مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

أول الكلام: إنّي صائم

الشيخ بسّام محمّد حسين


يُشاهَد لدى بعض الناس حالة من الأخلاق السيّئة التي لا تنسجم مع روحيّة الصائم، الذي يمارس الصوم كعبادة يتقرّب بها إلى الله تعالى. فبعضهم نظراً إلى افتقاده أموراً اعتاد عليها في غير أيّام الصوم، كشرب الدخان أو القهوة أو عدم تناول الطعام أو الشراب، أو ما شابه من أمور تغيّر في نظام حياته، بسبب أداء هذه الفريضة، يُصاب بحالة من التوتّر والانفعال والغضب الداخليّ الذي يُنفّس عنه بالصراخ على هذا، أو التجريح بذاك، أو الكلام المهين وشتيمة الآخرين ونحو ذلك.

والمؤسف أنّ بعضهم حينما تسأله عن سبب هذا الغضب أو ذاك التصرف، يبرّر قائلاً: "إنّي صائم"، كأنّ الصوم الذي هو فريضة إلهيّة أرادها الله تعالى للإنسان؛ لكي يكفّ النفس عن المشتهيات وتكون طريقاً له إلى تهذيب نفسه، كما ذكر تعالى في كتابه بقوله: ﴿لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ (البقرة: 183)، صار مُبرّراً لمثل هذه التصرفات والمواقف القبيحة.

وبذلك تتحوّل هذه الفريضة الإلهيّة إلى عبء يتمنّى بعض الناس زواله، غير ملتفتين إلى ما يخسرونه بسبب ذلك، من قيم الصوم ومعانيه، التي لا بدّ من أن تتجلّى في سلوك الصائم وأقواله وأفعاله.

ولهذا ورد عن الإمام الصادق عليه السلام قوله: "إذا صمتَ، فليصُم سمعُك وبصرك وشعرك وجلدك"، وعدّد أشياءً أخرى. وقال: "لا يكون يوم صومك كيوم فطرك"(1).

وكم نخسر بسبب عدم مراعاتنا لألسنتنا من بركات هذا الصيام! فقد جاء عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال: "الصائم في عبادة، وإن كان نائماً ما لم يغتب مسلماً"(2). فلنَنْظُر إلى الغيبة كيف تزيل حالة عباديّة يكون عليها الصائم حتّى في حالة نومه.

كما ورد أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سمع امرأةً تسبّ جارية لها وهي صائمة، فدعا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بطعامٍ فقال لها: "كُلي"، فقالت: إنّي صائمة، فقال: "كيف تكونين صائمة وقد سببتِ جاريتك؟! إنّ الصوم ليس من الطعام والشراب"(3).

فعلى الصائم أن يستفيد من فرصة الصوم كي يهذّب نفسه من الأخلاق الرذيلة، كما أوصانا النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم في خطبته المعروفة في استقبال شهر رمضان المبارك: "مَن حسَّن منكم في هذا الشهر خُلُقَه، كان له جواز على الصراط يوم تزلّ فيه الأقدام"(4).

فعندما يواجه الإنسان موقفاً من المواقف التي تجرّه إلى الإساءة إلى غيره، سواء على مستوى الفعل أو ردّ الفعل، عليه أن يذكّر نفسه بالصوم الذي هو حالة عبادة مستمرّة، فلا ينقضها ولا يبطلها معنويّاً، وليخاطب نفسه كما جاء في الرواية: إنّي صائم، فعن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم: "ما من عبد صائم يُشتم فيقول: إنّي صائم، سلامٌ عليك، لا أشتمك كما تشتمني، إلّا قال الربّ تبارك وتعالى: استجار عبدي بالصوم من شرّ عبدي، قد أجرته من النار"(5). وعلى هذا الأساس، ورد عنه صلى الله عليه وآله وسلم أيضاً، أنّ "الصوم جنّةٌ من النار"(6).

وهكذا لا بدّ من أن يُقال: إنّي صائم، لتنبيه النفس على استحضار الصبر والطاعة، لا لتبرير قبيح صنعها.

نسأله سبحانه أن يتقبّل صومنا وأعمالنا، في هذا الشهر، ويجعله خيراً وبركة ورحمة بتعجيل فرج مولانا الحجّة عجل الله تعالى فرجه الشريف.

 

1-الكافي، الكليني، ج4، ص87.
2-(م.ن)، ج4، ص64.
3- (م.ن)، ج4، ص87.
4- الأمالي، الصدوق، ص154.
5-من لا يحضره الفقيه، الصدوق، ج2، ص109.
6- الكافي، (م.س)، ج2، ص19.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع