مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

وصال (12): شرح وصيّة الشهيد قاسم سليماني 


الشيخ أبو صالح عبّاس


"إلى إخواني في الحرس الثوريّ والجيش..

أخاطب إخواني الأعزّاء في الحرس الثوريّ والمنتسبين إلى الجيش من الحرس.

اجعلوا الشجاعة والقدرة على إدارة الأزمات معيار تحمّل المسؤوليّة عند اختيار القادة".

في هذه الفقرة من الوصيّة، يتوجّه الحاجّ قاسم سليمانيّ إلى رفاق السلاح، وإخوان الجهاد والشهادة من أبناء الحرس الثوريّ وأفراد الجيش، بكلمات مباشرة، من دون مقدّمات أو مجاملات، كما هو ديدن الخطابات العسكريّة، التي تكتفي بالقليل من الكلمات مع الكثير من الدلالات.

* معايير اختيار القوّات المسلّحة
يشير الحاجّ قاسم هنا إلى معيار تحمّل المسؤوليّة الواجب ملاحظته عند اختيار القادة بالنسبة إلى القوّات المسلّحة. وهذا المعيار يتكوّن من ركنين: أحدهما الشجاعة، والآخر القدرة على إدارة الأزمات.

1- القوّة: في القرآن الكريم، يوجد العديد من الآيات التي تبيِّن أبرز الصفات التي يجب على القائد أو من يناط به تحمّل المسؤوليّة أن يتحلّى بها، منها قوله تعالى: ﴿وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ﴾ (البقرة: 247)، وقوله تعالى: ﴿إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ﴾ (القصص: 26). وهاتان الآيتان تشتركان في صفة القوّة. وهذه القوّة وإن كانت في الأولى ظاهرة في القوّة الجسديّة، إلّا أنّها في الآية الأخرى أعمّ من ذلك، مثل عناصر القوّة النفسيّة، والتي منها الشجاعة، والثقة بالنفس، وكذلك القوّة الروحيّة لناحية رسوخ الإيمان والعقيدة. وأيضاً تشير الآيتان إلى صفتين أخريين؛ هما العلم، والأمانة، فتجتمع بين أيدينا ثلاث صفات، وهي: القوّة، والعلم، والأمانة. وبالعودة إلى الوصيّة، فإنّ القائد الشهيد يتحدّث عن الشجاعة، والقدرة على إدارة الأزمات، وهما صفتان متضمّنتان في الآيتين الكريمتين؛ لكون الصفتين تندرجان في القوّة والعلم والأمانة.

فالقوّات المسلّحة يجب أن تكون قويّة، وتمتلك جميع عناصر الاقتدار الماديّ والمعنويّ، فهي وكما يقول أمير المؤمنين عليّ عليه السلام: "فَالْجُنُودُ بِإِذْنِ اللَّه حُصُونُ الرَّعِيَّةِ وزَيْنُ الْوُلَاةِ، وعِزُّ الدِّينِ وسُبُلُ الأَمْنِ، ولَيْسَ تَقُومُ الرَّعِيَّةُ إِلَّا بِهِمْ..."؛ وهذا يعني أنّه من دون الجنود لا عزّ للدين، ولا أمان، ولا قيامة للرعيّة. كما أنّ ضمانة استخدام ذلك كلّه وَفق المنهج الصحيح، وبالجرعة اللازمة، تتوقّف على الأمانة، ومن دونها فإنّ الخيانة ستقع لجهة تضييع الطاقات.

2- القدرة على إدارة الأزمات: ينبغي أن تمتلك القوّات المسلّحة القدرة على مواجهة الأزمات وحسن إدارتها، وهذا يستدعي منها التحلّي بالحكمة والبصيرة والكثير من التيقّظ، والأهمّ من ذلك كلّه، توثيق العلاقة بالله تعالى، على قاعدة التقوى التي هي شرط للتبصّر وتيسير الأمور، كما يقول تعالى: ﴿وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا﴾ (الطلاق: 2)، ويقول: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا﴾ (الأنفال: 29).

القوّات المسلّحة والولاية
"من الطبيعيّ أن لا أشير إلى الولاية؛ لأنّها ليست أمراً فرعيّاً بالنسبة إلى القوّات المسلحة، بل هي أساس بقائها، وهي شرط لا يقبل الخلل".

في هذا المقطع، يتحدّث الحاجّ قاسم عن الولاية، ولكن بلفتة ذكيّة منه؛ إذ لم يتعرّض إليها كصفة عرضيّة أو شرط كمال، بل طرحها كتحصيل حاصل لا يحتاج إلى تأكيد، وأيضاً كشرط أصيل من دونه تنتفي هويّة القوّات المسلحّة، بل ينتفي وجودها، وفي ذلك أبلغ التعبير عن أصالة الولاية في بنية القوّات المسلّحة، كامتداد عمليّ للوليّ الفقيه ليس من موقع كونه قائداً للقوّات المسلّحة، بل باعتباره جوهراً لها، ومحوراً لحركتها، ومركزاً لإشعاعها.

* من مهام القوّات المسلّحة
"والنقطة الأخرى هي معرفة العدوّ في الوقت المناسب، والإحاطة بأهدافه وسياساته، واتّخاذ القرارات الملائمة، والتصرّف المناسب. كلّ واحد من هذه الأمور، إن نُفّذ في غير وقته، فسيؤثّر تأثيراً عميقاً في انتصاركم".

يشير القائد الشهيد إلى أخطر مهامّ القوات المسلّحة، وهي:

1- معرفة العدوّ: تعدّ معرفة العدوّ من الأصول السياسيّة والعسكريّة المعروفة، فعلى القوّات العسكريّة امتلاك بصيرة تمييز العدوّ من الصديق في الوقت المناسب.

2- الإحاطة بالأهداف: وهي تعني رصد مروحة أهداف العدوّ، بمستوياتها قريبة المدى والبعيدة؛ لأنّ ذلك من شأنه أن يحقّق أمرين:

- الأوّل: معرفة تكتيكات العدوّ ووسائله وطرائقه التي يروم من خلالها تحقيق الأهداف التي يريدها.

- الثاني: تحديد الإجراءات الدفاعيّة والاستباقيّة التي يتوجّب القيام بها، وهي بدورها تحدّد الإمكانات وخطط التصدّي التي يلزم توفيرها بما يتناسب مع الأهداف المرصودة.

3- الإحاطة بالسياسات: وهي تعني الخطوط العريضة التي على أساسها تتحدّد الأهداف والطرق المؤدّية إلى اتّخاذ القرارات بخصوص الإجراءات الواجب اتّباعها.

4- اتّخاذ القرار الملائم: إنّ اتّخاذ القرار يؤسّس لبناء منظومة من السلوكات والإجراءات التي تتنوّع بين الهجوم والدفاع، مع ما يستلزم ذلك من القيام بجهود جبّارة من جهة توفير المقدّمات المطلوبة، وهي سلسلة طويلة من الإجراءات الجزئيّة والكليّة، ومن جهة بناء منظومة ردع تتراوح بين الأداء الوقائيّ، والمعلوماتيّ، والأمنيّ، والاقتصاديّ، والثقافيّ العامّ والخاصّ وغيره، وهذه الأمور كلّها لا يمكن تحقيقها من دون اتّخاذ القرار المناسب.

5- التصرّف المناسب: وهو بمنزلة المرحلة التنفيذيّة التي تأتي تتويجاً للمراحل التمهيديّة السابقة، وهو يستدعي دقّة، وقدرة، وشجاعة، وثقة بالنفس، وأيضاً فهماً دقيقاً للخطوات السابقة، وللخطّة المرسومة، وإتقاناً للوسائل والطرائق التي على أساسها يتمّ التنفيذ.

6- التوقيت المناسب: وهو شرط نجاح الإجراءات السابقة كلّها؛ لأنّ التأخّر في فهم العدوّ من شأنه أن يوقع في الكثير من الأخطاء على صعيد التشخيص وتقدير الموقف، أو ضعف البصيرة وتضييع البوصلة. وأيضاً التأخّر في الإحاطة بالأهداف والسياسات، يوقع في الجهل بتكتيكات العدوّ، وبتشخيص الإجراءات المناسبة. وكذلك التأخّر في اتّخاذ القرار الملائم يؤدّي إلى تفويت الفرص، أو تضييع عنصر المفاجأة، أو تفاقم الأمور، وطروء أحداث جديدة تستدعي قرارات أخرى. والأمر نفسه ينطبق على المرحلة التنفيذيّة؛ إذ إنّ عدم التوقيت المناسب لناحية الاستعجال في القيام بالمطلوب وقبل نضوج الظروف والحيثيّات الملائمة، يضيّع الإنجاز، ويفوّت تحقيق الهدف بكماله. وكذلك الأمر عند التباطؤ وتأخير الإجراء، فإنّه يوقع في مشاكل عديدة لناحية تضييع الهدف، أو طروء حالات وأحداث إضافيّة تغيّر في تقدير الموقف، وتعدّل تالياً في الأسلوب الواجب اعتماده.

1- نهج البلاغة، ص432.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع