مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

المدرسة والمجتمع معاً لاحتضان مشاكل المراهقين

الشيخ مصطفى قصير

 



في البداية لا بدّ من التأكيد على أنّ مرحلة المراهقة هي مرحلة طبيعية لا بدّ منها في الانتقال التدريجي من الطفولة إلى النضج والرجولة، من التبعيّة إلى الاستقلال، وأنّ المتغيّرات التي تظهر لدى المراهق في المجال الانفعالي والعاطفي كما هي في المجال الإدراكي والجسدي على حدٍّ سواء هي متغيرات طبيعيّة، والمشكلة التي يعاني منها المراهق هي في طريقة تعامل الآخرين معه في هذه المرحلة. من جهةٍ أخرى ينبغي الالتفات إلى أنّ التربية التي يتلقاها المراهق في طفولته لها دور كبير في تسهيل عملية الانتقال في عمر المراهقة أو تعقيدها أو إضفاء صعوبات عليها، فكما في أي عمليّة انتقالٍ من حالةٍ إلى حالةٍ ومن وضعيّةٍ جسديّةٍ إلى وضعيّةٍ أخرى أو من ظروفٍ إلى ظروفٍ مغايرة، فإن التحضير المناسب والإعداد المدروس يساهم في جعل الانتقال سلساً وميسّراً، بخلاف الانتقال المفاجئ. أكثر ما يعاني منه المراهقون في مجتمعاتنا أنّهم يُتركون في الأعمّ الأغلب ليواجهوا الأوضاع الجديدة بأنفسهم بدون إعدادٍ مسبقٍ ومن دون مساعدة تذكر، بل على العكس من ذلك، قد يكون للمحيط الاجتماعي والعائلي دورٌ معرقل، يضفي صعوباتٍ إضافيّةً على تلك التي يواجهها المراهق.

* دور المدرسة
يُفترض بالمدرسة كمؤسّسةٍ تربويّةٍ متخصصة، أن توفّر البيئة المناسبة لمساعدة المراهق على مواجهة المرحلة، وحلّ المشاكل التي يعاني منها، وأن لا تكون مصدراً من مصادر القلق والتعقيد للمشكلات، وهذا يتطلب ما يلي:
1ـ الاتفاق بين كل أفراد الجهاز المعني بالتعامل مع المراهق على أنّ المدرسة تتحمّل مسؤولية الرعاية التربويّة فضلاً عن المسؤولية التعليميّة، وأنّ الاستعفاء من الدور التربوي وإيكال الأمر إلى الأسرة فيه تحلّلٌ من مسؤوليةٍ أساس لا يمكن التخلّي عنها، ولا يمكن إيكالها بالمطلق إلى الآخرين، فرغم الاعتراف بالدور الحساس والمؤثر للأسرة إلاّ أنّ المدرسة هي المكان الأنسب لمعالجة مشاكل المراهق وإعداده تربوياً ونفسياً لاعتبارات عدة، ترتبط بالمدّة الزمنية التي يقضيها بين ظهرانيها، والتنظيم المناسب للوقت والأنشطة، كما أنّ المدرسة هي الأقدر على إعداد المربّي المتخصّص القادر على التعامل مع المرحلة بمنهجيّةٍ وتخطيطٍ سليم.

2ـ أن يكون الجهاز المدرسي الذي يساهم في التعامل مع المراهق مكوّناً من فريق الأساتذة بالكامل، بالإضافة إلى ناظر القسم والمرشد التربوي والمرشد الديني، ويُضاف إلى هؤلاء مَن يُعنى بالأنشطة والفعاليّات اللاصفية كالنوادي مثلاً. هذا الفريق بالكامل يجب أن يكون مدركاً لدوره ومسؤوليّته، ومتهيئاً لأداء هذا الدور.

3ـ إعداد فريق مربٍّ قادر على التواصل مع المراهق. ومن الضروري لهذا الفريق امتلاك المعارف الخاصّة بتلك المرحلة العمرية، وخصائص المراهقة من الناحية الانفعاليّة والإدراكيّة والجسديّة والروحيّة والاجتماعيّة، والتقلّبات المزاجيّة التي ترافق المرحلة.

4ـ تعرُّف المربين بدقّة على حاجات المراهق، وتفهُّم هذه الحاجات والتعامل معها برحابة صدر، فإن الكثير من المربين يتنكّر لهذه الحاجات أو يتجاهلها اعتقاداً منه أنها غير واقعيّة أو غير منطقيّة.

5ـ يجدر بالمدرسة العمل على وضع الخطوات العمليّة المنسّقة والإجراءات المناسبة للتفاهم مع المراهق، والتعامل مع واقعه الخاص بأسلوبٍ مناسبٍ له. إنّ أكثر ما يعاني منه المراهق أن يجد أساتذته يتعاملون معه بنفس الأسلوب الذي يتعاملون فيه مع الأطفال، وبما لا يلحظ النضج الجسدي والعقلي والإدراكي والنفسي، مما يوجد هُوّةً كبيرةً بين المراهق وأساتذته، مما يضطرّه لمواجهتها بأسلوبه الخاص. إنّ أغلب المراهقين يشكون من عدم فهم الآخرين لهم، ما يدفعهم لردّات فعلٍ مستنكرةٍ من قبل المحيط، لذا فمن الضروري جداً أن نميّز في أسلوب تعاملنا مع المراهق بين ما يناسب هذه المرحلة وما لا يناسبها.

6ـ إشعار المراهق بالاعتراف به، والاستماع إليه باهتمام، ومنحه التقدير المناسب، واعتماد منهجية المصاحبة والمصادقة. هذا هو المدخل الأساس للتأثير في المراهق، حيث إن هذه الأمور من شأنها فتح الباب على مصراعيه للدخول إلى الواقع الخاص له، وتوفير الأرضيّة المناسبة للتعامل معه.

من الخطير جداً إدارة الظهر للمراهق، وإشعاره بعدم الاعتراف به وبأفكاره وآرائه، والإقدام على توهينها. ولعل الحديث المشهور ".. واصحبه سبعاً" أو "ستاً" حسب اختلاف النص المروي، يشير إلى هذا الأسلوب بالذات، ويتناول هذه المرحلة، وهي من 12-18 أو من 14-21، وربما كان الاختلاف في تقسيم المراحل بين ست سنوات لكل مرحلة وسبعة نتيجة الاختلاف بين الناس أو بين المجتمعات في مراحل النمو والنضج، وهي ليست ثابتة في كل أفراد البشر. إنّ أسلوب المصاحبة عند اعتماده من قبل المربيّ يكسر العديد من الحواجز النفسيّة ويُشعر المراهق بالاطمئنان والثقة، وهذا بلا شك يعزّز القدرة على فهم المراهق، ويفسح المجال لمناقشة قضاياه وهواجسه، وإلا فإن أسلوب الإملاء والتوجيه الفوقي لم يعد مناسباً لهذه المرحلة. لقد بيّنت الدراسات التي قمنا بها على شرائح من التلامذة المراهقين أنّ نسبة ملحوظة منهم 24.4% تفضّل اللجوء إلى الأصدقاء في عرض المشكلات التي تواجههم ومعالجتها، و28.4% من الشريحة نفسها التي أجريت عليها الدراسة تفضّل اللجوء إلى ناظر المدرسة، بينما 14% فقط ذكرت أنها تلجأ إلى الأهل، وهذه النسب تفرض تعديلاً في أساليب التعامل مع الشباب في سن المراهقة، لزيادة مستوى الوثوق بالأهل لديهم وكذلك نسبة الوثوق بالأساتذة والنّظار.

7ـ أن تولي المدرسةُ الأنديةَ المدرسيّة اهتماماً خاصّاً على الصعيد الكمّي والنوعي، لأن الأندية المدرسيّة يمكن أن تؤدي دوراً في معالجة مشاكل المراهق من عدّة جهات:
أولاً: الأنشطة التي تقدّمها الأندية لها دور جذاب، بعيداً عن قيود الصف والدراسة والاختبارات وغيرها، مما يشكّل عبئاً عليه، هي فرصة للخروج من الرتابة والروتين، وهو ما يميل إليه المراهق.
ثانياً: النوادي توفّر فرصة للعمل الفريقي، وتشكيل مجموعات متجانسة من حيث العمر والميول والرغبات، ويمكن من خلال ذلك النفوذ إلى مشاكل المراهق وإيجاد الحلول بشكلٍ غير مباشر.
ثالثاً: النوادي المدرسية فرصةٌ للتربية على القيم بأسلوبٍ مدروسٍ وعمليٍ شرط أن يكون المشرفون على هذه النوادي يمتلكون شخصية القدوة ويجسّدون قيم الدين عمليّاً، فهذا الأسلوب في التربية أجدى من طريقة التوجيه المباشر. وفي أحيانٍ كثيرةٍ يحصل العكس، عندما يكون المدرّب والمربي أنموذجاً سيئاً في سلوكه وخُلُقه فيكسبهم ذلك نتيجة محبوبيته وقدرته على التأثير.
رابعاً: يمكن للنوادي المدرسية أن توفّر بيئةً سليمةً لممارسة الهوايات وسدّ الحاجات التي يشعر بها المراهق، فيظهر من خلالها قدراته الجسديّة والفكريّة والعلميّة. ويحقق النجاح والتفوّق الذي يشكّل حاجة من حاجاته.
خامساً: من الطبيعي أن تؤدّي النوادي المدرسيّة دوراً في إبعاد التلميذ المراهق عن البيئة الملوّثة أخلاقيّاً وسلوكيّاً من خلال إيجاد البديل السليم والطبيعي.

* دور المجتمع
على ضوء ما تقدّم في بيان دور المدرسة في معالجة مشكلات المراهقين، يتّضح أن المجتمع والمؤسسات الاجتماعيّة والنافذين في أي محيطٍ اجتماعي بإمكانهم أن يقوموا بدورٍ فاعلٍ في هذا المجال، وذلك من خلال ما يلي:

أولاً: إيلاء المؤسّسات الاجتماعيّة التي تهتم بحاجات المراهقين أولويّةً في الاهتمام، حيث إنّ هذه الشريحة توشك أن تشكّل جيش الشباب الذين هم أمل الأمة وذخيرتها ومستقبل الوطن، فعليهم المعوّل في حفظ الاستقلال وفي بناء الاقتصاد وإعمار البلاد وإدارتها في مختلف المجالات، فالاهتمام بالمراهقين وتوفير بيئةٍ تربويّةٍ سليمةٍ تحتضنهم وتحصّنهم وتقيهم من الانحرافات وتفجّر طاقاتهم في الاتجاه الصحيح، يدخل في صناعة المستقبل. وعلى هذا الأساس يجب وضع سلّم أولويات في الاستثمار وفي الإنفاق وفي الجهود التي تُبذل، وإعطاء هذا الموضوع الترتيب الأوّل في الاهتمامات.

ثانياً: يمكن للمؤسّسات الاجتماعية أن تمارس دوراً فاعلاً في إرشاد الأهل وتدريب الأبوين على أنماط التعامل الصحيح مع المراهقين، وتوفير الأسرة الآمنة والمستقرّة القادرة على احتضان أبنائها وتربيتهم بشكلٍ سليم.

ثالثاً: المجتمع هو مدرسة كبيرة تعلّم وتربّي وتورث ما لديها من عادات وتقاليد وقيم وممارسات، وأيضاً ما تعاني منه من أمراض وانحرافات. المجتمع يورّث ما لديه من سلبيات وإيجابيات، وهذا يفرض على الأهل والمربين مسؤولية اختيار البيئة الاجتماعية السليمة والمدرسة المناسبة لمواجهة سلبيات ما يمكن أن يورثه المجتمع إذا ترك الأمر على رسله.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع

ولاد وجيه 74 بلوك k

يازيد نور

2021-04-12 17:46:01

رائع كان المقال رهيبا