*يُقال أن الاستشهاد انتحار هل هذا صحيح؟
- الانتحار يغاير الاستشهاد حكماً وموضوعاٍ.
*ماذا تقصدون منها إنهما متغايران حكماً وموضوعاً؟
-التغاير حكماً يعني أنّ لكلّ من هذين الأمرين حكماً خاصاً به من الشرائع السماوية فالاستشهاد عمل مشروع بخلاف الانتحار فإنّه عمل غير مشروع وبعبارة أخرى الاستشهاد جائز أو واجب بخلاف الانتحار فإنّه محرم.
أما التغاير موضوعاً فنعني به أن الاستشهاد عمل جهادي تحضّ عليه الشرائع السماوية والقوانين الأرضية بخلاف الانتحار فإنّه لا يمتّ إلى الجهاد بصلة.
*تقولون الاستشهاد جهاد والانتحار ليس بجهاد مع أنّ كلاّ من الاستشهادي والانتحاري يقتل نفسه كيف تفسرون ذلك؟
-الانتحار هو أن يقتل الشخص نفسه سواء كان لهذا الشخص عدو أم لا، بخلاف الاستشهاد الذي يُقصد به مواجهة العدو وقتله وإن استلزم من الشخص دفع حياته ثمناً لذلك.
*هل يمكن إعطاء صورة أوضح للفرق بين كل من الاستشهاد والانتحار فإن ما ذكر قد لا يكون كافياً لدى بعض الناس؟
-العاقل تكفيه الإشارة. ومع هذا فلا بأس بذكر بعض الفوارق.
أولاً: الاستشهاد هو مواجهة وتحدّ للواقع السيء لأنّ الاستشهادي يقف في مقابل العدو متحدياً إياه غير مستسلم له.
بخلاف الانتحار الذي هو هروب من الواقع حيث أنّ الانتحاري يضعف وينهار أمام عقدة مرضية أو نفسية فيستسلم بدل أن يواجهه.
ثانياً: الاستشهاد ينطلق من حب الحياة وهو عمل الشجعان أمّا الانتحار فهو رفض للحياة وهو سمة الجبناء.
ثالثاً: الانتحار خسارة بل عوض والاستشهاد بذل بعوضين فإنّ من ينتحر يخسر الدنيا والآخرة. أما من يستشهد فإنّه يعطي لأمّته العزة والكرامة في الدنيا فيما يفوز هو بالسعادة الأبدية في الآخرة.
*ذكرتم أن الاستشهاد عمل مشروع فعلى ماذا استندتم في ذلك؟
-العمليات الاستشهادية نوع من أنواع الجهاد لذا تكون شرعيتها مستمدة من مشروعية أصل الجهاد بل يمكن القول أنّ تلك العمليات تعد من أسمى وأرقى أنواع الجهاد.
*وما الدليل على أنّ الجهاد مشروع؟
-يكفي دليلاً على ذلك قوله تعالى (وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم في سبيل الله) وقوله عزّ وجل: (كتب عليكم القتال)، وقوله عزّ وجلّ: (قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر).
*سلّمنا أنّ الجهاد عمل مشروع وأنّ العمليات الاستشهادية وما شاكلها نوع من أنواع الجهاد. لكن من المعلوم أنّه يوجد في التشريع الإسلامي أحكام ضرورية بمعنى أنّ الشيء الواجب مثلاً يصير محرماً فيما لو كان فعله يؤدّي إلى ضرر على المكلف ولا شكّ أنّ العمليات الاستشهادية فيها ضرر بالغ لأنّها تؤدّي عادة إلى استشهاد من يقوم بها فعلى هذا ألا تكون تلك العمليات محرمة بهذا اللحاظ؟
-صحيح أنّ المكلّف غير مسؤول عن الأحكام التي تعود عليه بالضرر المعتد به لدى العقلاء إلاّ أنّ عدم المسؤولية لا يتمّ في جميع الأحكام الشرعية فإنّ الأحكام التي تكون بطبيعتها حرجية أو ضررية يكون المكلف مسؤولاً عنها مطالباً بها وأحكام الجهاد من هذا القبيل فإنّ الجهاد لا ينفكّ غالباً عن وجود حرج أو ضرر على المكلف حال القيام به فالجهاد واجب سواء كان هناك ضرر على المكلف أم لا.
*عرفنا أنّ الانتحار محرم لكن لم نعرف من أين جاءت هذه الحرمة؟
-يقول تعالى: (ولا تقتلوا أنفسكم إنّ الله كان بكم رحيماً) ويروى عن الإمام الصادق قوله: "من قتل نفسه متعمداً فهو في نار جهنّم خالداً فيها".
*ملاحظ أنّ العمليات الاستشهادية برزت على الساحة الإسلامية في السنوات الأخيرة الماضية فما السبب في ذلك وهل حدث في تاريخ المسلمين مثل هذا النوع من الجهاد؟
-هذا الأسلوب في الجهاد ليس جديداً فقد حدّث التاريخ الإسلامي عن رجال صنعوا مجد أمتهم بهذا الأسلوب الجهادي ومن أبرز هؤلاء الرجال حفيد نبي الإسلام العظيم الإمام الحسين بن علي بن أبي طالب عليه السلام، أما مسألة بروز تلك العمليات في هذه الآونة فهذا أمر آخر يرتبط بالواقع الذي يعيشه المسلمون لأنّ تلك العمليات تتحرك في دائرة المصلحة الإسلامية العامة ومن الطبيعي أنّ المصلحة قد تختلف بين حين وآخر.