نور روح الله | يوم القدس: يوم الإسلام* إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين

وصايا من الإمام إلى السالكين


سيرٌ في وصية الإمام لابنه السيد أحمد


"فإنّ أي كمال أو جمال ينطوي عليه أي موجود لا يكون ذاتياً له، وإنّما هو مظهر لكمال الله تعالى وجماله. وأنّ قوله تعالى: (وما رميت إذ رميت ولكنّ الله رمى) حقيقة تصدق على كلّ أمر وفعل وصفة.
وإنّ كلّ من يدرك هذه الحقيقة ويتذوقها، فلن يتعلق قلبه بغير الله تعالى، ولن يرجو غيره". [تجليات رحمانية].


إنّ أصل كلّ غنى الاستغناء عن المخلوقين، ورأس كل راحة قطع التعلق القلبي بالدنيا. ولا يمكن أن يتحقّق هذا الغنى وهذه الراحة إلاّ إذا تعلّق قلب الإنسان بالغنى المطلق والكامل اللامتناهي.
إنّ التفكر بحقيقة الوجود يقود الإنسان إلى حقيقة التوحيد، ويعلم حينها أنّ كلّ شيء في هذا الوجود إنّما هو مظهر لأسماء الله تعالى وصفاته. هذه المعرفة حتّى تورث الطمأنينة والغنى، ينبغي أن تعبر من الإدراك إلى الذوق. وشتان ما بين الإدراك الحصولي والذوق.
ولأجل هذا يوصي الإمام قائلاً:
"هذه بارقة إلهية، حاول أن تفكر فيها في خلواتك، ولقن قلبك الرقيق هذه الحقيقة وكرّرها عليه حتّى ينصاع اللسان لها، وتسطع في ملك وملكوت وجودك" [تجليات رحمانية].
وكلّ سالك يحتاج إلى أوقات خاصة مع ربه. بل ينبغي أن تكون أفضل الأوقات. كما قال أمير المؤمنين عليه السلام:
"واجعل لنفسك في ما بينك وبين الله أفضل تلك المواقيت" (نهج البلاغة). وخصوصية الوقت مع الله تعالى تكمن في الموضوع الذي يطرحه العبد بين يدي مولاه. وإنّه لمن سوء الأدب أن يكون العبد في محضر الله وهو يدّعي حبّه إلاّ أنّ فكره يكون منصرفاً إلى ما سواه.
لهذا ينبغي أن يجتهد السالك في أوقاته مع الله لتوحيد همته وصرفه وجهه نحو الحقّ سبحانه دون سواه. وتشكل المعارف التوحيدية ومبدأ التوحيد أفضل زاد للعقل والقلب في الخلوة مع الله تعالى.
مثل هذا التفكير، وفي تلك الحالات، يؤدي إلى سريان الحقيقة في وجود السالك بحيث يراها في ظاهره وباطنه. ويصبح الظاهر موحداً لا يتحرك إلاّ بمقتضى إرادة المولى؛ ويكون الباطن متوجهاً إلى سبحات وجهه الجميل.
"... وارتبط بالغني المطلق حتّى تستغني عمن سواه، واطلب التوفيق منه حتّى يجذبك من نفسك ومن كل ما عداه، ويأذن لك بالدخول والتشرف بالحضور في ساحته المقدسة" [تجليات رحمانية].
الطلب أصل كلّ توفيق، وما لم يكن المرء طالباً فلا يكون سالكاً. كما أنّه إذا لم يراعِ أداب الطلب لا يكون متوجهاً. وبدون التوجّه لا معنى للطلب وعليه أن يعرف ممن يطلب وكيف يطلب، كما أنّ عليه أن يعرف قدر المطلوب، فإذا علم الله تعالى منه الصدق في كلّ ذلك يستحيل أن يرفض طلبه، فإمّا أن يستجيب له به أو يزيده. إنّ أعظم طلبات السالكين تحصيل الجذبة التي تخرجهم من النفس والعالم. وقد ورد في حديث أنّه "جذبة من جذبات الرحمن تعادل عمل الثقلين"، بل يمكن القول إنّه ليس لدى السالك أمنية أو طمع إلاّ بهذه الجذبة.
ولهذه الجذبة مراتب عديدة. إلاّ أنّ المطلوب فيها الانقطاع إلى الله تعالى عمن سواه. والسالكون في صراط الله المستقيم يعلمون أنّهم لا ينالون الجذبة بسلوكهم. بل هي منّة إلهية موهبة، ربانية خاصة. ولهذا فهم يمزجون السلوك بالتضرّع والبكاء والاعتراف بالعجز والتقصير. ومن الملاحظ أنّ الإمام قدس سره دائماً عندما يتحدث عن هذه الجذبة يقرن حصولها بالاعتراف التام والعميق بالعجز والتقصير.
يقول الإمام قدس سره: "فلنلذ بالله، ولنطلب منه تبارك وتعالى متضرعين مبتهلين أن ينجينا من الحجب: "إلهي هب لي كمال الانقطاع إليك، وأنر أبصار قلوبنا بضياء نظرها إليك حتّى تخرق أبصار القلوب حجب النور فتصل إلى معدن العظمة، وتصير أرواحنا معلقة بعز قدسك. إلهي واجعلني ممن ناديته فأجابك ولاحظته فصعق لجلالك". [تجليات رحمانية].
تلك هي المناجاة الشعبانية التي يستحب قراءتها في شهر شعبان. والذي يسميه الإمام شهر الصعق.

ثمّ إذا تحدث الإمام عن سبب عدم حصول الجذبة فإنّ حجاب الأنانية والأنية هو المسؤول لأنّ الله تعالى ظاهر. وإذا كانت الجذبة عبارة عن تجلي الحق على قلب العبد: (فلما تجلى ربه للجبل جعله دكاً وخرّ موسى صعقاً) فإنّ الذي يحول دون حصولها هو هذا الجبل القاسي للأنانية. قال تعالى:
(ثم قست قلوبكم من بعد ذلك فهي كالحجارة أو أشدّ قسوة).
يقول الإمام قدس سره: "فهو ظاهر، وكل ظهور له سبحانه وتعالى. ونحن بذاتنا حجب، فأنانيتنا وإنيتنا هي التي تحجبنا" [تجليات رحمانية].
جبل الأنانية عبارة عن حب النفس مقابل حب الله تعالى. وحيث أنّ حبّ الله تعالى لا يجتمع معه حب آخر. فحب النفس بهذا المعنى يلغي حبّ الله عزّ وجلّ. أمّا إذا حصل حبّ الله في قلب الإنسان، فإنّه سيحبّ على أثره جميع الموجودات. ويكون حبّه لها يتبع ذلك الحب الأصيل. وفي مثل هذه الحال تتبدل نفسه، ويراها مظهراً للمحبوب. وتكون مرآةً صافية لجمال المحبوب الأصيل.
وجبل الإنية عبارة عن رؤية الذات مقابل وجود الله سبحانه. وحيث أنّ الوجود له بالأصالة، فلا موجود مقابل وجوده. لأنّه واحد لا شريك له بذاته. وعندما يرى المرء ذاته فلا يكون مشاهداً للحقيقة المطلقة. ويكون بذلك محجوباً.
ولكنّه إذا خرج من الإنية يرى جميع الموجودات مظاهر الوجود المقدّس لله (جلّ وعلا). ويندك جبل انيته بالكامل ويخرج من كلّ حجاب.
قال أمير المؤمنين علي (عليه السلام): "التوحيد كشف سبحات الجلال من غير إشارة".

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع