نور روح الله | يوم القدس: يوم الإسلام* إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين

أدب ولغة: كشكول الأدب

إبراهيم منصور

*قصّة وعِبرة
كَيِّسَةٌ وأَكْيَسُ منها وعاجزة؛ يُروى أنّ صيّاداً مرَّ يوماً على غدير ماء فوجد فيه ثلاث سَمَكات، فقال: سأذهب وآتي بالشبكة لأصطاد هذه السَّمَكات. فلمّا سمعت السمكةُ الأولى هذا الكلام أسرَعَتْ بالهروب من الغريب وسبحَتْ إلى أعلى النهر؛ فلمّا عاد الصيَّاد رمى شبكته في الماء وأخذ السمكتين الباقيتين فوضعهما على ضفَّة الغدير، فانتفضَتْ إحدى السمكتين وألقت بنفسها في الماء ثم سبحَتْ إلى أعلى النهر، ناجيةً بنفسها. وأمَّا السمكة الثالثة فقد ظلَّت ساكنةً حتى أخذها الصيّاد. فالسمكةُ الأُولى هي أَكْيَسُ أي أعقلُ وأذكى من الثانية التي تداركَتْ نفسَها في اللحظة الأخيرة. أمَّا الثالثة فهي العاجزة.

والكَيِّسُ من الرجال هو العاقلُ الفطين، وفي حديث النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "الكيِّسُ مَنْ دانَ نفسَهُ وعمل لما بعد الموت"(1).

*من أجمل الاستعارة
شَرِقَ البيتُ بأهله- غَصَّتِ الدار بالزوَّار؛ شَرِقَ البيتُ بأهله أي امتلأ وضاق بهم، وهو مستعارٌ من شَرِقَ الشاربُ بالماء، والشَّرَقُ بالماء يُقابل الغَصَصَ بالطعام، ومنه الاستعارة الثانية: غصَّتِ الدار بالزوّار، أي امتلأت فضاقت بهم كما يَضيقُ البلعوم بالطعام عند الغَصَصِ.

*من أجمل الشِّعْر
قد تكون الإقامةُ في الديار بلاءً للإنسان، فالرحيلُ عنها أجدى، ومَنْ يتَّقِ المنايا لا ينفعُه الاتِّقاء، وقد يُعطَى البخيلُ فَقْراً على بُخله، وقد يُعطَى الجَوادُ الكريمُ ثَراءً على جُودِهِ، والغِنَى غِنَى النفس، وفَقْرُ النفسِ شقاء، وداءُ الجسمِ قد يُداوَى أمَّا داءُ الحماقة فلا دواءَ له؛ هذه المعاني الجميلة صاغها الشاعرُ قيسُ بن الخطيم شِعراً جميلاً فقال:
وما بعضُ الإقامةِ في ديارٍ يُهانُ بها الفتى، إلّا بلاءُ
فقلْ للمتّقي غَرَضَ المنايا**تَوَقَّ فليس ينفعُكَ اتِّقاءُ
ولا يُعطَى الحريصُ غِنَى لِحِرْصٍ،**وقد يُنمَى لذي الجُودِ الثَّراءُ
غنيُّ النفسِ ما استغنَتْ غنيٌّ**وفَقْرُ النفس، ما عَمِرَتْ، شقاءُ
وداءُ الجسمِ مُلْتمسٌ شِفاءً،**وداءُ الحُمْقِ ليس له دواءُ


*من أصدقِ الحديث
إنَّ الله تعالى ذَمَّ الدنيا وحذَّر العباد سوء مغبَّتها، وضرب لهم الأمثال ليعتبروا ويحذروا، وكان النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم يُحذِّرهم ما حذَّرهم الله ويُزَهِّدهم فيها، فرغب أصحابُه بعده فيها وتنافسوا عليها حتى كان الزُّهْدُ في النادر القليل منهم، وعلى رأسهم الإمام علي عليه السلام، لذا قال النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم: "تجِدُون الناس بعدي كإبلٍ مائة ليس فيها راحلة، أي الكامل في الزهد في الدنيا والرغبة في الآخرة قليلٌ كقلَّةِ الراحلة في الإبل، والراحلة هي الجَمَلُ القويّ على الأسفار والأحمال، النَّجِيبُ التامُّ الخَلْقِ الحَسَنُ المنظر"(2).

*من أجمل التشبيه
قال الإمام الخميني قدس سره مشبِّهاً الإنسان بدودة القزّ، حيث يسعى إلى سجن نفسه ودفنها في شرنقة أنانيَّته وطمعِه: "نحن المساكين كدُود القزّ ننسج حول أنفسنا خيوط الآمال والآمانيّ والحِرص والطمع ومحبَّة الدنيا وزخارفها، ونُهلك أنفسنا في هذا النسيج". ولكنّ هذا التشبيه الجميل يختزنُ الحقيقة الناصعة، وهي أنّ الإنسان يستطيعُ- إذا تحلَّى بالإرادة والإخلاص لله- أن يقطع خيوط شرنقته ويخرج إلى فضاء الحريَّة والنور (3).

*مفردة ثرية بالمعاني
"غرْب" و"غَرَب": من المعاني الكثيرة لكلمة "غرْب": البُعد، ونقطة مغيب الشمس، وسُهمٌ غرْب أو غرَب: لا يُدرَى راميه. والغَرَب: نوعٌ من الشجر، والذهب، والفضة، والقدَح، والخمر، والفَرَس الكثير الجري، والماء يقطُر من الدلو. والغَرْب: أوّل كلّ شيء
(حَدُّه)، والنشاط والحِدَّة، يُقال: إني أخاف عليك غَرْبَ الشباب، أي حدَّته ونشاطه. والغرْب: التمادي واللجاجة في الشيء، والغرْب: أعظم من الدلو. وهو دمع العين، وماء الأسنان وأطرافها، وهو خُرَّاج يخرج في العين (4).

*من جذور الكلام
المُنافِق؛ سُمِّيَ المنافِقُ مُنافقاً للنَّفَقِ، وهو السَّرَبُ في الأرض، وقيل: إنما سُمِّيَ منافقاً لأنه نافَقَ كاليربوع، أي دخلَ نافقاءَهُ أي جُحْرَهُ، وذلك أنّ اليربوع يُحْدِثُ نفقاً في الأرض له منفذان، مدخلٌ ومخرج، فإذا طُلِبَ اليربوعُ من مدخله الذي يُسمَّى النافقاء خرج من الجُحر الآخر الذي يُسمَّى القاصعاء، هكذا يفعلُ المنافقُ، يدخلُ في الإسلام ثم يخرجُ منه من غير الوجه الذي دخلَ فيه، والمنافقُ: لفظةٌ إسلاميّة تعني الذي يسترُ كُفْرَه ويُظْهِرُ إيمانه، وإن كان أصلُها اللغويّ معروفاً.

*من أمثال العرب
أَحُشُّكَ وتَروثُني!: يخاطبُ الرجلُ فرسه قائلاً: أنا أعلفُك وأُقدِّمُ لك لتغتذي وأنتَ تُعطيني الرَّوْث، أي الفضلات! يُضرَبُ هذا المثل لكلّ من اصطنع عند غيره معروفاً فكافأه بضدِّه، أو لم يشكره ولا نفعه، وقيل: يُضرَبُ مثلاً لمن يُسيء إليك وأنت تُحسنُ إليه.

*خطأ شائع
السُّوقة؛ تعني السوقةُ من الناس: الرعيَّة ومَنْ هم دون الملك؛ وكثير من الناس يظنُّون أنّ السوقة أهلُ الأسواق والأزقّة، أي أراذل الناس، وهو خطأ شائع، فالسوقة من الناس: مَنْ لم يكن ذا سلطان، ويستوي فيه المذكّر والمؤنّث.

*من أجمل الكناية
نقول: جاء فلان عاقِداً عُنُقه. وعَقَدَ عُنُقه، أي: لواها، وهو كناية عن الكِبْر والعُجْب بالنفس. ومثل هذه الكناية: عَقَدَ فلان ناصِيَتَه، أي: لوى رأسه إذا غضب وتهيَّأ للشرّ. وقيل: عَقَدَ اللحية، أي: عالجها حتى تنعقد "تتجعَّد". وكان العرب يعقدون لِحاهم في
الحروب، كِبْراً وعُجْباً، فأمرهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بإرسالها(5).

*من غريب اللّغة
لَحَكَ؛ اللَّحْكُ والملاحكةُ: شدَّة التئام الشيء بالشيء، يُقال: شيءٌ متلاحك، أي مُتداخِل، من فعل لَحَكَ لَحْكاً؛ وفي صفة سيِّدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: إذا سُرَّ فكأنَّ وجهه كالمرآة وكأنّ الجُدُرَ تُلاحِكُ وجهَه؛ الملاحكة: شِدَّة الملاءمة، أي لإضاءة وجهه يُرَى شخصُ الجُدُر في وجهه، والمعنى أنّ صفحة وجهه الكريم مضيئةٌ كالمرآة تنعكسُ عليها صُوَرُ الأشياء المحيطة بها.

*من الثنائيّات
المشرقان؛ هما المشرق والمغرب، والمشرق من فعل شَرَقَتِ الشمسُ إذا طلعت، وأشرقَتْ إذا أضاءت، وجاء في التنزيل العزيز: ﴿يَا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ (الزخرف: 38)، إنّما أراد بُعْدَ المشرق والمغرب فلمّا جُعِلا اثنين غلَّبَ لفظَ المشرق لأنَّه دالٌّ على الوجود والمغرب دالٌّ على العَدَم، والوجود- لا محالةَ- أشرف. ويقول أحمد شوقي في مطلع إحدى مرثيَّاته:
المشرقانِ عليكَ ينتحبانِ قاصيهما في مَأْتَمٍ والداني


(*) عضو اتحاد الكتاب اللبنانيين.
1- الوافي، الكاشاني، ج26، ص189.
2- لسان العرب، ج3، ص168.
3- 100 كلمة عرفانيّة.
4- المنجد في اللغة، م. س، مادة "غرب"؛ وكتاب العين، مادة "غرَب".
5- لسان العرب، مادة عقد.

أضيف في: | عدد المشاهدات: