تحقيق: نانسي عمر
"كانت تواظب كلّ ليلة جمعة على دعاء كميل، الذي كان بالنسبة إليها واجباً يجب أن تقوم به كلّ أسبوع، حتّى حفظته غيباً، على الرغم من تقدّم سنّها. وفي يوم من الأيّام، أصابها شلل منعها من الكلام بشكل طبيعيّ، وبقيت مدّة زمنيّة غير قصيرة تتدرّب على إعادة الكلام حتّى نفهم عليها"، يقول ابنها، ويتابع: "كنّا نراها تبكي دوماً عندما تعجز عن الكلام.. وبعد شفائها، أخبرتنا أنّها كانت تبكي؛ لأنّ الشلل حرمها من قراءة الدعاء والزيارات بصوت عالٍ، كما اعتادت". هي قصّة الحاجّة أمّ مسعود، التي كانت تعشق سماع المجالس الحسينيّة، وتواظب على حضور دعاءَي كميل والتوسّل جماعةً في الحسينيّة القريبة من منزلها، فتدعو لكلّ مَن تعرفه.
•التوسّل بصاحب الزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف
تروي الحاجّة مريم قصّتها مع الدعاء، والتي انتهت بها إلى حفظ القرآن الكريم. تقول: "لطالما توسّلتُ بصاحب الزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف في حاجاتي كلّها، ولكن حاجة مستعصية ألمّت بي مرّة، لا أحد غير الله قادر على حلّها، ولم أكن أريد لأهل بيتي أن يعلموا بها". وتتابع: "سمعت أنّ ثمّة صلاة استغاثة بالإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف، وهي مجرّبة لقضاء الحوائج، وتتضمّن سورة الفتح. كنت أؤدّيها فجراً دون أن يشعر بي أهل بيتي، فقرّرت أن أحفظ سورة الفتح حتّى لا أضطرّ إلى إشعال الضوء لقراءة السورة من المصحف. وما إن انتهيت من حفظها، حتّى كانت حاجتي مقضيّة بإذن الله تعالى".
تقول الحاجّة مريم: "وجدت أنّ لديّ قدرةً على الحفظ، مضافاً إلى حبّي لكتاب الله الذي أصبح ملجئي وملاذي، وبتشجيع ممّن حولي، حفظت القرآن الكريم، وهذا شرف كبير لي".
•بالدعاء يلهج قلبي
"اعتدت منذ صغري أن أواظب على دعاء العهد ودعاءَي كميل والتوسّل، مضافاً إلى أدعية الأيّام، ولكن عندما تكون لي حاجة خاصّة، أرتجل عبارات باللهجة الفصيحة؛ لأنّني بذلك أبثّ إليه تعالى همومي وشكواي بارتياح"، تقول أمّ محمّد، وتضيف: "كلّما هممت بالدعاء والتضرّع الى الله تعالى، لهج لساني بدون وعي بذكر: (اللّهم بفاطمة وأبيها وبعلها وبنيها). هم أقرب وسيلة إلى الله؛ لأنّهم أحبّ الخلق إليه، وهم شفعاؤنا وملاذنا عند الشدائد".
تتابع: "دعاء الافتتاح الذي نقرؤه يوميّاً في شهر رمضان، علّمنا في عبارته الشهيرة (ولعلّ الذي أبطأ عنّي هو خيرٌ لي لعلمك بعاقبة الأمور)، أن نظنّ بالله خيراً ونكون دوماً على يقين من أنّه يريد للمؤمن الخير، حتّى ولو تأخّر في استجابة دعائه، فالأكيد أنّ في ذلك مصلحة لهذا الإنسان لا يعلم بها إلّا الله الواسع الحكيم، بل ولربّما فيه دفع للضرر والأذى عنه أيضاً".
•علّه خيرٌ لي
"أفضل وقت أشعر فيه برغبة كبيرة لأدعو الله تعالى وأناجيه هو بعد الصلاة، فالعديد من الروايات تحثّ على أن يدعو المؤمن ربّه عقب أدائها"، تقول سارة، وتضيف: "بالنسبة، ليّ، أفضّل أن أدعو الله باللغة الفصحى، لغة الأئمّة عليهم السلام التي كانوا يدعون بها، وأقرب الأدعية إلى قلبي دعاء كميل ليلة الجمعة، فأشعر أنّه يحكي لسان حالنا، ويعبّر عمّا في داخل كلّ مؤمن". تتابع سارة: "إذا استجاب الله دعائي، أشكره وأدعوه أن يثبّتني على دينه ورضاه، أمّا إن لم يستجب لي، فلعلّ الذي أبطأ عنيّ هو خيرٌ لي لعلمه بعاقبة الأمور".
•الدعاء وسيلة للشكر
"ألجأ إلى الدعاء والشكر لله بعد كلّ صلاة واجبة أو مستحبّة؛ أوّلاً على نعمه كلّها، وثانياً لأنّه أعطانا هذا الوقت –الوقت كلّه- للحديث معه وبثّ الشكوى إليه"، تقول مناهل.
وتضيف: "لكلّ دعاء نكهة خاصّة بالنسبة إليّ، وخصوصاً أدعية: النور، والأمن، والفرج، ومقاتل بن سلمان، والتوسّل وكميل، التي أواظب عليها دوماً؛ لأنّها فعلاً من المنجيات في أمور الدين والدنيا. وللمناجاة الشعبانيّة وقع خاصّ في قلبي أيضاً". وتتابع: "إن استجاب الله تعالى دعائي، فأوّل ما أفعله هو صلاة الشكر تعبيراً عن المحبّة والثناء، بلغة عامّيّة مبسّطة كردّ فعل أوّليّ. وإن لم يستجب لي، فأشكره وأحمده أيضاً؛ لأنّه العالم بمآل الأمور وعواقبها".
•أفضل أوقات الدعاء
"أكثر الأوقات التي أحبّ أن أدعو الله فيها هي عند الفجر، وعند سماع الأذان، وعند الإفطار في شهر رمضان المبارك؛ لأنّني أشعر بكوني أوّل الداعين لله تعالى حينها، ويقال إنّ أبواب السماء في تلك الأوقات تكون مفتّحة" تعبّر فاطمة، ثمّ تقول: "أكثر دعاء ألجأ إليه وقت الشدّة هو مناجاة الإمام الكاظم عليه السلام، وهو فعلاً سريع الاستجابة، ولكن في الدعوات العاديّة، أحبّ أن أدعو الله باللهجة العاميّة المتداولة التي أتكلمّ بها مع الناس، لكي لا يكون هناك تصنّع أو تكلّف في كلامي مع الله تعالى".
وتستشهد فاطمة بعبارة "الصبر مفتاح الفرج"، لتؤكّد أنّها بعد تجاربها وجدت أنّ لله تعالى حكمة مجهولة حين لا يُستجاب دعاء الإنسان، وتقول: "كنت أشعر بالخيبة عندما لا يُستجاب دعائي، ولكنّني بعد المواظبة على بعض الأدعية، وتحديداً دعاء الافتتاح في شهر رمضان، علمت أنّ ما أدعو له قد لا يكون الوقت مناسباً لتحقّقه. وحده الله يعلم ما هو خير لنا، وعلينا فقط أن نصبر".
•الجار ثمّ الدار
"هكذا علّمتنا سيّدتنا فاطمة عليها السلام، أن ندعو للجيران والأقارب والأهل والمعارف، ثمّ ندعو لأنفسنا"، تقول أمّ عليّ، وتتابع: "إنّني أخجل أن أدعو لأيّ كان قبل أن أدعو لصاحب الزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف، عساه يذكرنا بدوره في دعائه، وبعدها أدعو للمجاهدين والقادة، ثمّ للأموات والشهداء بالرحمة، ولوالديّ وإخوتي وأقاربي وجيراني، وأخيراً أدعو لزوجي وأولادي ونفسي". وتضيف: "منذ زيارتي للإمام الحسين عليه السلام، تعلّقت به كثيراً، وصرت بدون تفكير أدعو باسمه وغربته وعطشه، وأقرأ زيارة عاشوراء يوميّاً، وأسأل الله بحقّ الحسين أن يقضي حاجاتي؛ لأنّني متيقنة بكرامته عند الله تعالى، وهو لم يخيّبني يوماً".
•شفاء للصدور
"أختار العبارات والأدعية المذكورة في القرآن الكريم، فهي الأقرب إلى قلبي ولساني"، تقول الحاجّة حياة، وتضيف: "إنّ الله تعالى قال عن كتابه المبارك إنّه شفاء لما في الصدور، وأنا حقّاً ألجأ إليه كلّما ضاق صدري، وأتوسّل بهذا الكتاب وآياته. أجد فيه كلّ الحلول لمشاكلي، وكلّما وقعت في مشكلة، وجدت فيه آية تحاكي واقعي ومشكلتي، وبمجرّد أن أذكرها وأتلوها أشعر بأنس وطمأنينة كبيرَين. وكيف لا؟ ألا بذكر الله تطمئنّ القلوب".
•بقلب خاشع
تختلف العبارات، والمصادر، والعناوين والأسماء، وتبقى النتيجة واحدة؛ قلبٌ خاشع يتوجّه بيقين لمَن هو أقرب إليه من حبل الوريد، بوجه منصوب وأيدٍ ممدودة يتوسّل ويرتجي ويستغفر؛ بين مذنب يسأل التوبة، أو محتاج يتضرّع لقضاء حاجته، أو حبيب يكفيه أن يستأنس بذكر محبوبه، عسى أن يطمئنّ قلبه العاشق في حضرة المعشوق.
1. وسائل الشيعة (آل البيت)، الحرّ العامليّ، ج 6، ص 438.