الإمام الخامنئي دام ظله
لا تعني مرحلة الشباب، بما تتضمنه من حماس واندفاع، مرحلة اتخاذ القرارات السريعة. مرحلة الشباب تعني المبادرة نحو العمل، ليس المبادرة الانفعالية، وما يلازمُها من قرارات متسرعة وغير مدروسة أو الإقدام من دون وعي وتدبّر، بل إن الشاب قادر على القيام بعمل غير مدروس يؤدّيه عن تفكير وتأمّل. فإذا ما توفّرت هذه الخاصية؛ أي خاصية التأمل والتفكير والدراسة والبحث عن الحقيقة، فلا مانع عند ذاك من وجود اختلاف في الأذواق والأساليب، ولا ينتج عن ذلك – على أدنى الاحتمالات – أضرار جسيمة.
أما المواقف التي تستهدف إلغاء المقابل – أي أن يتخذ الإنسان في القضايا الاجتماعية موقفاً متزمتاً ويصرّ على أنه هو الموقف الصحيح وكل ما يخالفه فهو خاطئ – فهي مواقف غير صحيحة ولا صائبة.
أما إذا سلّمنا الشباب مسؤولية ما، ووثقنا بالشاب – الذي نرى فيه الكفاءة – وحمّلناه مسؤولية تتوفر فيه مؤهلاتها، نجده يقدّم لنا عملاً أنضج مع مزيد من الإبداع.
* خصائص ثلاث
لذا، علينا أن نثق بالشباب ونعوّل عليهم، فهم حتى بالنسبة للتطور العلمي يمثلون مرحلة القدرة والطاقة التي يجب توظيفها بشكل أساس -حسب اعتقادي- في كسب العلم، والنقاء الروحي والتقوى، وتنمية القدرة البدنية. وهذه الخصائص الرئيسة الثلاث أي: اكتساب العلم، وتهذيب النفس، وممارسة الرياضة. هي خلاصة ما أعتقد أنّ على الشباب الاهتمام به.
فالشباب مكلفون باكتساب العلم بما يتضمنه من دراسات وبحوث علمية؛ لأنه يجب علينا العمل للوصول نحو التقدم العلمي السريع.
إنّ كل واحد من هذه المجالات الثلاثة: اكتساب العلم، وتهذيب النفس، والرياضة، يجب بذل الجهود فيها في سنّ الشباب. فالرياضة في مرحلة الشيخوخة ليس لها نفس تأثير الرياضة في مرحلة الشباب.
أما تهذيب النفس في طور الشيخوخة فهو مهمة عسيرة، بينما هو في غاية السهولة في سنّ الشباب.
* الزينة أمر فطري
كما أن غريزة النزوع نحو الجمال والزينة يعتبر أمراً فطرياً، فالإنسان -والشاب خاصة- مجبول على حبِّ الجمال والزينة. وهذا لا اعتراض عليه ولم يحرّمه الإسلام، وإنّما حرّم الإسلام الفتنة والفساد.
يجب أنْ لا يكون الجمال والزينة مدعاة لتفشي الفساد والرذيلة في المجتمع، ولا يقود إلى إشاعة التحلل الخُلقي. وكذلك الغلو في الاندفاع نحو التجديد (الموضة) في الثياب والملابس ينتهي إلى إشاعة الفساد. إذا أصبح الاهتمام بالزينة والظاهر الجميل وأمثال ذلك هو الهاجس الأساس والهمّ الرئيس في الحياة فهو عين الانحطاط والانحراف.
ولكن لا إشكال في ترتيب المظهر والملبس بالشكل المناسب بعيداً عن مظاهر التبرج والمباهاة.
* الحب لبناء الأسرة
إن العلاقات المتحللة من كل القيود بين الرجال والنساء لها أثر مدمر على كيان الأسرة؛ فبناء الأسرة قائم أساساً على الحب، وإذا توفّر هذا الحب -حب الجمال وحب الجنس الآخر- في موضع آخر لا تبقى ثمة دعامة قوية يرتكز عليها بناء الأسرة.
لقد أعار الإسلام قضية الجمال أهميتها، وتناهى إلى أسماعنا كثيراً (إن الله جميل ويحب الجمال). وفي باب النكاح بحث مفصل يؤكد على وجوب اهتمام كل من الرجل والمرأة بوضعهما الظاهري. وقد يتبادر إلى أذهان بعض الناس أن الرجل يجب أن يقصّر شعر الرأس. ولكن ليس كذلك إذ يستحب للشباب إطلاق شعر الرأس، وجاء في حديث شريف:
"الشعر الحسن من كرامة الله فأكرموه". ونُقل أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان ينظر في إناء فيه ماء -حيث لم تتوفر المرايا آنذاك كما هي عليه الآن- وذلك ليرى وجهه ويرتب هندامه. ويُستشفّ من هذا أن الاعتناء بالوضع الظاهري والميل إلى الجمال محبّذ شرعاً، إلا أن القبيح والمضر فيه هو أن يتحول إلى أداة لإشاعة التبرّج والفتنة والفساد، حتى أن أضرارها تنسحب -كما سبقت الإشارة- على الأسرة والأجيال اللاحقة.