نور روح الله | يوم القدس: يوم الإسلام* إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين

مجالس يحبّها الله

الشيخ حسن أحمد الهادي


ممّا لا شكّ فيه أنّ البيئة هي بمثابة الأرض التي يبذر فيها المزارع البذور ليجني محاصيلها، فإن أحسن الاعتناء بالتربة واختار البذور الصالحة، حصل على موسمٍ وافرٍ من المنتوجات الزراعيّة. وهكذا حال الشباب، فإن كانت البيئة التربويّة والاجتماعيّة صالحة، تَربّى في أحضانها جيل صالح من الشباب، والعكس صحيح.

وهنا يبرز التحدّي الكبير أمام المربّين جمعيهم من الأهل وغيرهم في كيفيّة صناعة البيئة المناسبة، ودفع البيئة السلبيّة ومنعها، أو السيطرة على عناصر البيئة المحيطة وتوجيهها إيجاباً، ولا سيّما في عصرنا الراهن الذي يشكّل فيه الإعلام الجديد، ووسائل التواصل الاجتماعي social media العنصر الأبرز في جميع مقوّمات البيئة التربويّة والاجتماعيّة وخاصّة عند الشباب؛ وذلك لأنّه قد يغرس في مجتمعاتنا بذور تفتيت قوّة المجتمع بإسقاط عماده المتمثّل بالشباب في وحول ثقافة الميوعة والانحلال والتفلّت.

•بيئة المنعة والتقويم
ولهذا كان لزاماً على الغيارى كلّهم المساهمة الفاعلة في إيجاد البيئة الصالحة التي تمتاز بالمنعة والأصالة من جهة، وتتقوّم بالقيم والمبادىء الأخلاقيّة الحسنة من جهةٍ أخرى، وباستخدام الوسائل الممكنة جميعها، ومنها وسائل التواصل والإعلام الجديد نفسها، ونذكر من هذه الوسائل والأساليب، الآتي:

1- مجالس العلم والمعرفة: إنّ الشباب هم القوّة التي تحرّك المجتمعات وتحييها، وتنهض بها نحو التقدّم والرقيّ والحضارة، وذلك كلّه لا يحصل، إلّا إذا وعى شبابنا اليوم ثابتةً أنّ العلم والمعرفة والبحث العلميّ في مختلف المراحل والتخصّصات العلميّة هي الأولويّة المطلقة التي لا تهاون فيها، ولا يمكن لأمّةٍ أن ترتقي على مستوى تربية البشر والمجتمع والمدنيّة بمتطلّباتها كلّها إلّا من بوابة العلم والمعرفة. وهو ما يؤكّد ضرورة الاستثمار الواعي والكامل للطاقات الكبيرة في التربية، والتعليم، والبناء الاجتماعيّ، والتطوير الشامل لمرافق الحياة والمجتمع... ولو أنّ الشباب تساهلوا وضيّعوا طاقاتهم في مغريات هذا العصر، وغرقوا في متاهات وسائل الإعلام الجديد بكلّ ما تحمله من غثّ وسمين، لضيّعوا أغلى وأجمل مراحل العمر، ولانتقلوا -بفعل الإعلام الجديد- من الحياة الواقعيّة إلى الحياة الافتراضيّة، وضاعت أهدافهم في حنايا الثقافات الهجينة التي تستند إلى معاناة الغربيّين وعُقدهم. وعليه، فإنّ كلّ مجلس يزيد في ثقافة الإنسان ويقدّم له معلومة مفيدة، أو تجربة نافعة، هو مجلس علم، وهو مبارك، بل هو مجلس عبادة.

2- مجالس التناصح بالخير: تشمل النصيحة خصال الإسلام والإيمان والإحسان، ولذلك سمّي الدين النصيحة. واعتبرها بعض العارفين من علامات اليقين، وبعضهم من أركان الدين، واعتبر القرآن الكريم أنّ الوظيفة الأساسيّة لبعثة الأنبياء عليهم السلام هي النصح لأممهم، فقد ورد عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال: "... وأحبّ عبادة عبدي إليَّ النصيحة"(1). وورد عن الإمام أبي عبد الله عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "إنّ أعظم الناس منزلة عند الله يوم القيامة أمشاهم في أرضه بالنصيحة لخلقه"(2).

والنصيحة هي معيار الأخوّة، فلم تنعقد الأخوّة ما لم تكن النصيحة رائدها وباعثها، ومن لم يكن ناصحاً لأخيه، فليس بأخٍ، كما ورد في النصوص الشريفة.

3- مجالس الدعاء وقراءة القرآن: من أنفع المجالس وأعظمها بركة وفائدة مجالس قراءة القرآن، والتدبّر فيه، وتلاوته، وتجويده، وكذلك مجالس الدعاء والذكر، ففي الدعاء: "ما لي كلّما قلت قد صلحت سريرتي، وقرب من مجالس التوّابين مجلسي، عرضت لي بليّة أزالت قدمي وحالت بيني وبين خدمتك سيّدي؟"(3).

ولقد حثَّ أهل البيت عليهم السلام على حفظ آيات القرآن واستظهارها، وقراءتها عن ظهر قلب ليختلط بدم المسلم ولحمه، ويملأ عقلَه وفؤادَه، فعن الإمام جعفر الصّادق عليه السلام قال: "اقرَأُوا القُرآنَ واستَظهِروه؛ فإنَّ اللهَ لا يُعَذّبُ قلبَاً وعَى الْقرآن"(4).

4- مجالس العلماء ومن يذكّر بالله: إنّ مجالسة العلماء والأتقياء تثري المرء وتزيده علماً وتقى، ولذا كانت من أحبّ المجالس عند الله تعالى، فقد روي أنّه سأل بعض الحواريّين روح الله عيسى بن مريم عليه السلام مَن نجالس؟ قال: "من يذكركم الله رؤيته، ويرغبكم في الآخرة عمله، ويزيد في منطقكم علمه"(5)، وعن الإمام الصادق عليه السلام قال: "مجالسة أهل الدين شرف الدنيا والآخرة"(6).

5- مجالس أهل المعروف: عنْ أَبِي حَمْزَةَ الثُّمَالِيِّ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ عليه السلام يَقُولُ: "إِنَّ مِنْ أَحَبِّ عِبَادِ الله إِلَى الله لَمَنْ حَبَّبَ إِلَيْه الْمَعْرُوفَ وحَبَّبَ إِلَيْه فَعَالَه"(7).

6- مجالس الترفيه المتّزن: تحتاج نفس الإنسان، ولا سيّما الشباب، إلى المجالس التي تتضمّن أعمالاً ترفيهيّة أو رياضيّة، وقد ورد في الأثر: "روّحوا القلوب ساعة بساعة"(8).

•مجالس يرفضها الإسلام
كما يجب على الجميع إيجاد البيئة التربويّة الصالحة، وفي المقابل يجب التحذير، بل ومواجهة المجالس التي يرفضها الإسلام أو يحرّمها ويدعو إلى مقاطعتها والابتعاد عنها، وقد روي عن الإمام الصادق عليه السلام: "لا ينبغي للمؤمن أن يجلس مجلساً يُعصى الله فيه ولا يقدر على تغييره"(9). وفي حديث آخر عنه عليه السلام: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يجلس مجلساً يُنتقص فيه إمام أو يعاب فيه مؤمن"(10).

1- المجالس المبغوضة: والمجالس المبغوضة عند الله والتي تؤثّر سلباً في البيئة التربويّة، كثيرة ومتنوّعة، نذكر منها: مجالس الاستهزاء بالدين ومقدّساته، ومجالس الكذب على الله ورسوله، ومجالس تمجيد أعداء الله.

2- مجالس المعصية: كالمجالس التي يُغتاب فيها المؤمنون ويُستهزأ بهم ويُزدرى عليهم، وكلّ مجلس فيه معصية لله سبحانه وتعالى أو تأييد لها..

3- مجالس المترفين: فقد ورد عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم قال: "أربع يُمِتْن القلب -إلى أن قال-... ومجالسة الموتى! فقيل: يا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وما الموتى؟ قال: كل غنيّ مترف"(11).

4- المجالس المختلطة: وهي التي يجتمع فيها الرجال والنساء من غير المحارم، فعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنّه نهى عن محادثة النساء -يعني غير ذوات المحارم- وقال: "لا يخلونّ رجل بامرأة، فما من رجل خلا بامرأة إلّا كان الشيطان ثالثهما"(12).

5- مجالس الفضوليّين: وهي مجالس يكرهها الإسلام وإن لم يصل الأمر فيها إلى حدّ التحريم. يُروى أنّه دخل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى المسجد فوجد جماعة متجمعين حول رجل فسأل: من هذا؟ فقالوا: علّامة، فقال: وما العلّامة؟ فقالوا له: أعلم الناس بأنساب العرب ووقائعها، وأيّام الجاهليّة، والأشعار العربيّة، فقال النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم: "ذاك علم لا يضرّ مَن جهِلَه، ولا ينفع مَن عَلِمَه"، ثمّ قال النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم: "إنّما العلم ثلاثة: آية محكمة، أو فريضة عادلة، أو سُنَّة قائمة، وما خلاهنّ فهو فضل"(13).

•تحمّل المسؤوليّة
تذكّروا دائماً، أيها الشباب، أنّكم إذا ما قوّيتم علاقتكم بالله تعالى، وروّضتم أنفسكم وجعلتموها تعتاد على الأعمال الطيّبة والأخلاق الحسنة والسلوك السويّ، فإنّ هويّتكم الإنسانيّة ستتشكّل وفق هذه الصورة، وبهذا تتمكّنون من التأثير على المجتمع الذي تتواجدون فيه، بل يصبح كلّ فرد منكم محرّكاً قويّاً يبثّ الروح، والأخلاق، والقيم في المجتمع، ونبعاً مباركاً للمعرفة، والعطاء، والعمل، والإيثار.

واعلموا، أنّ الوعي يتكوّن من العلم، والثقافة، والخبرة في التعامل مع متطلّبات الحياة والمجتمع، وهو يتطلّب حكمة، وحنكة، وجديّة في التفكير، والتخطيط، والتدبير، والإجراء مع كلّ ما يحيط بكم، أيّها الشباب الأعزّاء من قضايا وتحدّيات، وبه تدخلون إلى عالم تحمّل المسؤوليّة الفرديّة والعامّة بنجاح ولياقة، وترسمون جداريّات النجاح بألوان الحياة كلّها، ولهذا وجب على المجتمع توجيه الشباب نحو تحمّل المسؤوليّة والقيام بدور صالح مفيد يساعد في بناء شخصيّاتهم وينمّي كفاءاتهم، ويزوّدهم بالخبرة الاجتماعيّة، فقد ورد أنّ الإمام الحسن بن عليّ عليهما السلام دعا أولاده وأبناء أخيه ذات يوم وقال لهم: "يا بنيّ وبني أخي، إنّكم صغار قوم يوشك أن تكونوا كبار آخرين فتعلّموا العلم، فمن لم يستطع منكم أن يرويه أو يحفظه فليكتبه وليضعه في بيته"(14).


1.رواه الطبراني عن عثمان بن أبي عاتكة عن علي بن يزيد عن القاسم عن أبي أمامة، جامع العلوم والحِكَم، ج1، ص359.
2.الوافي، الفيض الكاشاني، ج5، ص536.
3.دعاء أبي حمزة الثمالي، مصباح المتهجد، الطوسي، ص588.
4.جامع الأخبار، كما في مستدرك الوسائل، ج1، ص290، عن نهج البلاغة.
5.بحار الأنوار، المجلسي، ج71، ص189.
6.الكافي، الكليني، ج1، ص39.
7.(م.ن)، ج4، ص25.
8.كنز العمال، المتقي الهندي، ج3، ص37.
9.الكافي، (م.س)، ج2، ص374.
10.(م.ن)، ج2، ص377.
11.مستدرك الوسائل، الميرزا النوري، ج8، ص328.
12.جامع أحاديث الشيعة، البروجردي، ج20، ص309.
13.الكافي، (م.س)، ج1، ص32.
14.منية المريد، الشهيد الثاني، ص340.
 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع