نور روح الله | يوم القدس: يوم الإسلام* إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين

الاستشهادي ملاك.. عروج للروح وقيام لله



"عندما أقرأ وصية مربية لشهيد فإنني أشعر بالحقارة والضعة"
الإمام الخميني قدس سره الشريف
 

الحديث عن الشهيد، لمن لم يذق حلاوة الشهادة، صعب مستصعب. فكيف إذا كان هذا الشهيد استشهادياً؟ وكيف إذا كان هذا الاستشهادي ملاك. ملاك الطهارة. ملاك التواضع. ملاك التفاني في سبيل الإسلام. ملاك الخادم. ملاك الصابر الواثق بالله. وفوق كل ذلك ملاك العاشق لله.

إن مجلة بقية الله إذ تقدم هذه الحلقة الخاصة والمتواضعة عن الشهيد ملاك تعتذر سلفاً إليه وإلى القراء الكرام إن قصَّرت أو قَصُرت عن نيل شامخ مقامه في متعد صدق عند مليك مقتدر.

الشهيد صلاح غندور "ملاك" عرفته ثغور المقاومة بطلاً من أبطالها، وعرفه أخوته المجاهدون سنداً وعضداً. ولكم شعروا بفقده، فهي عشرة عمر مع المقاومة، لقد افتقدوا السنوات الطوال التي قضاها معهم يشاركهم الأفراح والأتراح.

كان جبلاً صلباً تكسرت عنده كل الدسائس والمؤامرات التي حيكت ضد المقاومة، ولكم كان يشد على عضد الأخوة المجاهدين يشحذ هممهم ويجمع كلمتهم ويصنع معهم النصر تلو النصر.
عرف الشهيد صلاح بالصبر والتحمل، ولم يكن يرفض أية مهمة يكلف بها، بل كان يندفع إليها بكل قوته ما دامت في سبيل الله ولأجل رضاه. كان مثال المتفاني في خدمة المجاهدين. لقد قرأ حق القراءة أنه لن يدخل الجنة من كان في نفسه ذرة من كبر، فاتخذ التواضع وخاصة للمجاهدين ديناً ومسلكاً.

لقد وصل إلى درجة عالية من الاطمئنان والتسليم لله تعالى حتى صار مصداق الآية الكريمة: ﴿يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ*ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً*فَادْخُلِي فِي عِبَادِي*وَادْخُلِي جَنَّتِي "الفجر/ 27-30" يروي أحد المجاهدين أنه بعد الانتهاء من إحدى العمليات النوعية. وأثناء العودة من الداخل [الشريط المحتل، وعلى الرغم ما كان من صعوبة الوضع وخطورته، توقف الشهيد ملاك عند بئر ماء ليتوضأ ويصلي عدة ركعات "نوافل" بكل سكينة واطمئنان ثم تابع سيره.

وخير من يختصر لنا التعريف بالشهيد. بعض رفقاء دربه في الجهاد والمقاومة، فيقول:
"بدأ حياته الجهادية منذ زمن طويل بعيد الاجتياح. ومنذ ذلك الحين تميز بحالة روحية عالية. ما عرف يوماً الخوف أو التردد أو الفزع، بل كانت كل حياته اندفاعاً. أما في الجانب العبادي فقد كانت عنده علاقة خاصة بالله سبحانه وتعالى، وقربنا منه كان يبين لنا هذه العلاقة الخاصة بينه وبين الله. فالتوجه الذي لديه لله تعالى وصل إلى حالة لم يعد قلبه يعرف فيها الخوف إلا خوف الله سبحانه وتعالى. صبره في العمل كان فوق العادة. أذكر في إحدى الليالي الشتوية الصعبة والبرد القارس، كان الثلج يغطي بدلته وهو نائم بالقرب من الموقع الإسرائيلي. فأي سكينة وأي اطمئنان لديه!
كان يدفع الأخوان ليصبروا معه، وكان هذا الصبر فاتحة عمليات مهمة جداً وإنجازات عظيمة جداً. وبهذه الروحية التي كانت لديه نستمر في العمل ونحصل على النتائج".

وإن أعظم دليل على قوة يقينة واطمئنانه وثقته بالله تعالى هو تلك الساعات الأخيرة من حياته. "في تلك الساعات الأخيرة كان صلاح حاضراً قوياً. ها هو عازم حاسم، وعاشق واثق عارف. فكل الحقائق أمام عينيه جلية، لا ريب ولا شك ولا وسواس ولا شيطان، مقدام شجاع، مقبل لا يتسلل إلى قلبه وهن أو ضعف أو تردد.." كما يقول الأمين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصر الله.

أحد الأخوة الذين رافقوا الشهيد في عمليته الاستشهادية يقول:
بدأت أنا أشعر بفقدانه قبل حصول العملية. صرت كلما أنظر إليه ذاهباً وجائياً أحس أنها اللحظات الأخيرة والساعات الأخيرة التي نعيشها معه، وهو بالنهاية كان يودع. بتعامله مع الأخوة، وعائلته، ومع محيطه كله كان واضحاً أنه يودع.
عشنا معه أياماً كانت كلها أيام وداع.. عندما شاهدت غبار العبوة حين انفجارها أحسست بأن قلبي انخلع من جسدي، وعندما كنت أنظر إلى الغبار الذي ينتشر في سماء الشريط الحدودي تمنيت أن أكون مكانه ويبقى هو، لأنني أحسست بهذه اللحظة كم كان الإمام الحسين عليه السلام يتأثر بأصحابه. هذه اللوعة التي يحدثوننا عنها في مجالس أبي عبد الله شعرت بحقيقتها وواقعيتها مع الشهيد.
لكن الذي يسلينا ويفرح قلوبنا دخوله إلى منطقة الشريط الحدودي، إلى العمق الإسرائيلي بمعنويات مرتفعة جداً. عندما كان متوجهاً بسيارته وكأنه يتوجه إلى عمل عادي، يتحدث كطبيعته ولا كأنه متوجه إلى أمر اسمه الموت.

كان يعيش مع الله سبحانه وتعالى، كان يمشي بخطى ثابتة جداً، وبقلب مطمئن وهادئ جداً، حتى أنه قبل أن يصل بـ 100 متر من مكان تنفيذ العملية تكلم بعدة كلمات تبين أنه ولي من أولياء الله".
يقال أنه كان عازماً على الحج، وأنه قدم أوراقه الشخصية للحصول على تأشيرة الحج. ولكن إذا كان الهدف من الحج هو لقاء الله، وبتعبير آخر إذا كان الهدف من الهجرة الصورية بالبدن في الحج هو الهجرة الحقيقية المعنوية بالروح إلى الله، فلماذا لا تُختصر المسافات؟ تقول والدة الشهيد: عندما ودعني قال لي: يا أمي إني مسافر إلى الحج، إذا استشهدت هناك فماذا يكون شعورك، فقلت له يا بني هذا يكون نصيبك. ولكن هو كان يعرف أين سيكون، سيكون عند حج آخر والحمد لله الذي حج هذه الحجة العظيمة.


أما كلامه مع زوجته فقد كان أكثر صراحة، ويوضح نظرة الشهيد إلى حقيقة الحج بشكل أفضل. فتقول:
أجّلها "ممازحة"، فكان يقول: لا تدري، يمكن أن أستشهد هناك في الحج، أو إذا وفقت للوقوف تحت مزراب النبي إسماعيل حيث يستجاب الدعاء، فأول ما سأسأل هو أن استشهد عند قدومي من الحج. هذا على فرض ذهابي للحج.
نعم، فإن غاية الحج هو لقاء الله تعالى، وخير لقاء الله تعالى هو اللقاء الإرادي الواعي، لقاء العاشق الفاني في معشوقه، ولذلك لم يكن له أمنية غير الشهادة. فهنيئاً لأهل النعيم نعيمهم، وهنيئاً لرواد قافلة الوجود كما يحلو للإمام الخميني قدس سره الشريف أن يسميهم كرامتهم على الله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم وأهل بيته عليهم السلام، وخاصة على أبي عبد الله الحسين عليه السلام. وتعساً لحالنا، نحن أصحاب الذنوب والمعاصي، إن لم تتداركنا شفاعتهم ونلتحق بركبهم.


امضِ أيها الاستشهادي البطل ولا تقلق. فقد خلّفت أمة لا تستكين. طب نفساً وقرّ عيناً يا صلاح، فلو لم تسمع إلا ما قاله والدك بعد استشهادك لكفاك فخراً وعزاً. كلنا كذلك. شباباً وشيبة، رجالاً ونساءً، نقول مع أبيك: "لو أخبرني كنت قلت له أنا سوف أذهب. وأنت فلتَبقَ لمرة ثانية. وأنا مستعد لأي عمل، حتى إن كان أكبر من هذا إرضاءً لفاطمة الزهراء ولا نبخل بأي شيء على الإسلام".

* وصيته إلى أهل بيته
السلام عليك يا والدي العزيز
إني متأسف ومخجل منك على عدم إخبارك عند توجهي لعملي الأخير فأرجو منك المسامحة على ذلك وعلى أي سوءٍ بدر مني أو أي فعل أو حركة أساءت لك فأنت تعرف أني قد اخترت هذا الطريق طريق سيدي أبي عبدالله، طريق الشهداء فأرجو منك مسامحتي، وأنا أقول لك يا والدي بأن تتمسك بهذا الخط لأنه خط الرسول، وخط الأمير، وخط الأئمة الأطهار، وأرجو منك مسامحتي لقلة تواجدي معكم وبينكم، وأتمنى منك عند سماعك خبر شهادتي أن تكون لك فخراً وعزاً في الدنيا والآخرة وأن تكون صبوراً وتتذكر سيد الشهداء أبا عبدالله كيف قطع رأسه وهو بين أهله وما أعظمها من مصيبة. وصيتي لك أن لا تنساني من الدعاء وأرجو منك أن لا تنسى مسألة الخمس والحج إني أريد أن أراك بجانبي يوم القيامة.
ولدك العبد الفقير إلى رحمة ربه

* والدتي الحنونة، أيتها الصابرة، أيتها الصديقة العزيزة على قلبي

تعبت كثيراً معنا وكنت خير أم وصديق، فأنت الصابرة الوفية، وكم كنت أتحدث معك عن مصيبة أبي عبد الله، والسيدة زينب، قصتها وتحملها للمصيبة وكم كانت قوية في مجلس يزيد لعنة الله عليه، فقد كانت مقولة كل النساء على مدى مر العصور فأرجو منك أن تصبري، وتكوني يوم القيامة مع الزهراء، فأرجو منك المسامحة وأرجو أن لا تحزني ولا تلبسي السواد بل أرجو أن يكون يوم فرحة وعز لا يوم حزن وسواد، وأرجو منك مسامحتي على أي شيء حصل مني أو أي تقصير فإني لا أقوى على "زعلك".
المهم التمسك بهذا الخط يا والدتي لأنه خط أهل البيت، أرجو منك المحافظة على المسائل الشرعية.
ولدك العبد الفقير إلى الله صلاح

* إلى زوجتي العزيزة، أيتها الطاهرة الصابرة والأم الحنونة
لقد صبرت معي وتحملت الكثير من المصاعب والمعاناة فأرجو منك أن لا تحزني فإني ذاهب إلى المكان الذي أنت تعرفينه، أنه هو الخط الذي كنت أرجوه من العزيز الجبار وقد تركت أمانة وهي الأولاد ولتحفظي هذه الأمانة وترعيها وأنا أعرف أن المسؤولية صعبة وشاقة عليك، أعانك الله على ذلك وأن لا تنسي أن تربيهم على خط أهل البيت كأبيهم نذر نفسه لله لرفع راية أمة حزب الله تحت قيادة وولاية السيد العزيز آية الله السيد الخامنئي حفظه المولى.

* النداء الأخير
قبيل توجهه للشهادة، وجَّه الشهيد ملاك هذا النداء، فقال:
"أنا صلاح محمد غندور المعروف بـ"ملاك". أسأل الله أن يوفقني إلى لقاء سيد الشهداء أبي عبد الله الحسين عليه السلام، هذا الإمام العظيم الذي علّم جميع الأحرار كيف ينتقمون من ظالميهم. إنني إن شاء الله بعد قليل من هذه الكلمات سوف ألقى الله معتزاً، مفتخراً منتقماً لديني ولجميع الشهداء الذين سبقوني على هذا الطريق.

بعد قليل سوف أثأر لجميع المظلومين والمستضعفين من أبناء جبل عامل وأبناء الانتفاضة في فلسطين المغتصبة، سوف أنتقم لجميع المعذبين في الشريط المحتل المعذب، إنني إن شاء الله مجاهد من مجاهدي المقاومة الإسلامية، تلك المقاومة العظيمة التي لم ترهبها طائرات العدو ولا دباباته وكل الأسلحة التي يمتلكونها ولا كل الدعم الذي يتلقونه من دول الكفر كافة.

سوف يكون لقائي القادم درساً جديداً، درساً كربلائياً ويكون فخراً للمسلمين وناراً ووبالاً على هذا العدو المتغطرس، الذي كسرت هيبته على أيدي أخواني المجاهدين من قبلي، والذي كسرت هيبته على أيدي الشهداء أحمد قصير والحر وأبو زينب وهيثم دبوق والشيخ أسعد وجميع الشهداء.
إخواني المجاهدين، فليكن بمعلومكم علم اليقين أننا إن شاء الله بكل تأكيد منتصرون، وهذا لا شك فيه ما دمنا نعمل لله ونعرق لله ونستشهد لله. فإن الله لا شك منجز وعده وناصر عبده وإنه لا شك معز المؤمنين ومذل الكافرين، وهذا على أيديكم يا أبطال المقاومة الإسلامية.
يا أبناء الإمام علي والحسين. يا أبناء الإمام الخميني العظيم، يا أبناء القائد الخامنئي وأبناء الشهيد السيد عباس والشيخ راغب حرب فإن جهادكم إن شاء الله هو الجهاد الممهّد لدولة صاحب العصر والزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف.

* وصية الشهيد ملاك
 بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
﴿مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا "الأحزاب/23".
وصيتي إلى إخواني المجاهدين.
بعد الصلاة والسلام على سيدنا ومولانا وحبيب قلوبنا أبي القاسم محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم وعلى الأئمة الأطهار من بعده ولا سيما سيدنا ومولانا صاحب العصر والزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف وجعلنا من جنده والمستشهدين بين يديه.
والسلام على ولي أمر المسلمين السيد الخامنئي حفظه الله.
وعلى السيد القائد حسن نصر الله.

وعلى أمة حزب الله وعلى الأخوة المجاهدين الذين يسطرون كل يوم أروع الملاحم ويعلمون الثوار طريق الثورة والشهادة.

أنتم تعلمون أن طريقنا طريق ذات الشوكة والصعاب فلا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم... وإن الله وعدنا بالنصر والعزة ووعده حق أنه لا يخلف الميعاد، فأرجو منكم المحافظة على وصية الشهداء وعدم التخلي عن هذا الخط ولو قطعنا إرباً إرباً.

وتذكروا دائماً الشهداء والأسرى، وقتال اليهود وإخراجهم من أرضنا وكل أرض اغتصبوها وهذا ما قطعناه على أنفسنا لتحرير كل الأرض والإنسان.
 بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ﴿لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُواْ وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَّوَدَّةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ قَالُوَاْ إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ إخواني لقد عاهدت نفسي على أن لا أواجه الله وسيدي أبا عبد الله إلا وأنا مقطع الأوصال والأشلاء بدون رأسٍ ولا يدين حتى يكون لي قدم صدق عند مليك مقتدر.
وإن يثبت لي قدم صدق مع الحسين وأصحاب الحسين الذين بذلوا مهجهم دون الحسين عليه السلام.
 

أوصيكم بتقوى الله ونظم أمركم والسير على نهج الأئمة الأطهار عليهم السلام المتمثل بالسيد القائد الخامنئي أعزه الله وطاعة السيد العزيز حسن نصر الله والسير في خط حزب الله أنه يمثل الصراط المستقيم في العالم الدنيا.

واطلب منكم المسامحة، فرداً فرداً وبالخصوص الأخوة الذين عملوا معي وبدر مني أي تصرف أساء لهم بدون قصدي فإنكم تعلمون معزتكم عندي وأنكم تمثلون شعلة الدرب المضيء التي تنير دربي، واسأل الله ربي ولكم السعادة والشهادة.
أخوكم العبد الفقير إلى الله العزيز الجبار.
ملاك

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع