فاطمة نصر الله (*)
لو تأمّلنا قليلاً في حياة الإنسان لوجدنا أنّها سلسلة من الأحداث المتلاحقة التي تختلف وتيرتها ما بين حدث وآخر. فهي بمعنى آخر انتقال ما بين حدث سعيد وآخر أليم.
وما يميّز الناس في بيئتنا المحلية أنّهم، في روح تربيتهم، متكاتفون، متعاطفون، مبادرون، وهذا ما له الأثر البالغ في التعاطي مع أيّ شخص مألوم وقع تحت تأثير أزمة ما.
والحروب هي المناسبة الأكثر جدية وشدّة، ومن خلالها تظهر مسؤوليّة الناس في مساندتهم لبعضهم بعضاً، وفيها يتسنّى لهم المبادرة للمساندة والدعم النفسيّ، مترفّعين عن كلّ الاعتبارات الشخصيّة والذاتيّة.
* ما هي المساندة النفسيّة؟
هي إمداد الفرد الذي وقع تحت ضغط أزمة
ما (عامّة أو خاصّة) بالدعم النفسيّ، من خلال إشعاره بالمشاركة ومساعدته على التعبير عمّا يجول في خاطره، ومساعدته على تنظيم أفكاره، ما يمكّنه من التخلّص تدريجياً من آثار الأزمة، والتقليل ممّا خلّفته من اضطرابات أو تشويهات فكريّة وانفعاليّة.
* من هو المساند النفسيّ؟
هو الشخص الذي يتمكّن من التعامل مع ضغوط الأفراد بطريقة حرفيّة ومهنيّة سليمة، وهو إمّا مختصّ نفسيّ يقوم بتشخيص وعلاج الحالة، وإمّا (مساند مدرّب/ متطوّع) يقوم بمراقبة الحالة ومساعدتها أو تحويلها في حال لزم الأمر.
* لماذا يجب أن نقوم بالمساندة النفسيّة؟
إنّ الآثار السلبيّة التي تتركها الكوارث أو الحروب، تكون في الكثير من الأحيان أشدّ من الآثار العضويّة. فكلّ من يشهد الكارثة أو يعايش الحروب يتأثّر بها نفسيّاً. والدعم النفسيّ لذلك يقلّل من الآثار النفسيّة السلبيّة الطويلة المدى من جرّاء الحرب.
* خطوات لنجاح عملية المساندة النفسية
1- أن تكون لدى المساند مهارة عالية في التواصل الكلاميّ السليم.
2- أن تكون لديه المهارة الكافية لكي يفصل بين ما يتعرّض له كحالة عامّة مأساويّة، وكشعور شخصيّ.
3- أن يتمكّن من السيطرة على مشاعره.
4- أن يكون مستعدّاً لتقديم الاحترام للمتضرّر، وأن يعي حقوقه الإنسانيّة.
5- أن يكون المتطوّع مستعدّاً للاستماع لمشكلات المتضرّرين وشكواهم وتحسّس آلامهم.
* أنشطة تساعد المتضرّر
يجب مساعدة النازح المتضرر، سواءٌ كان بالغاً أو مراهقاً أو طفلاً (أنثى أم ذكراً)، للتعبير عمّا في داخله من معاناة داخليّة. ويكون ذلك من خلال المقترحات التالية:
1- تنظيم حلقات للأنشطة العباديّة.
2- تفعيل المناقشة الجماعيّة الموجّهة للراشدين والمراهقين.
3- تنظيم الجلسات الثنائية للأعمار كافّة بين المساند والمتضرّر لمساعدته في التعبير عن إحساسه على انفراد كيفما كان.
4- إقامة بعض الأنشطة الرياضيّة والفنيّة بهدف التفريغ للأطفال، والناشئة، والمراهقين كالرسم والتلوين ولعب الأدوار (التمثيل).
* مهمّات لا بدّ منها
من الضروريّ أن يبادر المتطوّع في الدعم النفسيّ إلى التواصل مع الناجين الذين قَدِموا إلى مركز النزوح وأن يراقب ما يلي:
1- الكلام غير المترابط، عند بعضهم، ومَنْ لديه صعوبة التواصل الفكريّ.
2- التسمّر، عند بعض الناس، في المكان نفسه، وعدم القدرة على التحرّك.
3- هلع، وذعر، وهروب صعب التحكّم فيه، وأحياناً يكون باتجاه مصدر الخطر.
* مساندة الأهل
ويمكن مساندة الأهل لإنعاش قدرتهم على الاهتمام بأبنائهم، عبر:
1- تشجيعهم على تمالك أعصابهم، وتجنّب الصراخ والحدّة في التواصل مع أبنائهم، وفي التعبير عن مشاعرهم ومخاوفهم.
2- حثّهم ومساعدتهم على معاودة القيام بدورهم؛ فكثير من الأهل الذين يعانون من الضغوط النفسيّة في الكوارث والحروب، وينقصون تدريجيّاً من اهتمامهم بأطفالهم من الناحيتين الجسديّة والنفسيّة.
3- العمل معهم لتجنيب الأطفال مشاهدة العنف، ونشرات الأخبار على التلفاز.
4- تشجيعهم على إعادة دورهم في حياة أبنائهم من خلال أنشطة مختلفة في مكان نزوحهم وذلك لإعادة التعاضد الأسريّ.
أخيراً... ليس من السهل على الإنسان أن يكون عاملاً متطوّعاً في أوقات الحروب أو الكوارث، إلّا أنّه من خلال إحساسه بهذا الواجب ومبادرته تُجاه أخيه الإنسان الذي يحتاج إلى عونه ومساعدته، فإنّه بالتأكيد سيقدّم إلى حياته فرصة ثمينة مفعمة بكلّ معاني العطاء والتفاني، والتي قد لا يوفّق لها في مرّات أخرى.
(*) مختصّة تربويّة.