مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

زوال إسرائيل حقيقة حتمية

الشيخ حاتم إسماعيل‏

 



قد يظن بعض الناس أن مسألة زوال "إسرائيل" من الوجود، مجرد وهم يتغنى به المتخيلون، أو شعار تعبوي، يراد من خلاله تهييج عواطف الناس، وخداع السذّج منهم، ليس له من الحقيقة والواقع نصيب. وقد يستند هؤلاء المهزومون إلى منطق القوة والبطش، الذي يمتلكه هذا الكيان، الأمر الذي أدخل الرعب في قلوب الكثيرين، ودفعهم إلى التسليم بالأمر الواقع، والدعوة إلى التعايش معه، حتى أخذوا يسفهون من يدعو إلى إزالتها والقضاء عليها.

*بين الوهم والحقيقة:
إلا أن حقائق التاريخ، وسنن التكوين، وكذلك الوعد الإلهي، كلها قاضية بأن زوال هذا الكيان المصطنع هو الحقيقة الثابتة، وأنه غير قابل للبقاء والاستمرار، لأسباب داخلية وخارجية، وأن المفرطين في التشاؤم من زوالها هم الواهمون حقاً، لأنهم لم ينظروا إلى الأحداث إلا من خلال الميدان، دون أن يتفحصوا تاريخ الأمم، ولم يأخذوا بعين الاعتبار طريقة السيطرة على أرض فلسطين، ولا الطبيعة المهزومة التي يتمتع بها اليهود عموماً، والصهاينة منهم على وجه الخصوص، من الذل والهوان، كما قال تعالى: ﴿َإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ (الأعراف: 167).

 ولا يخفى أن مثل هذه النظرة السطحية، المقتصرة على قراءة الميدان، على قدر كبير من السذاجة والسطحية، لا تثبت حقيقة، ولا تكشف إلا عن ضيق أفق أصحابها، لأنه، وبغض النظر عن الاستدلالات العقلية، ودون الرجوع إلى الحقائق الدينية، فإن من الواضح أن الممالك الحقيقية التي استندت إلى بطشها وقوتها، قد انهارت بنفس هذه القوة والبطش. فإذا كانت المملكة مركبة تركيباً غير متناسق ولا متناسب، فهي أدعى إلى الانهيار والزوال، وتزداد هذه الحقيقة سطوعاً إذا كان موقع الكيان قائماً على اغتصاب الأرض وطرد أهلها من جهة، وتعيش ضمن مجتمع واحد يحيط بها من جميع الجهات، من يمتلك في أرضها كل مقومات دفعها والقضاء عليها.

*العوامل الداخلية للزوال:
إن من الأمور الظاهرة لكل أحد أن ما يسمى "المجتمع الإسرائيلي" عبارة عن خليط من الثقافات، والأعراق، والاتجاهات، التي وفدت إلى أرض فلسطين، بتأثير مختلف وسائل الترغيب والترهيب، والتي لم تستطع أن تصقل نفوسهم، وتجمعهم على رؤية واحدة، أو رؤى متحدة، بحيث تجعلهم مجتمعاً واحداً بالفعل. وحتى الديانة اليهودية ظلت عاجزة عن تأمين هذه الوحدة بينهم، فكانوا مصداقاً لقوله تعالى: ﴿َأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْقِلُونَ (الحشر: 14).

ومما يؤكد هذه الحقيقة القرآنية والخارجية، أنه ليس لدى اليهود مصدر ديني واحد يتصف بالأصالة، يمكن أن يلجأوا إليه في إثبات الرؤية الدينية لديهم، لأن التوراة، والعهد القديم على العموم، مترجم عن اللغة اليونانية، والنسخة العبرية القديمة مفقودة تماماً، وما هو موجود منها فعلاً لا يرقى إلى ما قبل القرن العاشر الميلادي. يضاف إلى ذلك، اشتمالها على الأساطير، والمزخرفات، ومسروقات ثقافات الأمم الأخرى، كما أثبته علماء الآثار، ومنهم علماء يهود. كل ذلك أفقدهم الجامع المشترك، الذي يمكن أن يجمع شتاتهم، ويجعل منهم أمة ذات تاريخ وحضارة. بل هم محكومون بالتشرد والتشتت في أصقاع الأرض، بحكم هذه التوراة نفسها. ويعتبر اجتماعهم في أرض فلسطين مخالفة لهذه التوراة نفسها، وقد أثبتنا ذلك في كتاب "وعد التوراة لمن".

*عوامل الزوال الخارجية:
إن العوامل الخارجية المؤدية إلى زوال هذا الكيان كثيرة جداً، إلا أنه يمكن الإشارة إلى أهمها في هذا المجال، وهي كما يلي:

1- إن قيام هذا الكيان لم يكن نتيجة قوة الصهيونية، وثباتها في المواجهة، بل كان نتيجة قوة سلطات الاستعمار ومساعدتهم، سواء على المستوى المالي، أو السياسي، أو الاجتماعي، حيث إن الدول الأوروبية قد ضاقت ذرعاً بتجاوزات اليهود في بلدانهم فأرادوا التخلص منهم، وإبعادهم عن مجتمعاتهم، وهذا ما دفع الدول الغربية إلى أخذ الضرائب الباهظة من شعوبهم، وإعطائها إلى هذه الدولة، بغية محاولة إبقائها، بعيداً عن إفساد اليهود في بلادهم. ومن الظاهر أن المجتمعات الغربية لا يمكنها دفع هذه الغرامات إلى ما لا نهاية، فإذا توقفت هذه المعونات التي يعيش عليها هذا الكيان، فإنه سينهار حكماً. من ناحية أخرى، أدرك المستعمرون أن وحدة المسلمين تشكل أكبر الخطر على مصالحهم ومطامعهم في بلاد المسلمين، ولذلك عملوا على تقسيم الدولة الإسلامية إلى دويلات متناحرة. وجاء ضعف المسلمين وإلقاء بأسهم بينهم، ليساعد المستعمرين على السيطرة على كل مقدراتهم، وهو يقتضي إيجاد جسم غريب بينهم، يعمل على إبقاء الفرقة والانقسام فيهم، وهنا تلاقت آمال اليهود مع مصالح المستعمرين.

2- إن وجود هذا الكيان الغريب في قلب الأمة الإسلامية، بمثابة الجرثومة التي تحل في الجسم، لتعمل على إفساده لبقائها، ويعمل الجسم على قتلها والتخلص منها حفاظاً على نفسه وحياته، وهذا قانون ثابت في عالم التكوين. وما دام المسلمون ينهلون من معين واحد هو الإسلام، فلا بد أن ينفضوا عن أنفسهم غبار التشرذم والضعف، وينهضوا لمحاربة هذه الجرثومة، لإخراجها من جسمهم الواحد، وإعادته إلى التماسك من جديد، خصوصاً وأن الأرض تشتمل على بعض مقدساتهم الدينية. وفي هذه الحال، سوف نرى أن قضية فلسطين ليست قضية الفلسطينيين وحدهم، ولا قضية العرب مجتمعين، بل هي قضية الأمة الإسلامية كلها.

3- إن الكثير من اليهود قد جاؤوا إلى فلسطين، نتيجة إيقاظ العامل الديني فيهم، ووعدهم بأنهم سيعودون إلى جنة، طالما حلموا أن يعيشوا بها، بعيداً عن تأثيرات الآخرين فيهم. ولكنهم حين يدركون أن الأرض التي طالما حلموا بها ليست سوى كابوس، يلاحقهم ويقضي على أحلامهم وسعادتهم أينما حلوا، فإن النتيجة الحتمية هي فرارهم منها، وبحثهم عن الأمان والاستقرار بعيداً عنها. ولا بد هنا من الأخذ بعين الاعتبار أنهم لن يفدوا إلى أرض خالية من السكان، بل إن سكان الأرض لا يزالون يعملون على إرجاعها، سواء منهم من خرج مضطراً منها ومن بقي فيها. ومع قلة عدد اليهود وخوفهم، وإصرار أهل الأرض وتزايد عددهم، فإن النتيجة الحتمية غلبة أهل الأرض وأهل الحق عليهم ولو بعد حين. كما لا بد من ملاحظة أن سيطرة الصهاينة على فلسطين، لم تكن بفعل قوتهم في المواجهة، بل عملوا على إرهاب الناس منذ نشأة الكيان، وحتى يوم الناس هذا، كما تشهد به مختلف الوثائق التي أرخت لمرحلة الاحتلال، ولم يدخلوا في حرب فعلية مع العرب أو المسلمين. وحين واجههم المسلمون في لبنان من خلال المقاومة الإسلامية وسواها، تبين مدى ضعفهم، وهشاشة كيانهم عند المواجهة.

*العامل الديني للزوال:
إن العامل الديني أساسي في تثبيت الحقائق الواقعية في عالم الوجود، من هنا يكتسب الوعد الإلهي صفة الموضوعية والحتمية عند المؤمنين، ويستوي في ذلك المسلمون والمسيحيون واليهود على السواء. إن التوراة حاكمة بعدم حق اليهود في الوجود في المنطقة، استناداً إلى الوعد الإلهي لإبراهيم عليه السلام في سكنى المنطقة، كما تقدمت الإشارة إليه، فيكون احتلالهم لأرض فلسطين تمرداً على الإرادة الإلهية. وبالتالي، فإن مصيرهم الزوال منها لا محالة. كما أن الانجيل حاكم بأن السيد المسيح عليه السلام سيعود إلى الأرض ويقيم العدل، ويقضي على كيان اليهود ويزيل قوتهم وجبروتهم. ونتيجة لذلك فقد تطورت رؤية المعسكر الغربي، بعد انتشار المذاهب البروتستانتية فيه، والتي تدعو إلى تطبيق تعاليم العهد القديم والجديد معاً، فأخذت بعداً دينياً، يقضي بدعم هذه الجرثومة، زعماً منهم أن ذلك يعجل في عودة السيد المسيح عليه السلام إلى الأرض. وبغض النظر عن مناقشة هذه الرؤية على المستوى العقائدي، ودون الدخول في مناقشة دلالات الكتاب المقدس بعهديه، فإن النتيجة الحتمية، التي يلتقيان بها في الجملة مع الحقيقة القرآنية الثابتة، أن دولتهم إلى زوال، وأن كيدهم سيرد إلى نحورهم، وأن هزيمتهم ستكون على أيدي المؤمنين، كما بشر به الإمام الصادق عليه السلام، في ما ورد عنه في ذيل قوله تعالى: ﴿فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولَاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلَالَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْدًا مَفْعُولًا (الإسراء: 5)، قيل له عليه السلام: من هم هؤلاء يا ابن رسول الله؟ فقال: هم والله أهل قم، ثلاث مرات(1). ولا يعني هذا الحديث أن أهل قم هم الذين سيباشرون ذلك بأنفسهم، بل يحتمل أن يكون التوجيه والقيادة لأهل قم من خلال المرجعية الدينية، ونشر العلم والإيمان، فيلقون بذلك الحجة على المسلمين، كما دلت عليه الكثير من الروايات الأخرى، فيكون من قبيل قولهم "بنى الأمير المدينة".


(1) بحار الأنوار، ج‏60، ص‏216.
 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع