مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

كي لا نقع في العداوة

الشيخ حسن أحمد الهادي

 



الإنسان كائن اجتماعي بطبعه، يألف الحياة الاجتماعية التي تقتضي تبادل الحقوق والواجبات والعلاقات الإنسانية المتنوعة؛ بعيداً عن الأنانية والذاتية التي هي منشأ البغض والعداوة بين الناس.

وبحسب ما أقرته الشرائع السماوية، والتشريعات البشرية في القديم والحديث، لا بدّ لأفراد المجتمع من أن يحترم بعضهم حقوق بعضهم الآخر. ومع هذا فقد أثبت التاريخ دائماً تعرّض الأمن الفردي للخطر والاعتداء من قبل الآخرين، ما يؤدي بالنتيجة إلى نشوء البغضاء والعداوة بين الناس، وينتج عنه التفرّق والتشتّت والعداوة.
أما الأسباب الحقيقية لهذه الآثار فهي كثيرة ومتنوّعة، سنذكر بعضها في سياق هذا المقال.

* أسباب نشوء العداوة
العداوة، والشقاق، والبغضاء، والشحناء والضغناء والحسد، كلها ألفاظ متقاربة في الدلالة على ظاهرة من أخطر الظواهر والابتلاءات الاجتماعية ومن أكثرها ضرراً على مصالح الناس وحقوقهم. فالعداوة هي التّجاوز والتعدّي على الآخرين، وهي الخصومة والمباعدة، قال تعالى: {...وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ...} (المائدة:64)، فالقرآن الكريم فسّر الشِّقاق بالعداوة والبغضاء، والضَّغينة بالحقد الّذي يسكن القلب من العداوة (1)، وفسَّر الحقد بالعداوة القلبية.
وعندما نبحث عن أسباب العداوة نجد أنه يمكن جمعها في مجموعة من الأصول التي تنتمي إليها المصاديق الفرعية والجزئية، وهي:
أ ـ الأسباب المالية.
ب ـ الأسباب الأخلاقية.
ج ـ الأسباب الاجتماعية.

* حلول وإرشادات
تحتاج ظاهرة ابتلاء الأفراد والمجتمعات بالعداوة إلى العديد من البرامج والدراسات التربوية والاجتماعية، كونها ترتبط بجوانب مختلفة من السلوك الإنساني من جهة، وبمنظومة الحقوق والواجبات التي تنظّم المجتمعات من جهة أخرى. ولهذا يجب أن نوزّع مجموعة العلاجات والإرشادات على عدة جوانب أهمها:
أ ـ الحرية
فالحرية محكومة باحترام الآخرين وحفظ حقوقهم. والدين الإسلامي لا يوافق على الحرية المتحلّلة من القيود أو الضوابط لأنها بهذا الشكل أقرب ما تكون إلى الفوضى، وتتحكم فيها الأهواء أو الشهوات، ولذلك وضع الإسلام قيوداً ضرورية، تضمن حرية الجميع، وتتمثل في ضوابط هي:
1ـ ألَّا تؤدّي حرية الفرد أو الجماعة إلى تهديد سلامة النِّظام العام وتقويض أركانه.
2ـ ألَّا تفوّت حقوقاً أعظم منها، وذلك بالنظر إلى قيمتها في ذاتها ورتبتها ونتائجها.
3ـ ألَّا تؤدّي حريّة الفرد إلى الإضرار بحرية الآخرين.
وبهذه القيود والضوابط ضمن الإسلام حريّة الفرد والجماعة وأعطى كلّ ذي حق حقّه.

ب ـ الخوف من الله تعالى
لقد دعا الإسلام إلى تربية النفس على الخوف من الله تعالى، على قاعدة أنه باعث على العمل الجاد، الملتزم احترام الآخر، وعدم الاعتداء على حقوقه. وهو بهذا اللحاظ لا يعتبر سمة تؤثّر على اختيار الإنسان وحريته، قال الإمام الصادق (ع) لإسحاق:"خف الله كأنّك تراه فإن كنت لا تراه فإنه يراك، فإن كنت ترى أنه لا يراك فقد كفرت، وإن كنت تعلم أنه يراك ثم استترت عن المخلوقين بالمعاصي وبرزت له بها فقد جعلته في حد أهون الناظرين إليك" (2).
والخوف من الله تعالى يبعث في النفس الخضوع والخشية أمام عظمة الله تعالى، وهو من خصائص المؤمنين وسمات المتقين، قال الإمام علي (ع): "الخشية من عذاب الله شيم المتقين" (3).

ج ـ الاتعاظ بالموت
إنّ تذكّر الموت وحساب القبر والمراحل التي سوف يواجهها الإنسان في الحياة الآخرة، وما أعدّ الله للمطيعين من نعيم وما أوعد به العاصين من عذاب، هو وسيلة رادعة وفعّالة تمنع الإنسان عن الاعتداء على الآخرين. وقد أشار إلى ذلك الإمام علي عليه السلام في كتابه إلى محمد بن أبي بكر بقوله: "وكفى بالموت واعظ" (4). وكان رسول الله(ص) يوصي أصحابه بذكر الموت فيقول: "أكثروا ذكر الموت فإنه هادم اللذات..."(5).

د ـ مخالفة الأهواء والمحاسبة
إن كل إنسان له أهواؤه ـ قلَّت أو كثرت ـ وهي تتعلق بالمال، والأكل والشرب، والجاه والمركز، والتحكّم والسيطرة على الآخرين، إلخ.. والهدف النهائي الذي يجب أن يسعى إليه المؤمن هو السيطرة على هذه الأهواء والتحكم فيها، وتطهير مشاعره، ووجدانه ودوافعه منها تطهيراً كاملاً.
قال تعالى: {وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى} (النازعات: 40).
ولا بد من مراعاة الجانب الإيجابي المقابل، مثل حفظ الحقوق والإنفاق، فيهذّب نفسه بأن يصون لسانه عن الكذب، والغيبة، والثرثرة، وأن تكون قاعدته الصدق، وحفظ حرمة الآخرين.

هـ ـ الزهد بالدنيا
روي عن أمير المؤمنين عليه السلام أنه قال: "مَنْ أيقن اَنَّهُ يُفَارِقُ الأحباب وَيَسْكُنُ التُّرَابَ ويَوُاجِهُ الْحِسَابَ وَيَسْتَغْنِي عَمَّا خَلَّفَ، ويَفْتَقِرُ إلى مَا قَدَّمَ كَانَ حرَيّاً بِقَصْرِ الأمل وَطُولِ الْعَمَلِ" (6). فيجب أن يتفكر الإنسان دائماً في تغيّر الدنيا الدائم وعدم الركون إليها، وكذلك أن يتفكّر في أنّ الحرص على جمع الأموال والثروات واكتنازها لتحقيق تلك الآمال والتمنيات في الحياة الدنيا لا يجلب له السعادة أبداً، بل سيزيده شقاءً ومحنةً، وأنّ أفضل الطرق للوصول لهذا الهدف هو ما ورد في الحديث النبوي المعروف: "خُذْ مِنْ دُنْيَاكَ لآخرتك وَمِنْ حَيَاتِكَ لِمَوْتِكَ، وَمِنْ صِحَّتِكَ لِسُقْمِكَ، فَإنّكَ لَا تَدْرِي مَا اسْمُكَ غَد"(7).

و ـ التربية على العدل
إن أهمية التربية على العدل تكمن في رعاية حقوق أفراد المجتمع، وكفّ الأذى والإساءة عنهم، وحسن المداراة وحبّ الخير لهم.. وقد لخّص الله تعالى واقع العدل العام في آية من كتابه المجيد: {إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} (النحل: 90). كما رسم أمير المؤمنين عليه السلام منهاج العدل الاجتماعي بإيجاز وبلاغة، فأوصى ولده عليه السلام أن يكون عادلاً فيما بينه وبين الناس كالميزان، ثم أوضح له صور العدل وطرائقه إيجاباً وسلباً فقال: "يا بُنَيّ اجعل نفسك ميزاناً فيما بينك وبين غيرك، فأحبب لغيرك ما تحبّ لنفسك، واكره له ما تكره لها، ولا تظلم كما لا تحب أن تُظلم، وأحسن كما تحب أن يُحسن إليك، واستقبح من نفسك ما تستقبح من غيرك، وارض من الناس بما ترضاه لهم من نفسك، ولا تقل ما لا تعلم وإن قلّ ما تعلم، ولا تقل ما لا تحب أن يقال لك" (8). وقال أمير المؤمنين عليه السلام: "والله لو أُعطيت الأقاليم السبعة بما تحت أفلاكها، على أن أعصي الله في نملة أسلبها جُلب شعيرةٍ ما فعلت، وإن دنياكم لأهون عليّ من ورقة في فم جرادة، ما لعليّ ونعيم يفنى ولذة لا تبقى" (9).

و ـ التربية على التكافل الاجتماعي
قال الله تعالى: {يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلْ مَا أَنفَقْتُم مِّنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللّهَ بِهِ عَلِيمٌ} (البقرة: 215)، وقال عزَّ وجل: {وَأَنفِقُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوَاْ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} (البقرة، 195).
عُني القرآن بالتكافل ليكون نظاماً لتربية روح الفرد، وضميره، وشخصيته، وسلوكه الاجتماعي، وليكون نظاماً لتكوين الأسرة وتنظيمها وتكافلها، ونظاماً للعلاقات الاجتماعية. ومن هنا فإنّ مدلولات البر، والإحسان، والصدقة، تتضاءل أمام هذا المدلول الشامل للتكافل.
فالتكافل الاجتماعي جزء من عقيدة المسلم والتزامه الديني، وهو نظام أخلاقي يقوم على الحب والإيثار ويقظة الضمير ومراقبة الله عزّ وجلّ، ولا يقتصر على حفظ حقوق الإنسان المادية؛ بل يشمل أيضاً المعنوية، وغايته التوفيق بين مصلحة المجتمع ومصلحة الفرد. روي عن أبي عبد الله عليه السلام: "والله لا يكون المؤمن مؤمناً حتى يكون لأخيه مثل الجسد إذا ضرب عليه عرق واحد تداعت له سائر عروقه"(10).


(1) المكاسب، الشيخ الأنصاري، ج 2، ص 281.
(2) الكافي، الكليني، ج 2، ص 68.
(3) عيون الحكم والمواعظ، علي بن محمد الليثي الواسطي، ص 53.
(4) تحف العقول، ابن شعبة الحراني، ص 35.
(5) وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج 2، ص 437.
(6) بحار الأنوار، المجلسي، ج 70، ص 167.
(7) جامع السعادات، محمد مهدي النراقي، ج 3، ص 28.
(8) نهج البلاغة، تحقيق وشرح محمد عبده، ج 3، ص 46.
(9) م. ن، ج 2، ص 218.
(10) بحار الأنوار، م.س، ج 71، ص 233.

 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع