مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

الخلافات بين الناس خدمة للشيطان

تحقيق : يمنى المقداد الخنسا



يقول الله تعالى في كتابه الكريم: ﴿وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (الأنفال: 46). تحتّم الخصائص البشرية والاجتماعية المختلفة بين إنسان وآخر وبيئة وأخرى حصول خلافات بين الناس تتعدَّد أسبابها من سوء الظن وفساد النية، إلى التعصّب والجهل والطمع واختلاف الأمزجة، إلى الحسد والغرور واتِّباع الهوى، إلى إيثار الذَّات والجهل بأحكام العرف والشرع...

ويعد الصّبر من أهمِّ الصفات البشرية التي تساعد الإنسان على ضبط النفس في مواجهة رياح الفرقة وتغليب العقل والمنطق على العاطفة والغريزة. لذا، لا بد من اعتماد الحوار البنّاء والالتزام بالعقيدة الإسلامية الصحيحة دستوراً في حياتنا ونظاماً إلزامياً في سلوكياتنا لحل الخلافات بهدف تحقيق العدل والإنصاف كما أوصانا أمير المؤمنين علي عليه السلام حين قال: "الإنصاف يرفع الخلاف ويوجب الائتلاف" (1). وفيما يلي نماذج عن طبيعة بعض الخلافات التي تحصل في مجتمعنا.


* قطع عني الكهرباء وعاداني
الخلاف الذي حصل بين "صالح" (37 سنة، أب لأربعة أبناء، بائع) و"جاره" بسيط، لكنه أنهى جيرة استمرت سنوات طويلة. عن ذلك يقول: "كانت علاقتي بجاري ممتازة، وفي يوم تشاجر مع أحد جيراننا فقطع الكهرباء عني وعنهم وعندما واجهته صرخ في وجهي وعاداني". يعتبر صالح أن الخلافات تتزايد، خاصةً بين جيل الشباب بسبب البطالة وانعدام الثقة والصبر وانتشار الكذب والنفاق، مشدّداً على ضرورة تأمين فرص عمل كي يكون بال الناس مرتاحاً ويكونوا أقدر على تحمّل بعضهم بعضاً.

* الغدر والطمع
يشكو غسان (40 سنة، أب لثلاثة أبناء، موظف) من قلة وفاء زميله في العمل بالقول: "كنت مميزاً في عملي وشعرت بأن هذا الأمر يزعج زميلي الذي حاول مراراً أن يشوّه صورتي أمام المدير".  غسان يقول إنه هو من ساعد زميله في الحصول على وظيفة في الشركة التي يعمل فيها، لكن الزميل حاول الغدر به بسبب طمعه وجشعه وقلة ضميره. بعد حصول الخلاف، أنهى غسان علاقته الشخصية بزميله وأصبح يتعاطى معه لضرورة العمل فقط، ولم يعد يثق بأحد منذ ذلك الوقت، ويختم قائلاً: "الكثير من الناس يفضلون الدنيا على الآخرة ولا يهمهم الحلال والحرام".

* أخي مزاجي
البداية كانت خلافاً حول إرث عائلي، لكن هذا ليس كل ما في الأمر، يقول سليم (45 سنة، أب لثلاثة أبناء، مهنة حرة): "أخي يتجاهلني باستمرار ويعامل إخوتي وأولادهم أفضل مما يعاملني وأولادي. ولأن لديه منفعة مع أخي الآخر فإنه يحبه أكثر مني". هذه الأسباب أدت إلى خلافات حادّة بين الأخوين. أما عن سبب معاملة أخيه له بهذه الطريقة، فيقول سليم: "طبع أخي مزاجي كما أننا افتقدنا الحنان والعاطفة والجو الأسري والأخوي الحميم في تربية أهلنا لنا"، مشيراً في الختام إلى أن الحروب والأزمات وازدياد متطلبات الحياة وقلة المدخول المادي في المقابل لها دور بارز أيضاً في التأثير على نفسيات الناس وزيادة الخلافات بينهم.

* خمس سنوات من العداوة
"حتى لو ماتت سلفتي لن أحضر مأتمها" بهذه الكلمات القاسية تعبر رانيا (43سنة، ربة منزل، أم لولدين) عن غضبها تجاه ما سمّته نكران الجميل الذي شهدته من سلفتها بعد أن وقفت إلى جانبها في أحلك الظروف.  الخلاف بدأ حين أرادت رانيا بناء غرفة جديدة لتوسيع منزلها، الأمر الذي لم يرضِ سلفتها التي تسكن قربها فافتعلت خلافاً أثمر عداوة لا تزال مستمرة منذ خمس سنوات وحتى الآن. الخلاف أثّر بطبيعة الحال على علاقة الإخوة والأبناء، فاقتصرت الزيارات بينهم على المناسبات والأعياد، عن هذا تقول: "أعرف أنَّ خلافنا يؤثِّر سلباً على زوجي وأولادي إنَّما كرامتي لا تسمح لي بمصالحتها". وحول الترفع عن أخطاء الآخرين في سبيل إرضاء الله تعالى تؤكد رانيا أنها تودُّ أن تكون كذلك شرط أن يتصرف معها الآخرون بدين وأخلاق ومسؤولية.

* ضربته فاسترجعت حقي
يتحدث مروان (43 سنة، أب لخمسة أولاد، تاجر) عن محاولة أحد معارفه الاحتيال عليه، يقول: "استدان مني مالاً ليؤسس محلاً خاصاً به، لكن طال الوقت ولم يعد لي المال وكان يتهرب كل مرة بعذر مختلف إلى أنْ عرفت أنه احتال على تاجر آخر بنفس الطريقة وعندها ذهبت إلى منزله وضربته استرجعت حقي بالقوة". طريقة تعاطي مروان مع المشكلة اتسمت بالعصبية التي بررها بقوله إنه اضطر لفعل ذلك بعد طول صبر، خاصّة وأنّ القانون لن يفيده في هذه الحالة لعدم وجود أوراق تثبت حقه.

* سُبُل حل الخلاف في الإسلام
ولتبيان النظرة الشرعية تجاه مسألة العداوة والخلافات بين الناس أجرينا لقاء مع سماحة السيّد علي مرتضى حدّثنا فيه عن بعض سُبُل العلاج والوقاية من هذا الداء... ما هي نظرة الشرع الإسلامي إلى مسالة الاختلاف أو الخلاف بين الناس؟

أوّلاً لا بد من التركيز على منشأ الاختلافات، لأنّ معرفة المنشأ والسبب والجذر الأساس للاختلافات قد تؤدّي إلى قطعها وحلّها. ولكي نبيّن النظرة الشرعية تجاه هذا الموضوع علينا الرجوع إلى كتاب الله العزيز وروايات العترة الطاهرة عليهم السلام: يقول سبحانه وتعالى: ﴿خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ*وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (الأعراف: 199 200). وهو خطاب يمثل الوظيفة التي ينبغي للمسلمين أن يتحمّلوها، وهي أن لا يدعوا سبيلاً للشيطان إليهم، سواء كان متمثّلاً بالمال أو الجاه أو المقام وما إلى ذلك، وقد جاء في بعض الروايات أنه لما نزلت الآية ﴿خُذِ الْعَفْوَ... سأل رسول الله صلى الله عليه وآله جبرئيل عليه السلام عن ذلك، فقال جبرئيل عليه السلام: "يا محمد، إن الله يأمرك أن تعفو عمَّن ظلمك، وتعطي من حرمك، وتصل من قطعك"(2)

* الاختلاف من وساوس الشيطان
- ماذا عن سبل مواجهة الخلاف أو النزاع؟

إنّ كيفيّة الانتصار على وساوس الشيطان التي منها يتولّد الاختلاف يكون كما قال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَواْ إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُواْ فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ (الأعراف: 201). أي يتذكّرون ما أنعم الله عليهم، ويفكّرون في سوء عاقبة الاختلاف فيتضح لهم بذلك طريق الحقّ.  فكأن وساوس الشيطان تدور حول فكر الإنسان وروحه كالطائف حول الشيء ليجد منفذاً إليه، فإذا تذكر الإنسان في مثل هذه الحالة ربّه، واستعاذ من وساوس الشيطان وعاقبة أمره، أبعدها عنه، وإلا أذعن لها وانقاد وراء الشيطان. وجملة ﴿إِذَا هُم مُّبْصِرُونَ إشارة إلى حقيقة هي أن الوساوس الشيطانية تلقي حجاباً على البصيرة "الباطنية" للإنسان، حتى أنه لا يعرف العدو من الصديق، ولا الخير من الشر. إلا أن ذكر الله يكشف الحجب ويزيد الإنسان بصيرة وهدى، ويمنحه القدرة على معرفة الحقائق والواقعيات. وهذه المعرفة تخلصه من مخالب الوساوس الشيطانية. لذا، فإن المتقين ينجون من نزغ الشيطان ووسوسته بذكر الله سبحانه.

* كيف نتلافى الخلافات؟
- هل يمكن للفرد أن يتلافى الخلافات مع الآخرين؟ وما هي طرق الوقاية من ذلك؟

يستطيع الإنسان أن يتلافى الخلاف مع الآخرين، باستيعابهم بالحكمة والعفو والمعروف والإحسان إليهم، ومن خلال تبيان حقّه بالهدوء والروية، والابتعاد عن الذين يثيرون الفتن والمشاكل، يقول سبحانه وتعالى: ﴿وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ (فصلت:34).

- كثيرون يرون في التنازل أو التسامح أو تجنب المشاكل تقليلاً من شأنهم وسحقاً لكرامتهم، ما رأيكم في ذلك في ظل طغيان أعراف اجتماعية ترى التعقُّل جُبْنَاً؟
عندما يتنازل الإنسان قليلاً عن حقّه بنية رضا الله سبحانه وتعالى، فهذا ليس انتقاصاً له ولا لمكانته، ولكن مخافة أن يقف المتعاديان أمام الله للحساب ويطالب الله الظالم. كما ويعاتب صاحب الحقّ بأنّه لماذا هذه العداوة والبغضاء وكان بمقدوره تفاديها وحلّ الخلاف بالتنازل قليلاً، هذا إن لم تجرّه العداوة إلى الوقوع بالخطأ في حقِّ أخيه بقول كلمة أو اعتماد تصرّف أو موقف خاطئ لا يرضاه الله سبحانه، فيكون بذلك آثماً ومطالباً أمامه سبحانه، وما أصعبه من موقف. لذلك يستطيع الإنسان أن يتفادى الخلاف مخافة من هذا الموقف العسير أمامه سبحانه، وطلباً لمرضاته. فالنيّة الصالحة والتفكير بالآخرة وتحصيل رضا الله حفظاً للمجتمع الإسلامي من التفكك، كل ذلك يجعل الإنسان المسلم يتفادى أي مشكلة ومع أي شخص كان وهذا الأمر بحاجة إلى تقوى عالية، ودرجة رفيعة من الصبر ونسيان الذات.

* نصائح وحلول لما ورد من خلافات
- ما هو تعليقكم على حالات الخلاف المطروحة في التحقيق وهل بعض الطرق صائبة في التعاطي معها؟ وما هي النصائح التي توجهونها في هذا الصدد؟

بالنسبة لهذه الحالات لا بأس في ردّة الفعل الصادرة عن بعضها، إلا أنّه ليس كلّ العلاج، أمّا بالنسبة للحالات الأخرى فمن الطبيعي أنّ تصرّفهم خاطئ ولا بدّ له من تقويم وفق ما تمليه الواجبات والآداب الإسلامية مع وجود فرق بين الأخ وأخيه بأنّ قطيعة الرحم توجب غضب الله، وتقلل الرزق، وتقصّر العمر، فكيف يبقى شخص على خلاف مع أخيه مع وجود هذه الآثار الدنيوية والعواقب الأخروية؟ وأمّا الجيران، فليفكّر كل واحد منهم بأنّه سوف يترافق مع جاره في نفس المكان مدّة طويلة، وسيلتقي به في مناسبات متعدّدة، وأنّهم في بيئة واحدة وهمومهم ومشاكلهم مشتركة. فالفرقة والاختلاف لا يصبّان بمصلحة الجيرة أبداً، وعليه مهما حصل أن يتقرّب من جاره بقدر الإمكان ويحلّ النزاع الحاصل. وأما السلفتان فلتعلما أنّ خلافهما أدّى إلى خلاف الأخوين فيما بينهما، وإلى خلاف بين أبناء العمومة، وهؤلاء كلّهم مصاديق للرحم التي لا يرضى الله بقطيعتها والخلاف بينها أبداً. وأمّا الأصدقاء الذين نزغ الشيطان بينهم، فليفكّروا في مدّة الصحبة التي كانت فيما بينهم، وإلى أيّ شيء أوصلهم إبليس، وإذا كان الأخ مؤمناً فحذار أن يفرّط به الإنسان بأي ثمن كان.

* الخاتمة
مهما كبر الخلاف أو صغر، ومهما تنوعت أسبابه، لا بد من ضبط النفس عند حدوثه، فالشيطان شديد الحرص على الوقيعة والفرقة بين المسلمين. من هنا لا بد أن ندرك جيداً حقيقة النظرة الإسلامية إلى الخلاف ومتى يكون مبرَّراً أو محرَّماً، ما هي آدابه وآثاره، ما هو السبب الحقيقي وراء تزايد الخلافات بين الناس وهل هناك من أساليب لتجنّبها؟ كيف يجب أن يتعاطى الإنسان مع أي خلاف بشكل أن لا يكون موضع إذلال للطرف الآخر وأن لا يكون معتدياً وظالماً؟ ماذا يقول الإسلام عن ثواب المظلوم وعقاب الظالم؟


(1) عيون الحكم والمواعظ، علي بن محمد الليثي الواسطي، ص 26.
(2) بحار الأنوار، العلامة المجلسي، ج 72، ص 243.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع