الشيخ عبّاس إبراهيم
"كنّا نعرف بعضنا بعضاً أكثر"، هكذا قال شريك عن شريكه في الحياة الزوجيّة، وأضاف: "في بداية حياتنا الزوجيّة، كنّا أقرب إلى بعضنا بعضاً"!
هذه العبارات نسمعها عادةً، ولكن بأشكال مختلفة، والقاسم المشترك بين الجميع هو البحث عن سبب الجفاف الذي بدأت ملامحه تظهر من خلال ذبول بعض مشاعر الشريكَين في الحياة الزوجيّة.
وعندما ندقّق النظر في سلوك هذين الزوجين، نجد أنّ عواصف الجفاف التي تلوح في الأفق تهبّ من ناحية الإهمال الذي يمارسه الشريك في حقّ شريكه؛ فالإهمال وقلّة الاهتمام يحوّلان بيادر السعادة إلى صحراء قاحلة. وأولى خطوات الاهتمام تبدأ من الحوار.
•من سلبيّات غياب الحوار
عندما يغيب الحوار بين الزوجين:
1- يحلّ الصمت، وشيئاً فشيئاً يصبح لكلّ شخصٍ عالمه وكيانه الغريب عن الآخر.
2- يتحوّل الشريكان من زوجين تحكم علاقتهما المودّة والرحمة، إلى شخصين يجمعهما عنوان زوجيّة خالٍ من الروح والحياة، تحت سقف وجدران تخفي برودة علاقتهما.
•من إيجابيّات الحوار
الحوار بين الزوجين مقدّمة ضروريّة لحياة زوجيّة صحيحة؛ لأنّه:
1- يختزل المسافات بين مشاعر الزوجين وأفكارهما، ويجعلهما أقرب فكراً وعملاً.
2- يمثّل اليد الحنون التي تمسح على الاختلافات والإيحاءات السلبيّة التي يتلقّاها الشريك من كلام شريكه أو تصرّفه، ويبلسمها، ويمنع تحويلها إلى جروح عميقة أو أزمات مزمنة.
3- يوفّر الوقت والجهد أمام الشريكَين في حلّ مشاكلهما واختلافهما.
4- يحدّ من إدارة أحد الشريكين المنفردة للأسرة، ويُظهرهما بمظهر الشريكين المتماسكين أمام الأولاد.
5- يساعد في إظهار المشاعر وعدم كبتها، بما ينعكس إيجاباً على سعادة الأسرة واستقرارها.
•الحوار والتغيير
كما إنّ الإنسان يمرّ خلال مسيرته الحياتيّة بانعطافات وتغيّرات كثيرة على مستوى الشخصيّة والسلوك وطُرق التفكير، فالحوار الدائم بين الزوجين كفيل في جعل هذه التغيّرات والاختلافات مفهومة؛ فالأزواج الذين يحافظون على ثقافة الحوار بينهم، لا يشعرون بهذا التغيير، أو لا يرونه سلبيّاً؛ لأنّهم قد عايشوا هذا التغيير بأدقّ تفاصيله، وفهموه، وتأقلموا معه، نتيجة الاتّصال الدائم بينهم.
لكن قد يقول أحد الأزواج: إنّنا نتحاور، لكنّ حوارنا يفاقم أزماتنا، ولا يحقّق شيئاً ممّا ذكرتم! والجواب أنّ المشكلة ليست في الحوار، بل في طريقته ودوافعه وزمانه. وهذا يدعونا إلى بيان أمور ثلاثة:
كيف نتحاور؟ متى نتحاور؟ وعلى أيّ شيء نتحاور؟
•أوّلاً: كيف نتحاور؟
يمكن الإجابة عن ذلك من خلال نقاط عدّة:
1- الحوار النافع: هو الحوار الناشئ من غايات سليمة، بحيث لا يكون هدف كلّ طرف بيان ضعف حجّة الطرف الآخر وإظهار ضعفه، وأنّه المسؤول عن المشكلة أو الخلل، بل الحوار النافع هو الذي ينطلق من مبدأ التعاون على صنع السعادة وإزالة العوائق أمام استقرار الأسرة وسكنها، وهذا يقتضي عدم الانطلاق من أحكام مسبَّقة تحمِّل الطرف الآخر مسؤوليّة ما يحصل.
2- عدم تحويل الحوار إلى شجار: من خلال الاستخفاف بكلام الطرف الآخر وتوهينه، والتقليل من أهميّة ما يقوله، أو من خلال نبش المواقف التي أصبحت رميماً في مقبرة الزمن الغابر وإعادة إحيائها، وتذكير الطرف الآخر بها، وربط الواقع بذلك الماضي، وإسقاطه على الطرف الآخر.
3- الحرص على الاستماع: ففي الرواية: "فكن على أن تسمع أحرص منك على أن تقول، وتعلّم حُسن الاستماع كما تتعلّم حُسن القول، ولا تقطع على أحد حديثه"(1). على أنّ الاستماع ينبغي أن يكون بأدب من دون تأفّف وتبرّم، ولو احتاج الأمر إلى تمرين وتدريب: "وتعلمّ حُسن الاستماع كما تتعلّم حُسن القول". كما لا بدّ في الحوار -ليكون نافعاً- من إعطاء الفرصة الكاملة ليبيّن الزوج مراده ومقصوده؛ وهذا أدب إسلاميّ كما مرّ: "ولا تقطع على أحد حديثه".
4- الاحترام المتبادل خلال الحوار: إذ إنّ عدم احترام الطرف الآخر يعني الحكم على الحوار بالفشل.
5- الوعي والحلم: فالحوار الهادف إلى تعزيز السعادة والوئام، وتقليل مساحات الاختلاف والجفاف، يحتاج إلى صبرٍ وتغافل، فلا يجدر الوقوف عند كلّ كلمة توحي بالسلبيّة، ثمّ تحويلها إلى مستند للنزاع الإضافيّ، بل يجدر بالشريك الواعي أن يكون حليماً، ويتغافل عن التفاصيل الصغيرة، ويترفّع عنها؛ فعن الإمام الصادق عليه السلام: "صلاح حال التعايش والتعاشر ملء مكيال: ثلثاه فطنة وثلثه تغافل"(2).
6- حُسن الانعطاف: وقف الحوار بشكلٍ لائق وذكيّ عند الشعور أنّه سيتحوّل إلى شجار أو نزاع، أو تحويله بطريقة واعية إلى موضوع بعيد عن الشقاق والخصام.
7- بثّ الرسائل الإيجابيّة: استعمال بعض العبارات التي تعبّر عن موقعيّة الشريك وحضوره في القلب خلال الحوار، فهذه العبارات تحمل رسائل إيجابيّة، وتعزّز مشاعر الحبّ والألفة بين الشريكَين.
•ثانياً: متى نتحاور؟
1- يحتاج الحوار إلى وقت مناسب، لا يكون فيه أحد الطرفين مشوّشاً أو متوتّراً، بعيداً عن الصخب والأجواء التي تؤثّر سلباً على وصول الأفكار وجوّ الحوار، من قبيل حضور الأفراد الذين يقاطعون الحوار، والاتّصالات الهاتفيّة، ووسائل التواصل.
2- يجب إعطاء وقتٍ للشريك كي يرتاح من عمله، دون اعتراضه فور وصوله بحوار يشبه تحقيق الأمن الجنائيّ، علماً أنّ هذا التحقيق ليس حواراً، بل استجواب يجرّ غالباً إلى توتّر ومشاكل.
أيّها الأحبّة، عندما نتحدّث عن الحوار بين الزوجين، فهذا لا يعني طاولة حوار رسميّة، لها وقت محدّد ورئيس وأعضاء ملزمون بوقت معيّن للمداخلات والإذن المسبَّق للحديث؛ فلا ينبغي أن يكون هذا الأمر بين الزوجين؛ لأننا نتحدث عن حوار الأحبّة لا حوار المتخاصمين والدول المتنازعة، وفي حوار الأحبّة -الذين ينطلقون في حوارهم من مبدأ تعزيز الانسجام وحراسة السعادة- لا نحتاج إلى حوارٍ رسميّ، فقد يكون الحوار خلال مسير في الطبيعة، أو أثناء تجوّل في مكان هادئ، ونحو ذلك ممّا يجعل الحوار أكثر ودّاً وفعاليّة.
•ثالثاً: على أيّ شيء نتحاور؟
نحتاج إلى الحوار في أمور كثيرة، منها:
1- كيفيّة إدارة الأسرة، وأنماط العيش فيها، وتوزيع الأدوار والمهامّ، والسياسات العامّة داخلها؛ كي لا تكون الأسرة أحاديّة الإدارة والقرار، فليس من الصحيح استئثار طرف بالقرار وإلزام جميع أفراد الأسرة فيه دون مناقشتهم والحوار معهم، وحقّ القوامة للرجل لا يحول دون بيان أسباب قراراته وظروفه لأسرته وتوضيحها.
2- طرق التعبير عن المشاعر، وكيفيّة إظهار الاهتمام، والاتّفاق على لغات حبّ مشتركة بين الشريكين.
3- الخطوط العامّة في تربية الأبناء، وما يرتبط بشؤونهم، فذلك ما يحتاج إلى حوار ونقاش كي لا تتضارب طرق التربية ووسائله داخل الأسرة.
4- كيفيّة مواجهة النزاعات الحاصلة، وإدارة الأزمات، والتعامل مع الصعوبات.
5- الخطط المستقبليّة المرتبطة بالأسرة والشريكين.
•الحوار: ثقافة وسلوك
أيّها الأحبّة، الحوار داخل الأسرة لا يقتصر على الزوجين فقط، بل يجب أن يسري منهما إلى بقيّة أفراد الأسرة؛ فعلى الأهل أن يحاوروا أولادهم، وعليهم تربيتهم على محاورة بعضهم بعضاً، بحيث يتحوّل الحوار إلى ثقافة وسلوك عامّ داخل الأسرة، وسيؤدي ذلك إلى أن ينقل الأولادُ ثقافةَ الحوار إلى أسرهم ومحيط عملهم في المستقبل.
كما أنّ الحوار لا يرتبط بعمر معيّن، فالزوجان يحتاجان إليه في كلّ مراحل حياتهما الزوجيّة، وليس في بداياتها أو في مرحلة التعارف والخطوبة فقط؛ لأنّ الحوار المفعم بالاحترام والوعي، يزيد في رونق الحبّ ونضارة جماله وأريجه في حديقة الأسرة وبيادر فصولها المختلفة.
1.بحار الأنوار، المجلسيّ، ج 1، ص 222.
2.(م. ن.)، ج 46، ص 231.