نور روح الله | يوم القدس: يوم الإسلام* إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين

تحقيق‏ الأسرى المحررون: الانتصار من وراء القضبان‏

إعداد: فاطمة خشاب‏


كثيرة هي التجارب التي يعيشها الإنسان في حياته، منها ما يختارها بمل‏ء الإرادة، وأخرى تُفرض فرضاً بدون سابق إنذار. ولعل من أصعب الظروف التي يوضع فيها المرء تلك التي تحاول سلبه الحرية وتضعه بين أربعة جدران، في محاولة لتجريده من أغلى ما يملك من معتقدات ومبادئ وقيم إنسانية تربى عليها وعاش من أجلها. هذه المحاولات لم يَكِفَّ عن ممارستها العدو الصهيوني طوال فترة الأسر التي عاشها العديد من اللبنانيين في السجون الإسرائيلية، سواء في معتقل الخيام أم في داخل فلسطين المحتلة. ومن أروع مفارقات تلك الفترة أن يتغلب الأسرى بصمودهم وإيمانهم على السجّان وعلى مختلف أساليب التعذيب والترهيب، لتنتصر المقاومة بأشكالها كافة على عدو كان لا يقهر. تتعدد الروايات وتتنوع التجارب التي عاشها الأسرى اللبنانيون في سجون العدو. ولكل أسير قصته التي اختلفت في ظروفها ومراحلها وخلاصتها، وتبقى جميعها، برغم عذاباتها، عنوان مقاومة وصمود وتحدٍّ...

* الشيخ عبد الكريم عبيد: التبليغ رغم أنف السجان‏
"إنها أخت الشهادة وتجربة لا يمكن الاستعاضة عنها". بهذه العبارة لخّص شيخ الأسرى والمحررين سماحة الشيخ عبد الكريم عبيد تجربة الأسر التي عاشها على مدى خمسة عشر عاماً في سجون العدو الصهيوني. فهي بالنسبة لسماحته تجربة فريدة وغنية وواقعية، تتيح فرصةً لحساب النفس بدقة وتعلم الصبر الحقيقي. ربما كان العدو يرغب في ترك بصماته السلبية على حياة مجاهد لطالما كان محورها العمل المقاوم، وفي مقدمه العمل التبليغي والتوجيهي للناس، فكانت النتيجة بعد فترة الأسر الطويلة أن سماحته لا يذكر هذه الفترة سوى من حيث المعلومات، بعد أربع سنوات من عودته إلى أرض الوطن. وهو يشدد بلغة الواثق والجازم على ضرورة عدم استرجاع هذه التجربة، سوى من ناحية الحديث عن المكاسب والاستفادة التي تحققت على الصعيد النفسي والعبادي.
-الإخلاص لله عزَّ وجلَ‏
بقي الهم الأساس للشيخ عبيد طوال فترة الأسر تعزيز العلاقة بالباري عزَّ وجلَّ. فهو تفرغ للعبادة وعمل على ختم القرآن الكريم حوالي 800 مرة. وقام على مقارنته بالتوراة والإنجيل مرات عديدة. كما نظم أكثر من 25 ألف بيت من الشعر في مختلف الميادين.
-متابعة الدور التبليغي وبالمراسلة أيضاً
لم تقيد القضبان ولا السجان الحركة التبليغية لسماحته سوى من الناحية الشكلية فقط. فهو تابع دوره في التعليم والتوجيه ولكن بأشكال وأساليب مختلفة. فقد سعى شيخ الأسرى والمحررين إلى تعليم الأسرى من خلف الباب تلاوة القرآن والأحكام الشرعية والأدعية. فيما تولى من تعلم من الأسرى مهمة تعليم الآخرين، وذلك من خلال وضع أفواههم على فتحة الباب، فيما يضع الأسير الآخر أذنه عليها. وفي هذا المجال، يذكر سماحته أن أحد الأسرى رغب في تعلم اللغة العربية، فكتب بواسطة ريشة ووضع الورقة في الباحة، قام بعدها الشيخ بالرد عليها، وتحققت الدراسة بالمراسلة من داخل الزنزانة.
-حتى مع العدو
لأن مسيرة التبليغ لا تُحدّ، فقد حاول الشيخ عبيد أن يوسع رقعة التواصل، فحاول أن يفتح الحديث شيئاً فشيئاً مع سجانيه، حتى وصل الأمر بأحدهم إلى أن يبدي تقديره وتأييده للخط المقاوم والدفاع عن الأرض، فيما كان البعض يظهر تعاطفه مع سماحته، إلى حد أصبح العدو يعتبره الملجأ له ولمشاكله. بل أكثر من هذا، فقد وصل الأمر بأحد السجناء ونتيجة للحوار إلى حدّ أنه أسلم. وهذا أكبر دليل على أن العدو فشل في منعه من تأدية دوره، على الرغم من وجوده داخل الزنزانة. مسؤول الوحدة الاجتماعية في حزب الله يعتبر أن تاريخ أسره في 28 7 1989 هو يوم شهادة. وهو اليوم يعيش عامه الثامن عشر بعد هذا التاريخ الذي دفعه للعيش بإصرار كبير وقناعة أكبر على مواصلة النهج المقاوم.

* الحاج مصطفى الديراني: الخيار مقاومة
"ما دام هناك احتلال وظلم، يجب أن تكون هناك مقاومة وثورة، لأن هذه الوسيلة أثبتت جدواها وأعطت ثمارها. وها هو لبنان يبدو وكأنه دولة عظمى في العالم بفضل عطاءات المجاهدين وتضحياتهم. فلولا المقاومة ما كان هذا الاهتمام الدولي البالغ والمتزايد".

إنطلاقاً من خبرته وتجربته الواسعة في النضال ومقاومة العدو، يرى الحاج أبو علي الديراني أن الالتفاف حول خيار المقاومة، هو الذي سيوصل لبنان والمنطقة بأكملها إلى الحرية الحقيقية والاستقلال والسيادة الفعليين، لأن لا استقرار ما دام العدو يحتل حبة تراب من أرضنا. وعندما يتحدث عن تجربته في سجون العدو التي بدأها عام 1994 بعد اختطافه من بلدته قصرنبا البقاعية، يتكلم بلغة هادئة وصارمة، غير آبه بكل ما تعرض له من تعذيب، ليقول إن الأسرى وبفعل انتصار أيار عام 2000 استطاعوا من داخل الزنزانة أن يكتبوا التاريخ في مواجهة هذا الكيان الذي يجب أن يتحطم، لأنه غير شرعي ومخالف لأبسط القوانين والشرائع. ويضيف: "إن تجربة تبادل الأسرى الكبرى عام 2003 دليل على أن العدو لا يرضخ إلا بالقوة". متمنياً اللقاء القريب بباقي الأسرى، وفي مقدمهم عميدهم الأسير سمير القنطار.

وعن تجربة آلام الأسر وعذاباته، يصف الحاج الديراني هذه الفترة بالمرحلة الانتقامية والمجزرة على الصعيد الإنساني والأخلاقي، ويشدد في المقابل على أن أي خسارة يتعرض لها الإنسان خلال مسيره في المقاومة هي قليلة، ويتابع القول: "أنا أستحي أن أقول إنني تعذبت بعد الدماء التي سقطت في قانا وغيرها من المجازر"، فالإنسان يصبح أكثر عزيمة وتحدياً باعتبار أن الأسر جزء لا يتجزأ من المعركة ضد العدو. كما يطل الحاج أبو علي على التغطية التي تمارسها الولايات المتحدة الأميريكية للمجازر الإسرائيلية، والتي تسمح للعدو بالتهرب من المحاكمة ومن تخطي ما يقارب 40 قراراً دولياً صادراً عن الأمم المتحدة، بفضل الضعف والتخاذل العربي. كما يلفت إلى أن الأسر هو سياسة قائمة عند العدو، يعمد من خلالها إلى الانتقام والثأر من المقاومين.

ويرى الحاج الديراني أن مرحلة الأسر تساهم في البناء الذاتي للأسير، وهي تمثل مرحلة تجديد فكري وعقائدي وتدفع الإنسان إلى مواجهة العدو بإرادة أكبر وصبر وتحدٍّ، خاصة وأن موضوع المقاومة هو فعل إيماني، وليس طارئاً. فلا شي‏ء يؤثر فيه ولا يضيع بوصلته وبندقيته المتوجهة دوماً نحو عدو يعتبر وصمة عار القرن العشرين وما بعده، لأنه باختصار كيان غير طبيعي ومأساة العصر.

* الأسير علي حيدر: إرادة الحياة داخل الزنزانة

الأسير المحرر علي حيدر يرى، وفقاً لتجربته التي أمضاها في معتقل الخيام على مدى إحدى عشرة سنة، أن هناك قواسم مشتركة ما بين المعتقل والمحطات الأساسية في الحياة. فبإمكان المرء إذا أراد أن يمر عليها مرور الكرام، أو أن يعتبرها محطة أساسية ونوعية ومصيرية يخرج منها بالكثير من العبر مستفيداً من العذابات التي عاشها كقربان وتكفير لذنوبه. بهذه الفلسفة يتحدث الحاج علي عن سنوات الأسر التي عاشها في الخيام بعقيدة ثابتة، لم تهزها أساليب التعذيب المختلفة ولم تبدلها الأيام، لأنها راسخة وثابتة.

وقد حاول أيضاً تنمية قدراته الفكرية بما يتناسب مع ظروفه الجسدية في المعتقل. وقد عمل على توسيع المعرفة بين الأسرى، على الرغم من انعدام الوسائل كالقلم والورقة، وحتى الكتب التي لم يُسمح بها إلا بعد دخول الصليب الأحمر إلى المعتقل عام 1995، وهي كانت بمجملها أدبية. ووسط هذا الواقع، استُخدمت الوسائل الشفوية لتبادل المعلومات. وبما أن الحاجة أم الاختراع، عمل الأسرى على جمع رماد السجائر واستخدموا أعواد الخشب من أجل الكتابة. وقد اكتشفوا أن غلاف الجبنة (ورق الألمنيوم) في حال تم حفه بشكل جيد يتحول إلى حبر. وكانوا يستخدمون أسلوب (الكوماندوس) للحصول على علب الدخان الفارغة وعلب الصابون. وتنوعت المواضيع التي كان يكتبها ما بين مواضيع سياسية وعقائدية وفكرية وصولاً إلى التحليل.

-مناورة من أجل الجريدة
ويستفيض الحاج علي في الحديث عن المحاولات التي كانوا يقومون بها من أجل التواصل مع الخارج ومعرفة ما يجري حولهم. وفيما كان يتلقى العلاج في مستشفى مرجعيون، نتيجة وعكة صحية، راودته فكرة الحصول على جريدة. وبينما كان يحرسه عميل، قام بالحديث معه وقال إنه يفضل الجريدة على الطعام في حال خُيّر بينهما، وحاول في سياق الحديث أن يكرر رغبته في ذلك، فما كان من الحارس إلا أن جاء في اليوم التالي ومعه جريدة، فقام الحاج علي بقراءتها حتى حفظ معظمها. وعندما عاد إلى المعتقل، قام بكتابتها مجدداً وتوزيعها على الأسرى.
أما فيما يتعلق بالمواضيع العبادية، فقد حرص على المواظبة على الأدعية، وفي مقدمها دعاء كميل.
وعلى الرغم من كل هذه الأنشطة داخل المعتقل، لم يستطع العدو أن يثبت عليه شيئاً. وهو غالباً ما كان يعاقَب دون دليل. وهو، وبعد خروجه من الأسر، مستمر في نهج المقاومة. وقد بات نتيجة للتجربة متخصصاً بالشؤون الإسرائيلية.

* الأسير ديغول أبو طاس: يداً بيد في مشروع المقاومة
أما ديغول أبو طاس ابن بلدة رميش الجنوبية، فقد عاش تجربتي أسر مع العدو الصهيوني، وهما زادتاه قناعة بمقاومة الطغيان والشر التي لا يمكن له التراجع عنها حتى آخر نفس في حياته، نتيجة الممارسة التي يقوم بها هذا العدو ضد شعبنا وأرضنا. ويعتبر ديغول، الذي تحرر في أيار عام 2000، أن التجربة في غمار مقاومة الاحتلال والاعتقال أثبتت أحقية المقاومة التي تزداد إصراراً على المواجهة وعلى تقديم التضحيات كلما ازداد العدو الإسرائيلي ظلماً وعدواناً. وعن التجربة الشخصية داخل الزنزانة، يعتبر ديغول أن جزءاً كبيراً من قناعته مورست على أرض الواقع، فهو استطاع تكوين علاقات متميزة مع أسرى من مختلف الطوائف والمذاهب، وبهذا تعززت قناعته بأن الوطن بحاجة لكل أبنائه، بعيداً عن الشرنقة الطائفية والمذهبية التي تحاول تكبيلنا. وفي هذا المجال، يؤكد على ضرورة تكاتف الجميع يداً بيد في مقاومة ومواجهة المشروع الأميركي الصهيوني الذي يتلقى الضربات على أيدي المقاومين الشرفاء. أما فيما يتعلق بالوضع داخل معتقل الخيام، فهو يرى أن ما عاشه هو أشبه بما عُرف بواقع سجن أبو غريب في العراق، حيث يتعرض الأسير لأبشع أنواع التعذيب والعزل عن العالم الخارجي، ليصل الحد بالعدو إلى حرمانه من أبسط الأشياء. وأمام هذه الوقائع، يؤكد أبو طاس أن حرية الإنسان ليست مشروطة بالوجود خارج الزنزانة، بل هي شي‏ء مكنون لا يمكن للجلاد أو للعدو أن ينزعه ويتابع القول "نحن كنا نعلم أن الدخول إلى السجن هو ثمن يُدفع في مسيرة المقاومة، والأهم أننا كنا على صواب ولا نزال".
وفيما يؤكد ديغول على أنه لا يتمنى هذه التجربة لأحد لما يعتريها من قساوة، إلا أنه يبدي استعداده الكامل للخوض فيها من جديد في اللحظة التي يكون فيها الوطن بحاجة للدفاع عنه ولحمايته، لأن العدو الإسرائيلي هو عدو الجميع دون استثناء.

* الأسير حسيب عبد الحميد: الأسر مدرسة الصمود والتحدي‏
أما الأسير المحرر حسيب عبد الحميد ابن بلدة شبعا الجنوبية، الذي أمضى ثلاث سنوات وثلاثة أشهر في معتقل الخيام نتيجة تعاونه مع جبهة المقاومة الوطنية، فهو يرى أن الإنسان المؤمن بعقيدة ما، لا بد أن تكون لديه حصانة ومناعة داخلية تجعله قوياً يتحمل الضغوطات والتعذيب، كتلك التي عاشها في فترة الاعتقال، لأن هدفه الأساس هو الشهادة، والأسر لا يمثل شيئاً أمامها. ويركز عبد الحميد على محاولات العدو المتكررة لبث الفتنة بين الأسرى من خلال السعي إلى إثارة النعرات الطائفية والحزبية، إلا أن هذا الأمر كان يواجَه بوعي الأسرى وإدراكهم لأغراض العدو. وهم جسدوا بفعل إيمانهم بالمقاومة واقعاً رائعاً للوحدة الوطنية داخل الزنزانة، على عكس ما كان يعيشه البعض في الخارج. ويضيف في هذا المجال قائلاً "أهم شي‏ء حققناه خلال فترة الاعتقال، أننا ومن خلال تجربة صعبة جداً، كان هدفها أن نقف في وجه المقاومة عززنا إيماننا وإصرارنا على مقاومة الاحتلال، على الرغم من كل أساليب الترغيب والترهيب، وفتحنا مدرسة في الصمود والتحدي". مؤكداً على أن لا أحد يزحزح الإنسان المقاوم عن هذا الخط في الصراع مع العدو الصهيوني. ويروي عبد الحميد قصته في المعتقل بثقة ويقول "انتصرنا في الزنزانة على العدو وعملائه، لأن هدفهم في تحطيم البنية النفسية للمقاومين فشل بكل أشكاله، فكانت ضربة قاسية لا تُنسى". ويعتبر من خلاصة تجربته، أنه طالما الإرادة موجودة، يستطيع الإنسان أن ينجح وأن يصل بصلابة إلى ما يصبو إليه، خاصة مع هذا العدو المستمر في مخططاته العدوانية. ويختم بالقول "علينا أن نتحصّن بالثقافة الوطنية والوعي الوطني والوقوف والاستمرار مع المقاومة، من أجل أن نكون دائماً منتصرين على ذاتنا وواقعنا الداخلي والخارجي". وها هو يكمل مسيرته، وهو اليوم يتابع قضية الأسرى في لجنة المتابعة للمعتقلين في السجون الإسرائيلية، مركز الخيام.

* الأسيرة المحررة رسمية جابر: الخجل أمام تضحيات المجاهدين‏
الأسيرة المحررة رسمية جابر التي أمضت سنة ونصفاً في معتقل الخيام، تؤكد من خلال تجربتها على أن العدو لا يفرق بين امرأة ورجل، ولا مسلم ومسيحي، ولا شاب وشيخ. هو يسخّر كل الوسائل والأساليب مهما كانت همجية وعدوانية لتحقيق أهدافه وغاياته. وتؤكد رسمية أن معتقل الخيام لم تكن فيه قوانين تصون حق المعتقل بشكل عام، ولا خصوصية حتى في التعذيب للمرأة، بل كانت هناك محاولات لاستغلالها، كونها لا تتحمل العذاب، وكانوا يهددونها بالاغتصاب والجلد وغيرهما من الوسائل، من أجل دفعها للاعتراف بأعمال معينة. وترى أن من أصعب اللحظات التي مرت بها، هي تلك التي اضطرت فيها إلى خلع الحجاب خلال فترة التحقيق، وتقول "رغم مرارة التجربة، ظل العنفوان حاضراً، لأنهم أغبياء لا يعرفون أن الله سبحانه وتعالى معنا، وأن الإيمان والالتزام لم يفارقاني لحظة واحدة". وعن هذه التجربة، تؤكد أن الهدف كان عند العدو أن يجردها من التزامها ودينها ومبادئها، إلا أن نتيجة التعذيب كانت تُظهر مزيداً من الارادة والصمود اللذين تجليا بابتكار أساليب جديدة للمقاومة، من خلال رفض القرارات وخرق الأنظمة والتضامن فيما بين الأسرى. كما تشير رسمية إلى أن العدو كان يهدف إلى تخريج الأسرى كأناس معوقين اجتماعياً، "في الوقت الذي كنا فيه نتعلم القراءة والكتابة داخل الزنزانة".
وعن خلاصة تجربتها تقول "إن ما قدمناه في الأسر، هو شي‏ء قليل لا يقاس أمام تضحيات المجاهدين وعطاءاتهم المعمدة بالدم. ونحن مستمرون في مواجهة هذا العدو طالما أن الصراع لم ينته" وتختم بالقول: "الأسر مدرسة تعلمت منها كيف أقاوم وأصبر، وكيف استمر بالرغم من كل الصعوبات".

* الأسيرة المحررة أحلام عواضة: المقاومة تجمع ولا تُفرِّق‏
الأسيرة المحررة أحلام عواضة تعتبر بدورها أن مقاومة العدو هي قضية وطنية شاملة يتبناها كل إنسان بمعزل عن انتمائه الحزبي أو المذهبي أو الطائفي. فهي لا تستطيع أن تكون مع أحد ضد المقاومة. وعندما تستذكر تجربتها في الأسر، تستحضر كامل التجربة مع العدو الصهيوني الذي هجّرها من بلدتها الخيام عام 1978 ودمر منزلها مرتين في العام 1979 و1985، لتكتمل التجربة باعتقالها عام 1989 لمدة ثلاث سنوات وثمانية أشهر في معتقل الخيام. أحلام التي دخلت المعتقل مع شقيقتها رباب، تربت على خيار المقاومة، فكانت شقيقتها ليلى أول أسيرة تدخل معتقل الخيام. وعندما تتحدث عن فترة الاعتقال تعتبر أحلام أنها أكسبتها فرصة التعرف عن قرب على عدو لطالما تلمست همجيته وشاهدتها بأم العين. كما تؤكد أن مقاومة الاحتلال كانت تُترجم من خلال الموقف والكلمة والمواجهة. وعن تأثيرات هذه الفترة على إيمانها الكبير بالمقاومة، تؤكد أن العدو الإسرائيلي استطاع أن يحتجز جسدها فقط، لأن فكرها ظل حراً ولم يقيَّد. وفيما يتعلق بالأجواء التي رافقت الاعتقال، تشير إلى أنها تعلمت الصبر واستطاعت أن تقوي شخصيتها أكثر. وهي تعرفت على عدد من الأسيرات اللواتي شاركنها في القضية، وكنّ جميعاً يداً واحدة على الرغم من المحاولات المتكررة للعدو للتفريق بينهن. وعلى الرغم من أن أحلام غير ملتزمة دينياً من حيث الشكل، إلا أنها تؤكد أن إيمانها بالله عزَّ وجلَّ أعطاها القوة من أجل الاستمرار بعزيمة كبيرة خلال المعتقل، وهي تقول "عندما كنا نفكر بالمقاومين وتضحياتهم وعطاءاتهم، كنا نشعر بالخجل الشديد ونستمد منهم القوة لمواجهة هذا العدو" وصولاً إلى التحرر والخروج من جديد إلى المجتمع.
وعن فترة ما بعد المعتقل تقول أحلام إنها ضاعفت جهودها لتعويض ما فاتها، وهي مستمرة على طريقتها في مقاومة العدو الصهيوني، لأنها القضية الأسمى التي تجمع ولا تفرق.

خلاصة
تجارب مشرّفة خاضها الأسرى اللبنانيون في سجون العدو الصهيوني تنوعت واختلفت في تفاصيلها، إلا أن العنوان الأساس ظل رغم الجلاّد والقضبان هو عنوان المقاومة التي كسرت القيود وحررت الأرض والبشر، وستظل الحاضن الأكبر لأبناء البلد الواحد، والأمل في تحرير من بقي في السجون الإسرائيلية.
 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع