراءهم.
•الخطوة السّادسة: توظيف لغة الجسد أثناء التّحاور:
وهي من المهارات غير اللفظيّة التي تساعد في إنجاح الحوار، كأن ينظر الأب إلى وجه ابنه أثناء الحديث، ويتواصل معه بصريّاً، ويبتسم عند سماعه عبارة تنمّ عن الرّضى والإيجابيّة، ويميل برأسه نحو الأسفل عند سماعه عبارة فيها موافقته وتأييد لفكرة ما، ويستخدم إشارة التأكيد بإصبع الإبهام مثلاً عند ورود عبارة تحمل معنى الموافقة بشدّة.
والقاعدة المهمّة هنا، هي أن لا تنظر إلى شيء آخر أثناء حديث ابنك، ولا تنشغل بأيّة أفكار أخرى؛ لأنّ ذلك سيبدو واضحاً على وجهك بسهولة، وسوف يدرك أنّك لا تركّز معه ولا تعيره أيّ اهتمام، وأنّك مشغول بأمر آخر، الأمر الذي يُفقده الحماس في إكمال الحديث.
لذا، اجعله يشعر أنّك موضع اهتمامه وحده في هذه الّلحظات، ولتحمل تعابير وجهك المعنى نفسه؛ أي معنى الاهتمام والتركيز الذهنيّ والعاطفيّ. وهنا، لا بدّ من أن لا يغفل الأهل عن أهميّة التّنويع في طبقات الصوت المستخدمة في الحوار، مع إنهاء كلّ جملة بنغمة صوتيّة مختلفة، ونطق الحروف والجمل بوضوح، ما يتناسب مع كلّ موقفٍ بعفوية دون برود، ودون تكلّف واصطناع.
•الخطوة السّابعة: حُسن الانصات والاستماع:
قيل قديماً: "إذا أردتَ أن تكون محاوراً جيّداً، يجب أن تكون مستمعاً جيّداً". إنّ حُسن إنصات الوالدَين، يعطيهما فرصةً لفهم مراد أبنائهما بدقّة، ومناقشتهم عن فهم ودراية. هذا من جهة، ومن جهة ثانيّة، يكتسب الأبناء مهارة الإنصات هذه.
وأخيراً، لا بدّ من اختيار الّلحظة المناسبة لاختتام الحوار، وعدم الانسحاب منه في منتصفه أو قبل اختتامه، وإكماله حتّى نهايته، بابتسامةٍ ورضىً تامّين.
•نحو تواصل حقيقيّ:
إنّ هذه الخطوات التوجيهيّة يمكن أن ترتقي إلى أن تكون منهاجاً يستطيع الوالدان استخدامه والاستعانة به خطوة بخطوة لبناء تواصل حقيقيّ، وناجح، وفعّال مع أبنائهما.