تحقيق: نانسي عمر
"شبابٌ في عمر الورود". لا أدري كم توافق أيّها القارئ الكريم على هذه المقولة. فالورد قصير العمر، طريّ العود، لكنّ شباباً في بلادنا أثبتوا بإنجازاتهم أنّهم أطول أعماراً من السنين نفسها، أكبر همّة، وهم قوّة التغيير والثورات التي تتّكل عليها المجتمعات، ويخافهم المستكبرون. عن هؤلاء الشباب، نسأل: كيف يُنبتهم الله نباتاً حسناً؟ وفي واقعنا، ما هي أكثر الأمور المؤثّرة بهم ليسيروا في طريق الصلاح، فضلاً عن مهمّة قيادته يوماً ما في مجتمع ما؟ سؤال جُلنا به على مجموعةٍ من الشباب، فاقرأ معنا.
•مكان الأُنس والروحانيّة
بالنسبة إلى "يوسف- 23 عاماً"، فإنّ ارتياد المساجد بشكلٍ متكرّر، خاصّةً في ليالي الجمعات وأيّامها، هو الأكثر تأثيراً في سلوك الشباب وقيمهم، فالإنسان يأنس بالمسجد، ويشعر بروحانيّة وخشوع عندما يصلّي، أو يتلو القرآن، أو يتضرّع لله تعالى في بيت الله أكثر منه في المنزل أو أيّ مكانٍ آخر. كما يعتبر أنّ خطابات أئمّة المساجد تترك أثراً كبيراً في نفوس الشباب، وتحثّهم على الحضور إلى المسجد دائماً وإقامة الواجبات والمستحبّات فيه. ويقول "يوسف": "لإمام المسجد في بلدتي فضل كبير في تشجيعي على الحضور الى المسجد، فهو يقدّم لنا المعلومة بأسلوب سلس ومحبّب، يعرّفنا تعاليم الدين، ويشرح لنا آيات القرآن بشكل مبسّط فيُدخله إلى قلوبنا قبل عقولنا.
مضافاً إلى ذلك، يقول "حمزة- 22 عاماً": "إنّ للمساجد دوراً أساسيّاً؛ أولاً في جذب الشباب، وثانياً في توجيههم إلى الطريق الصحيح، وبالتالي يجب العمل على كيفيّة خلق الجوّ المناسب وأسلوب الخطابات التي تجذب الشباب وتشجّعهم على الحضور المستمرّ في المساجد والمشاركة في مختلف الأنشطة الدينيّة والثقافيّة".
•الإمام الحسين عليه السلام.. رائد الثورة
"باتت مجالس العزاء الأكثر تأثيراً في الشباب اليوم"، يقول "عبّاس- 25 عاماً"، "فقد صرنا نبحث عن مجالس العزاء الحسينيّة لنحضرها أينما وجدت فنتزوّد من قصص كربلاء القيم والمفاهيم التي تنفعنا في الدنيا والآخرة". ويتابع: "الإمام الحسين عليه السلام هو الأب المعنويّ لجميع الأجيال، الذي يبثّ فينا روح الثورة ضدّ الظلم، والجهاد في سبيل الله، والتضحية بكلّ ما نملك في سبيل إقامة الدين، ولولاه لما بقيَ الدين قائماً إلى يومنا هذا، ولما توجّه شبابنا في ساحات المعركة تاركين خلفهم ملذّات الدنيا وزينتها". وبحسب عباس هو أقوى المؤثرات في الشباب.
•صلاة الليل ونصف الدين
يضيف "عبّاس" ثمّة مؤثّران هامّان في الشباب مضافاً إلى ما مرّ، برأيه: "الأول هو صلاة الليل التي تربّي النفس وتبعدها عن المعاصي، فالجلوس مع الواحد القهّار في جوف الليل يقرّب العبد من ربّه، ويشجّعه على ترك الذنوب والتوبة والاستغفار. أمّا الأمر الثاني؛ فهو الزواج المبنيّ على حبّ الله وطاعته، حيث إن للزوجين الملتزمين دينيّاً تأثيراً أحدهما في الآخر لناحية التقرّب من الله، ورسوله، وأهل البيت عليهم السلام".
•إنّه قدوتي
نعود لـ"حمزة" الذي تحدّث عن مفهوم الشخص الذي يؤثّر فيه: "هو رجل الدين المتواضع الذي دائماً ما تراه مبتسماً لكلّ من يراه، ويسبقك بالسلام والتحيّة، عالم الدين الذي تراه متنقّلاً على قدميه بين الناس يلقاهم بذلك الوجه الربّانيّ الحنون، ناهيك عن إمام الصلاة، في أدائه الصلاة وقراءته الدعاء ما ينقلك إلى عالم آخر من الروحيّة والوجدانيّة والتعلّق بحبال الله تعالى".
•وصايا الشهداء: ملهمةٌ للشباب
برأي "حيدر- 20 عاماً"، فإنّ أكثر الأمور تأثيراً في الشباب -بعد القرآن والصلاة- هي وصايا الشهداء وخطابات السيّد القائد الخامنئيّ دام ظله: "فكلاهما يحثّان الشباب على التقرّب من الله تعالى وأهل البيت عليهم السلام عبر القيام بالواجبات الدينيّة والمستحبّات، والجهاد في سبيل الله لنيل الشهادة المباركة". أمّا عن الشخصيّات المؤثرة فيه، فيقول: "بما أنّني من بلدة جبشيت، بلدة الشيخ راغب حرب، فإنّ أهلي عايشوا هذا الشيخ الجليل، ويحفظون مواقفه، ويروون سيرته وقصصه دائماً، ما جعله حاضراً في نفسي ومؤثّراً كبيراً في روحي، مضافاً إلى أصدقائي الشهداء الذين أحبّ أن أستمع إلى وصاياهم، وأتزوّد منها للدنيا والآخرة".
أيّده "حمزة" الذي قال: "إنّ وصيّة الشهيد مهدي ياغي تركت فيّ أثراً كبيراً، لما حملته من طابعٍ عفويّ، خصوصاً أنّه يتكلّم بكلّ شفافية فيدخل كلامه إلى صميم القلب مباشرة. لا أظنّ أنّ أحداً استمع إلى وصيّة هذا الشهيد السعيد دون أن يتأثّر به، فهو يدفعنا بصراحته وعفويته إلى التواضع والرغبة في الاقتداء لنيل المرتبة التي نالها".
•كلام الأمين
في ظلّ الظروف الحالية والمعركة الكبرى مع العدوّ، التي تأخذ الحيّز الأكبر من نقاشات الشباب واهتمامهم في الوقت الراهن، فإنّ أكبر مؤثّر فيهم هو كلام سماحة السيّد حسن نصر الله (حفظه الله)، وهذا ما يؤكّده "مجاهد -27 عاماً"، فيقول: "إنّ خطابات سماحة الأمين العام تؤثّر بشكلٍ كبير في تصرّفات الشباب؛ لأنّه تُعدّ المثل الأعلى والمؤثّر الأقوى على الساحة المحليّة والعربيّة والعالميّة، ودائماً ما نرى أنّ الكثير من الشباب تتغيّر مسلكيّاتهم، ويزيد اندفاعهم، وتشتعل فيهم نار الحماس بعد خطابات سماحة الأمين العام".
•السلطة الرابعة
وبحسب "حيدر- 20 عاماً"، فإنّ للإعلام اليوم دوراً رئيساً في التأثير في الشباب: "يجب التركيز والاهتمام اليوم بالإعلام؛ لأنّ بوساطته يمكن إيصال مفاهيم الإسلام الأصيل وبثّ الروحيّة المعنويّة الملتزمة في شباب اليوم، وخاصّةً في ظلّ الحرب الناعمة التي تخوضها القوى المعادية ضدّنا، وما تبثّه بعض المحطّات من قيم وعادات تنافي عاداتنا، وأخلاقنا، وديننا، وقيمنا، وتزرع في الشباب قيماً وعادات غربيّة، وعلى رأسها فكرة التحرّر من الدين والعادات؛ لهذا يجب العمل على توجيه الإعلام نحو ما يصبّ في مصلحة الشباب ودفعهم نحو حبّ الدين والوطن".
•صانعة المجاهدين والشهداء
يؤكّد "عليّ- 30 عاماً" (أحد الشباب الجامعيّين التعبويّين) على دور التعبئة التربويّة في "بثّ روحيّة المقاومة عند الشباب، ولا سيّما الجامعيّ، سواء بالمشاركة الجهاديّة المباشرة، كالشهيد الشيخ وسيم شريف والشهيد محمّد جوني وغيرهما، ممّن كانوا في صفوف التعبئة التربويّة، أو من خلال خلق رأي عام مؤيّد للمقاومة في المدارس والجامعات، عبر أنشطتها المختلفة من معارض، وندوات، ووقفات تضامنيّة".
ويرى "عليّ" أنّ التعبئة تنظر إلى الشباب الجامعيّين على أنّهم مقاومون حقيقيّون، وأنّ مسؤوليّتهم إظهار ثقافة المقاومة وفكرها في أوساط زملائهم، مع الحفاظ على روحيّة الانفتاح والتمسّك بالعقيدة والأصول، بعيداً عن العصبيّة، كذلك التشديد على الجديّة والطموح في طلب العلم وصنع الإنجازات. ويضيف: "للتعبئة دورٌ آخر وهو صنع شاب مؤمن دينيّاً ولديه وعي وبصيرة، من خلال الدورات واللقاءات الثقافيّة التي تُقام دائماً، ويكون هدفها زرع الروحيّة الإيمانيّة والجهاديّة في الشباب، ليجسّدوا النهضة الحسينيّة فعلاً لا قولاً".
•مربّية أجيال الشباب
ثمّة مكان آخر، يحتضن البراعم ويسقيها بُرعماً برعماً، حتى تستوي سيقانها؛ إنّها الكشافة المربية التي تبدأ عملها قبل سنّ الشباب، ليزهر ماذا؟
يؤكّد الشيخ "محمّد سعد" (في كشّافة الإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف) أنّ الكشّافة "ميدانٌ من ميادين التربية، تعتمد التربية النشطة التي تنمّي قدرات الشباب والناشئة، وتصقل شخصيّاتهم وتنميها بأبعادها الدينيّة، والجهاديّة، والاجتماعيّة، والتربويّة. فالكشّافة لونٌ من ألوان الحياة، التي يهواها الفتيان والشبّان، وتعلّمهم الثقة بالنفس".
وبحسب الشيخ "سعد"، فإنّ جمعيّة كشّافة الإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف تهدف من خلال برامجها وأنشطتها إلى بناء جيلٍ مؤمنٍ مجاهدٍ يرتبط بالقرآن الكريم، وأهل البيت عليهم السلام، وخطّ الولاية، ونهج الإمام الخمينيّ قدس سره، ويتحلّى بالأخلاق الحسنة ليكون مواطناً صالحاً وفرداً معطاءً، من خلال أداء الواجبات الدينيّة والوطنيّة، وإقامة الصلاة وإحياء المساجد، وتنمية حسّ المسؤوليّة، والاعتماد على الذات، وروحيّة العمل التطوّعيّ والجماعيّ، وحبّ الآخرين وخدمة النّاس.. مضافاً إلى أنّها تؤهّلهم بطرقٍ محفِّزةٍ وجذّابة، تتّفق مع ميولهم، وتنتقل بهم من مرحلةٍ إلى أخرى، حتّى يُصبحوا قادرين على الخدم العامّة، وتحمّل المسؤوليّات والاعتماد على أنفسهم.
•جيلٌ قوي واعد
إذاً، المسجد، وصايا الشهداء، خطابات القادة، التعبئة... هي بعضٌ من المؤثّرات في شخصيّات الشباب وسلوكهم، تصبغهم بصبغةٍ إيمانيّة مشرقة، وتطبعهم بطابعٍ جهاديّ مقاومٍ واعدٍ للمستقبل، فهم الجيل الذي سيرسم مسار القادم من الأيّام؛ وبات من الواضح لماذا يمكن أن يمثّل الشباب عنصراً يخاف منه المستكبرون، فهؤلاء- كما قالوا- إنّما يتعلّمون من الحسين عليه السلام.