أبارك لكم يوم الولادة العظيمة لنبيّ الإسلام المكرّم صلى الله عليه وآله وسلم والإمام جعفر الصادق عليه السلام. إنّ عظمة هذا اليوم بقدر عظمة ولادة رسول الإسلام صلى الله عليه وآله وسلم. ويجب تقدير هذا اليوم والأيّام العظيمة من هذا القبيل.
رسول الإسلام صلى الله عليه وآله وسلم العظيم هو الشخصيّة الأولى، وأفضل إنسان خلقه الله، وهو أرفع وأرقى وأعظم من كلّ الأنبياء، وكلّ الأولياء وكلّ الخلق في العالم، وعلى مرّ التاريخ.
فاقَ النبيّين في خَلقٍ وفي خُلُقٍ
ولم يُدانوه في علمٍ ولا كَرمِ
وكُلّهم من رسول الله مُلتَمِسٌ
غَرفاً من البَحرِ أو رَشفاً من الدّيم(1)
* الرسول صلى الله عليه وآله وسلم نور
يصف القرآن نفسه بأنّه "نور": ﴿قَدْ جَاءكُم مِّنَ اللهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ﴾ (المائدة: 15). وقد رُويَ عن زوجة رسول الإسلام المكرّمة أنّها سُئِلت عن الرسول فأجابت: "كان خُلقه القرآن"(2)؛ أي إنّه كان القرآن المتجسّد؛ إذاً، فالرسول أيضاً نور.
النور وسيلة للاستنارة ووسيلة حياة الإنسان، والرسول صلى الله عليه وآله وسلم وسيلة استنارة وحياة للمجتمعات الإنسانيّة، ليقول ذلك الشاعر العربي:
"ولد الهدى فالكائنات ضياء
وفم الزمان تبسّم وثناء"(3).
* أسبوع الوحدة الإسلاميّة: إيمانٌ قلبيّ
يتزامن مولد الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم مع بداية أسبوع الوحدة الإسلاميّة. وهذه ليست مجرّد تسمية محضة، ولا مجرّد حركة سياسيّة أو تكتيكيّة، بل اعتقاد وإيمان قلبيّ. فالجمهوريّة الإسلاميّة تؤمن -بكلّ ما للكلمة من معنى- بلزوم اتّحاد الأمّة الإسلاميّة. وهذا الأمر لا يختصّ بزماننا وبعهد الجمهوريّة الإسلاميّة، فمرجع كبير مثل المرحوم آية الله البروجردي، الذي كان مرجع كلّ العالم الشيعيّ في زمان شبابنا، كان من المناصرين الجديّين للوحدة الإسلاميّة، وللتقريب بين المذاهب الإسلاميّة، وكانت له علاقاته وحواراته مع كبار علماء العالم الإسلاميّ وأهل السنّة.
* مراتب الوحدة الإسلاميّة
لهذا الاعتقاد القلبي بضرورة اتّحاد العالم الإسلاميّ مراتب، هي:
1- أدنى مراتبه أن لا تتطاول المجتمعات والبلدان والحكومات والقوميات والمذاهب الإسلاميّة على بعضها بعضاً، ولا تعارض بعضها بعضاً، ولا يوجّه بعضها الضربات إلى بعض.
2- أعلى من ذلك، أن يتعاضد هذا العالم الإسلاميّ مقابل العدوّ المشترك، ويتحلّى بالاتّحاد الواقعيّ الكافي، وأن يدافع بعضه عن بعض.
3- أن تتآزر البلدان والشعوب الإسلاميّة فيما بينها؛ فالبلدان الإسلاميّة ليست في مستوى واحد من الناحية العلميّة، ومن حيث الثروة والأمن والقوّة السياسيّة. لذلك يمكنها أن تتعاون وتتآزر، فيأخذ المتمكّنون في أيّ مجال، بأيدي من هم أدنى تمكّناً منهم.
4- المرتبة الأعلى والأسمى، هي أن يتّحد العالم الإسلاميّ كلّه للوصول إلى الحضارة الإسلاميّة الحديثة المتناسبة مع هذا الزمن، وهذا ما جعلته الجمهوريّة الإسلاميّة هدفها وغايتها القصوى.
*لماذا هذه المصائب؟
لو أنّ العالم الإسلاميّ التزم بهذه المرتبة الأدنى من الوحدة في قضيّة فلسطين، وهي أكبر مصائب العالم الإسلاميّ، لما طُرد وشُرِّد شعبها، ولما تجرّأ العدوّ على الاستمرار في احتلال ذلك البلد. لاحظوا الأحداث والحروب الدامية التي وقعت في العالم الإسلاميّ، مثل قضيّة اليمن وقضايا مختلفة في منطقة غرب آسيا وشمال أفريقيا، هذا كلّه نتيجة أنّنا لم نهتمّ بالحدّ الأدنى من الوحدة التي يطلبها الإسلام منّا. هذا واجب ثقيل وجسيم جدّاً.
نقول هذا لأصحاب الأفكار النيّرة المميّزة، والعالم الإسلاميّ يزخر -بحمد الله- بشخصيّات مميّزة وأصحاب فكر؛ فليتابعوا ذلك وليهتمّوا به بكلّ جدّ. الشباب والشعوب المسلمة راغبة، ولكن ثمّة أيادٍ تعمل على التفرقة، ينبغي الوقوف في وجهها. المسلمون يتعرّضون اليوم للضغوط في العالم الإسلاميّ من شمال أفريقيا إلى شرق آسيا إلى بورما، ويعيشون الضغط في شرق العالم الإسلاميّ وغربه.
* الأعداء في وجه الوحدة
حين نطالب بالوحدة ونُخلص لها ونتحرّق شوقاً إليها، يجب أن نعلم أنّ لهذه الفكرة ولهذا المطلب المنشود حشداً جرّاراً من الأعداء، وعلى رأس هؤلاء الأعداء في الوقت الحاضر نظام الولايات المتّحدة الأمريكيّة والكيان الصهيونيّ الزائف. ثمّة من يخال أنّ المعركة هي بين الجمهوريّة الإسلاميّة وأمريكا فقط، نعم، لأنّ الجمهوريّة الإسلاميّة نشطة وفعّالة لذلك يعادونها أكثر، لكنّهم أعداء للعالم الإسلاميّ وللبلدان الإسلاميّة، وأعداء لفلسطين وللشعوب في غرب آسيا، وأعداءٌ لشعوب شمال أفريقيا أيضاً، ولجميع المسلمين. والسبب يعود إلى حقيقة الإسلام، الذي هو رفضٌ للظلم وللهيمنة وللاستكبار.
(*) من كلمة الإمام الخامنئيّ دام ظله في لقاء مسؤولي النظام والمشاركين في مؤتمر الوحدة بتاريخ 15/11/2019م.
1- شرف الدين البوصيري، قصيدة البردة.
2- شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد، ج 6، ص 340.
3- أحمد شوقي، الشوقيات.