مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

قراءة في كتاب: نظرات في الإعداد الروحي‏

محمود دبوق‏

 



الكتاب: نظرات في الاعداد الروحي.
الكاتب: الشهيد الشيخ حسين معن.
الناشر: دار الهادي.
من المعلوم أنّه قلّما يتأثر القارئ بأي نوعٍ من الكتابة إذا لم تحمل ما يشدُّ انتباهه وتفكيره وخياله، لكنّ‏َ في هذا الموضوع ينعكس الاتجاه نحو الفرادة والتمايز خصوصاً عندما يكون صاحب القلم والكلمة شهيداً في قافلة العلماء الشهداء، وهكذا هو صاحب هذا الكتاب وهو من تلامذة الأستاذ الشهيد السيد محمد باقر الصدرقدس سره، وتتضمن مقدّمة الكتاب التي كتبها الشيخ محمد مهدي الآصفي التركيز على أهمية موضوع الكتاب في الحديث عن الإعداد الروحي الذي يفصله البعض عن الحركة الجهادية ويعزله البعض الآخر عن العمل السياسي والحركي ويقلل من قيمة التهذيب في الساحة الجهادية، وتتناول بعضاً من سيرة الشهيد الذي خطّ هذا الكتاب بعد معاناة ومعايشة للواقع.


* الروحية الإسلامية:
في الفصل الأول من الفصول الخمسة التي يتألّف منها الكتاب يتحدّث الشيخ الشهيد عن الصِّلة الداخلية للمؤمن باللَّه تعالى، وانشداده النفسي والعاطفي إليه سبحانه من حيث الإيمان والحب والإخلاص، وتفاعل ذلك مع العبادة تنفّلاً وصياماً وقياماً، لا من حيث كثرة الصلاة والصيام والتعبّد وحسن التعامل مع الناس والأخلاق الحسنة، فلا تقتصر عملية البناء الروحي "كما يؤكد الكاتب" على ناحية دون أخرى، ويقدّم أمثلة من عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وبعض الصحب الكرام وأحاديث لأهل بيت النبوة صلوات اللَّه عليهم أجمعين. هذا ونرى أن الكاتب الشهيد قد ركَّز على تقسيم ما تشتمل عليه الروحية الإسلامية من وجهة نظر تستحق الدراسة.

* العناصر الرئيسية للروحية الإسلامية
الإيمان: الوعي الكوني والرؤى الفكرية

يبدأ الفصل الثاني بشرح العنصر الأول من عناصر الروحية الإسلامية ويبدأ بتعريف الفكر قائلاً: "هو أحد أجهزة الشخصية الإنسانية، التي تتفاعل فيما بينها، وتتبادل التأثير وهي (الفكرة، العاطفة، الإرادة)". ويعتبر أن الوعي الإيماني هو العنصر الأول في الشخصية الإسلامية وهو غير التصديق الساذج بقضايا الإيمان وتقريرها تقريراً منطقياً، لكن الشخصية الإسلامية هي التي تنتقل إلى مرحلة الرؤية الكونية أو البصيرة، ثم يقسّم مراحل الاعتقاد إلى ثلاث مراحل، ويتحدّث عن المكانة الشعورية للحياة في نفس المؤمن ويُجري ما يشبه المقارنة بين النظرة المادية للعالم عند البعض وبين نظرة المؤمن إلى ذلك العالم، القائمة على ثلاثة إحساسات، أولها أن الحياة نعمة إلهية وثانيها أنها عابرة، وثالثها أن الحياة الدنيا دار فتنة واختبار، ويأتي على ذكر الموت والإحساس بالآخرة، ثم يعرّج على موضوع الوعي التاريخي والوعي الذاتي الذي يتَّخذّ أشكالاً وعناصر وهي الإحساس الأخلاقي والشعور بالمسؤولية ثم الاعتزاز باللَّه وأخيراً الشعور الجماعي، والشعور بالإخاء.

* الوجدان: العاطفة المبدئية والانفعال الرسالي‏
الفصل الثالث خصّصه الكاتب للعنصر الثاني من عناصر الروحية الإسلامية وهو الوجدان، فبعد مقدّمة عن دور الوجدان في الحياة الإنسانية أردف الحديث عن مبدأين إسلاميين للحياة الإسلامية، الأول: "تكوين وجدان إسلامي خاص بالمسلم" والثاني "تحكيم العقل والدين على العاطفة التي لا تعتبر الجهاز الحاكم في الشخصية"، إنما الحاكمية في الشخصية للعقل والإرادة، ويسرد من سيرة الرسول الأعظم والأئمة المطهّرين عليهم صلوات اللَّه أجمعين، صلح الحديبية وصلح الإمام الحسن عليه السلام مع معاوية حيث نرى أن مصلحة الإسلام كانت المقياس في صحّة الموقفين التاريخيين. ويدخل الشيخ الشهيد في تفصيل وشرح مجموعة من العواطف الإسلامية والانفعالات المؤمنة "كما أحبّ‏َ تسميتها" ويُوردُ فيها بعض القَصَص الصغيرة المعبّرة إضافة للعديد من العناوين الملفتة والعملية في هذا المجال تستحق المطالعة والفهم.

* العبودية: الإرادة الحازمة والعمل الخالص‏
العنصر الثالث والأخير من عناصر الروحية الإسلامية وهو العبودية، أفرد له الكاتب الفصل الرابع، وقدَّم له بشرح حول الإرادة، ومنها انطلق للحديث عن الشخصية الجاهلية والشخصية الإسلامية التي تصبح فيها الإرادة الربانية الجهاز الحاكم، لكنّ‏َ هذه الشخصية الإسلامية قد يكون فيها ازدواج وهو على قسمين واحد فكري والآخر نفسي وسلوكي، ثم قال إن الإنسان المزدوج "هو هذا الإنسان ذو العاطفة الدينية التي تستنفرُ في لحظات خاصة". وطرح الكاتب الشهيد ومن خلال تفكيك بعض العناوين التي طرحها بصورة رائعة، كيفية تحقّق الحاكمية العامة للإرادة الربانية "في الشخصية الإسلامية". بمراعاة شرطين وهما قوة الدافع الديني إضافة للوعي الذاتي، وتحت عنوان الالتزام العملي بخط الإسلام في الحياة تحدّث عن الاستقامة السلوكية والطاعة التي توسَّع في شرح أوضاعها وخلص إلى أنها لا تكفي لوحدها في تكامل الشخصية الإسلامية بل المطلوب بجانبها الفكر والأخلاق ليصبح الإنسان ضمن المشروع الرباني التغييري الذي تبنّته رسالات السماء لا على سبيل الفرض، إنما أريد له أن يتم من خلال الإنسان وفعاليته وإرادته وإن كان برعاية اللَّه. وفي لفتةٍ جميلةٍ أشار إلى موضوع تحول الولاء لأهل بيت النبوة إلى أداة تبرير للانحرافات عند بعض التيارات المغالية في الصف الشيعي، ويذكر حديثاً للإمام أبي جعفر عليه السلام لمحمد بن مسلم حيث يقول عليه السلام: "لا تذهب بكم المذاهب فواللَّه ما شيعتنا إلا من أطاع اللَّه عزَّ وجلّ‏َ". ثم يتابع الشيخ الشهيد ويتناول عناوين مختلفة تصبّ جميعها في خدمة العنوان الرئيسي لهذا الفصل فيحكي عن الفهم الاجتماعي والسياسي للدين، والجبر والإرجاء، وأنواع الصبر وفيه تفصيلات هامّة تشدُّ أليها القارئ الكريم ويختم بالحديث عن الإخلاص والتعقل.

* وسائل التربية الروحية
يفرّق الكاتب في بداية الفصل الخامس والأخير بين ما يتشكّل منه الجانب الروحي كعناصر، وبين وسائل التربية، مثيل الصلاة وتلاوة القران وذكر اللَّه تعالى. ثم ذكر ثلاثة شروط للتربية الروحية وهي الشرط التكويني الذي يتمثّل بالقوانين النفسية والترابطات الموجودة بين أجهزة الشخصية الإنسانية التي يقيم على أساسها القران الكريم نظامه التربوي، أما الثاني فهو الشرط التشريعي وهو مجموع الوسائل التي تكوِّنُ لدى الشخصية الإسلامية الإنشاد الداخلي إلى اللَّه عزَّ وجلّ‏َ. والشرط الثالث هو المبادرة الفردية التي تحافظ على أداء الشرطين الأولين، وطالما أنّ الإسلام أمنّ‏َ الوسائل الصحيحة للعبادة، فليس المطلوب من الفرد استحداث ما قد يعدُّ بِدعة وابتداعاً في الدين كما وقعت في ذلك اتجاهات التصوّف، ثم فرغ للحديث عن ضرورة تحمّل الإنسان المسلم للضغوطات والحواجز الطبيعية والاجتماعية والنفسية في سبيل التربية الروحية بالكدح والمعاناة ويقتصر في ذكر وسائل التربية وتعدادها على ما مجموعه ثماني وسائل وهي:

1- قيام الليل، 2- ذكر اللَّه كثيراً، 3- تلاوة القران الكريم، 4- الأجواء الإيمانية، 5- الثقافة الإيمانية، 6 - مخالفة الأهواء الصوم، 7- المحاسبة، والنقد الذاتي، 8- الاعتكاف. ويفصّل في كل واحدةٍ منها تفصيلاً هاماً. الكتاب يقع بما يقرب المئتين وخمسين صفحة ومن الواضح أنه قد كُتبَ عن سابق تجربة ومعايشة ومعاناة، ونتائج قراءته عملية لمن أراد أن يصلح ذاته، والعبرةُ بعد مطالعته.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع