* فضّة والقرآن
يقول العلامة المجلسي في الجزء العاشر نقلاً عن القشيري أنّ أحد الزهاد قال: كنتُ أتبع القافلة في السفر إلى مكّة فشاهدت امرأة قد تخلفت عن القافلة فقلت لها: من أنت؟ فأجابتني بهذه الآية: ﴿وقل سلام فسوف يعلمون﴾، وبذلك فهمتني أنّ يتعيّن عليّ أن أسلّم أولاً وذلك واجب إسلامي يجب أن أؤديه ثم أطلب حاجتي من الطرف المقابل ﴿فسلّموا على أنفسكم تحية من عند الله﴾.
فسلّمت عليها، ثمّ ردّت عليّ السلام بصيغة قرآنية:
﴿سلام عليكم كتب ربكم على نفسه الرحمة﴾ قلت ماذا تفعلين في هذه الصحراء وأنت لوحدك؟ قالت: ﴿من يهدِ الله فلا مضلّ له﴾، فقلت أمن الجنّ أنت أم الإنس؟ أجابت: ﴿ولقد كرّمنا بني آدم﴾. سألتها إلى أين تريدين؟ أجابت ﴿ولله على الناس حجّ البيت من استطاع إليه سبيلاً﴾.
سألتها كم لكِ في الطريق؟ فأجابت: ﴿وهو الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام﴾، فعلمت أنّها في الطريق منذ ستّة أيام.
قلت لها: هل تريدين طعاماً؟ فأجابت: ﴿وما جعلناهم جسداً لا يأكلون الطعام﴾، فعلمت أنّها تريد طعاماً فأعطيتها.
قلت: لماذا لا تتكلمين كبيقة الناس؟
قالت: ﴿ما يلفظ من قول إلاّ لديه رقيب عتيد﴾، قلت: من أيّ قبيلة أنت؟: ﴿ولا تقفُ ما ليس لك به علم إنّ السمع والبصر والفؤاد كلّ أولئك كان عنه مسؤولاً﴾.
قلت لها: أسرعي لكي تبلغي القافلة فقالت: ﴿لا يكلّف الله نفساً إلاّ وسعها﴾، قلت هل تريدين ركوب البعير؟ قالت: ﴿وما تفعلوا من خيرٍ يعلمه الله﴾.
قلت: اركبي خلفي، قالت: ﴿لو كان فيهما آلهة إلاّ الله لفسدتا﴾، وتقصد أنّ المرأة لا يمكنها الركوب مع رجل أجنبي.
ترجّلت وأركبتها فقالت: ﴿الحمد لله الذي سخّر لنا هذا﴾، ثمّ أخذت استحثّ البعير لألحق بالقافلة فقالت: ﴿وأقصد في مشيك﴾، فأخذت أسير ببطءٍ وأقرأ الشعر بصوتٍ خفيض فقالت: ﴿فاقرؤا ما تيسّر من القرآن﴾ فقلت: لقد أعطاك الله خيراً كثيراً حتّى أصبحت من أهل القرآن قالت: ﴿ما يتذكّر إلاّ أولو الألباب﴾ قلت: انصحيني قالت: ﴿ومن أعرض عن ذكري فإنّ له معيشةً ضنكاً﴾.
حين اقتربت من القافلة قلت لها هل لك معارف؟ قالت: ﴿المال والبنون زينة الحياة الدنيا﴾، فعلمت أنّ لها في القافلة مالاً وبنين وسألتها: ما اسم أبنائك؟ أجابت: ﴿يا يحيى خذه الكتاب بقوّة﴾، ﴿يا داوود إنّا جعلنا خليفة في الأرض﴾، ﴿فلما أتاها نودي يا موسى إنّي أنّا ربك﴾، و ﴿ما محمدّ إلاّ رسول قد خلت من قبله الرسل﴾، ففهمت من ذلك أنّ لها أربعة أولاد وهذه أسماؤهم وهم في القافلة فذهبت وناديتهم فجاؤا فأخبرتهم بأنّني أحسنت إليها وطلبتُ إليهم إكرامي وقلت: ﴿يا أبتِ استأجره إن خير من استأجرت القوي الأمين﴾، ثمّ قالت: ﴿إنّ الله يحبّ المحسنين﴾.
سألتهم عن علاقتهم بهذه المرأة فقالوا: نحن أبناؤها، قلت ومن تكون هي لتجيبني قالوا: فضّة خادمة الزهراء بنت الرسول صلى الله عليه وآله وقد مضى عليها عشرون عاماً وهي لا تتكلّم إلاّ بآيات القرآن.
* "قصاص" النبي محمد صلى الله عليه وآله
خطب النبي صلى الله عليه و آله بالناس في أواخر حياته فقال: أيّها الناس إنّ ربّي أقسم وحتم أن لا يجاوز ظلم، ظالم ولا يعفو عن قصاص مظلوم، فمن كان له قبلي تبعة أو مظلمة فلتقصّ منّي، فإنّ القصاص في الدنيا أحبّ إليّ من قصاص الآخرة، فقام إليه رجلٌ يقال له سوادة، فقال: يا رسول لمّا أقبلت من الطائف وأنت على ناقتك الغصباء وبيدك القضيب الممشوق فرفعت القضي تريد الناقة فأصاب بطني، فلا أدري عمداً أم خطأ؟
فقال: معاذ الله أن أكون تعمّدت، ثمّ قال: يا بلال قم واتني بالقضيب الممشوق من عند ابنتي الزهراء، فخرج بلال وهو ينادي في شوارع المدينة: معاشر الناس من الذي يعطي القصاص من نفسه في الدنيا قبل يوم القيامة، ثمّ مضى إلى منزل فاطمة عليها السلام وقال: يا فاطمة ناوليني القضيب الممشوق فإنّ رسول الله يريده، فصاحت فاطمة عليها السلام وقالت: ما يريد والدي بالقضيب الممشوق وليس هذه يومه.
قال بلال: يا فاطمة إنّ أباك خطب للناس وودّع أهل الدنيا.
فصاحت فاطمة عليها السلام: واحزناه عليك حزناً لا تدرك الندامة يا أبتاه من للفقير والمسكين يا حبيب الله وحبيب القلوب، ثمّ ناولت بلال القضيب.
فجاء إلى رسول الله فقال للنبي صلى الله عليه و آله: أين الشيخ؟
قال: هل أنا فناوله القضيب وقال له: قم واقتصّ مني حتّى ترضى، فقال الشيخ: اكشف لي عن بطنك ففعل صلى الله عليه وآله فقال له: تأذن لي أن أضع فمي على بطنك؟ فقال صلى الله عليه وآله: أذنت لك، فوضع الشيخ فمه على بطن رسول الله صلى الله عليه وآله وقال: أعوذ بموضع القصاص من جسد رسول الله صلى الله عليه وآله من النار يوم القيامة، فقال صلّى الله عليه وآله: يا سوادة اتقتصّ أم تعفو؟ فقال الشيخ: بل أعفو فقال النبي صلّى الله عليه وآله: اللهم أعف عن سوادة كما عفا عن نبيّك.
* الوحدة... والانتحار
لماذا توجد في الدنمرك الدولة الغنية الآمنة المتسامحة المحبّة للمرح واحدة من أكبر معدلات الانتحار في العالم؟
ليس هناك تفسير مؤكّد "للتناقض الدنمركي"، ولكن الباحثة أوني بيل براهي تقول أنّها اكتشفت العامل المشترك في معظم حالات الانتحار... الوحدة.
وقالت: انخفض الترابط الاجتماعي في غضون الثلاثين عاماً المنصرمة وتفكّكت الروابط الأسريّة وزادت اللامبالاة بين الأفراد. ويشعر العديد من سكّان الدنمرك بالعزلة والوحدة.
ويثير معدل الانتحار في الدنمرك وهو ثاني أكبر معدل في أوروبا تساؤلات عن المفهوم السائد بين العديد من الدنمركيين بضرورة أن تكون الحياة سهلة وممتعة.
وقالت بيل براهي رئيسة مركز أبحاث الانتحار في جامعة أودينس في حديث يتوقع المواطنون أن تحل الدولة جميع مشاكلهم ويشعرون بالضيق عندما يدركون استحالة ذلك.
* معدل مرتفع
وتوضح أحدث معلومات أوروبية صادرة عن منظمة الصحة العالمية أنّ معدل الانتحار في الدنمرك بلغ 28 شخصاً بين كلّ 100 ألف شخص بعد المجر حيث يصل معدل الانتحار إلى 44 شخصاً بين كلّ 100 ألف شخص.
ويتحدث باحثون متخصّصون في دراسة حالات الانتحار عن "تناقض اسكندنافي" حيث أنّ السويديين والنروجيين الذين يتمتعون بنفس الجذور الثقافية والمستويات المعيشية والأمان الاجتماعي التي يتمتع بها الدنمركيون لا يميلون إلى الانتحار.
وأوضحت إحصاءات منظمة الصحة العالمية أن النروج من بين الدول التي تسجل أقل معدلات لانتحار حيث بلغت حالات الانتحار بالنروج 15.5 حالة و 18.5 حالة في السويد بين كلّ 100 ألف شخص.
ومن الشائع أنّ جو الكآبة والحزن يخيّم أكثر على السويد وبنسبة أقل على النروج ويرجع ذلك التصور جزئياً إلى أعمال الكاتب المسرحي النروجي هنريك ابسن والمخرج السويدي السينمائي انغمار برغمان.
ولكن الدنمركيين يشتهرون "بالمرح" وينظر جيرانهم الاسكندنافيون إليهم بعين الحسد حيث يقولون أنّهم يحتسون مزيداً من الخمر ويدخنون أكثر ويتناولون الأغذية الدسمة ويموتون أصغر ولكن ربّما اسعد.
ولكن بل براهى قالت أنّ الاستمتاع الزائد قد يثير الكآبة. وقالت لا يشعر العديد من الدنمركيين بالسعادة من داخلهم ولكن المرح والتخلص من الهموم جزء من الشخصية الدنمركية.
وأمضى العالم الهندي براكاش ريدي المتخصّص في علم الأنثروبولوجيا أربعة شهور في قرية دنمركية صغيرة ونشر كتاباً مثيراً للجدل أسماه "هكذا الدنمركيون".
* مجتمع نظيف ومريح
وقال ريدي أنّه وجد مجتمعاً نظيفاً ومريحاً ولكنّه مليء بالذين يشعرون بالوحدة والمنعزلين ويفتقرون إلى الشعور الديني القوي.
واتفقت معه بيل براهى بأنّ الدنمركيين لا تربطهم علاقة قوية بالكنيسة مثل السويديين والنروجيين مما قد يوضح الفقر الكبير في معدلات الانتحار في المنطقة.
وينتحر نحو 1200 دنمركي في العام ولم يتغير هذا المعدل عنه عام 1970 ولكنّه أقل من العدد القياسي الذي سجل في عام 1980.