مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

طاعة القائد سرّ الانتصار


آية الله الشيخ حسين المظاهري‏


﴿أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ﴾ (النساء: 59).
إنّ حفظ النظام الإسلاميّ وحمايته من أوجب الواجبات، حيث يتوقّف على روح التسليم للقائد، ويقابله التمرّد والعصيان اللذان يؤدّيان إلى هزيمة الإسلام؛ لذلك من الشروط التي يجب أن يلتزم بها المجاهدُ في سبيل الله تعالى أينما كان، طاعة القيادة والمسؤولين. فالتمرّد على القيادة الشرعيّة وعدم طاعتها يدلّان على الأنانيّة والتعصّب، وفي علم الأخلاق، إحدى طرق بناء الذات هي أن ينمّي الإنسان في نفسه روح التسليم للحقّ سبحانه وتعالى. فالانتقادات غير الصحيحة، وتوهين القادة والمسؤولين وإثارة الشائعات، وتوجيه الاتهامات كلّها تُعدُّ ذنوباً عظيمة، وهي أمورٌ محرّمة.


* الطاعة توجب المتابعة
إنّ أول عمل حقّقه الإسلام في بداية ظهوره كان انتخاب المسؤول والقائد. وقد نُفّذ هذا الأمر على يد الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم، الذي فكّر في مستقبل أمّته بعده، وأعلن أنّ الأئمّة المعصومين عليهم السلام هم القادة بعده. وعندما يأمر الله تعالى بإطاعة الرسول والأئمّة عليهم السلام، فأمرُهُ يعني وجوب متابعتهم بصورة كاملة، ويعني أنّ الفلاح والفوز في الدنيا والآخرة كما هما مرهونان بطاعة الله عزَّ وجلَّ هما مرهونان بطاعة الرسول والأئمّة عليهم السلام أيضاً.

ووليّ الله الأعظم عجل الله تعالى فرجه الشريف عيّن قائداً للأمّة في غيبته، واستناداً إلى حديث الإمام الصادق عليه السلام: "فإذا حكم بحكم ولم يقبله منه، فإنّما بحكم الله استخفّ، وعلينا ردّ، والرادّ علينا كالرادّ على الله، وهو على حدّ الشرك بالله"(1)، يتوجّب على الفرد المسلم الذي لا يتمكّن من الوصول إلى الإمام المعصوم عليه السلام أن يطيع الوليّ الفقيه.

ولهذا، فإنّ عدم إطاعة الوليّ الفقيه يعني الاستخفاف الصريح بحكم الله سبحانه؛ أي إنّ الرادّ على الوليّ الفقيه رادٌّ على حكم الأئمّة، والرادّ على حكم الأئمّة رادٌّ على حكم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؛ وبالتالي رادٌّ على الله تعالى، وهذا هو حدُّ الكفر. وممّا يجدرُ الانتباه إليه هنا، هو وجوب طاعة القادة والمسؤولين المعيّنين من قِبَل الوليّ الفقيه أو نائبه.

* لأنّهم نسوا الله لحظة
تدلّ مجريات التاريخ بوضوحٍ على أنّ الكثير من الهزائم والويلات التي مُنِيَ بها المسلمون كانت بسبب عصيان أوامر القيادة الإسلاميّة، وهذا ما تدعمه وتؤيّده النصوص القرآنيّة والأحاديث الشريفة. فما جرى في معركة أُحُد وهزيمتها، واستشهاد عددٍ من المسلمين ما كان إلّا بسبب عصيان أوامر القيادة وتجاوزها والانحراف عنها، فتلقّى المسلمون ضربةً قاسيةً في هذه المعركة، فكُسرت أسنان الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم وشُجَّت جبهته، وفيها استشهد سيّد الشهداء حمزة عمّ الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، إثر انهزام المسلمين. وقد سُئل النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم عن سبب الهزيمة، بعد انتهاء المعركة، فأجاب صلى الله عليه وآله وسلم: لأنّهم نسوا الله لحظة.

وفي معركة أُحُد نزلت هذه الآية: ﴿وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُم بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الأَمْرِ وَعَصَيْتُم مِّن بَعْدِ مَا أَرَاكُم مَّا تُحِبُّونَ مِنكُم مَّن يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنكُم مَّن يُرِيدُ الآخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ عَفَا عَنكُمْ وَاللّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ﴾ (آل عمران: 152).

* شروط النصر الإلهيّ‏
من المسلَّم به صدقُ وعدِ الله تعالى بنصرة المسلمين، ولكنّ تحقّق هذا الوعد يستلزم تحقّق شروط عدّة، وهي:
1- أن لا يكون للتعب وضعف الإرادة والتهاون طريق إلى المجاهدين.
2- أن تسود روح الاتّحاد والأخوّة والوئام بينهم.
3- الأهم، أن يُطاع القادة والمسؤولون، لحفظ النظم والوحدة.

* التفرقة تهدم المعنويّات‏
من الواضح أنّ جميع الانتصارات التي حقّقها الإسلام، أتت بفضل المعنويّات العالية المستمدّة من الله تعالى، وعناية إمام الزمان، إلّا أنّ هذه الرعاية ستُرفع عن هذه الأمّة، إذا دبّ الخلاف والفرقة والنزاع بين القادة والأفراد، وستتدهور معنويّاتهم، وفي هذه الحالة ستكون الهزيمة نصيبهم.
المفترض بالقائد والمسؤول أن يحرصا على الالتزام بأخلاق القيادة والمسؤوليّة في الإسلام، وأن يحرصا على احترام وجهات نظر الآخرين، ورعاية حقوقهم، وكذلك أن يحرصا على التعامل بالحسنى والشفقة والرحمة بمن تحت إمرتهما، وبالإيثار أيضاً، فيكونان بذلك قدوة، ومربّين ومعلّمين.

* طاعة القائد على كلّ حال
وإذا حدث -لا سمح الله- أن أحد القادة أو المسؤولين لم يلتزم بهذه المبادئ والأخلاق بصورة كاملة، فيجب التنبّه إلى أنّ التكليف يبقى قائماً على من تحت إمرته، بأن يلتزموا بواجبهم الشرعيّ (طاعة القائد أو المسؤول)؛ ففي المواجهة والمعسكرات، وأيّ محلٍ آخر للعمل تَجبُ طاعة المسؤول، بل تكون ضروريّةً حتى لو كانت للقائد بعض الأخطاء. [وليُعمل على معالجتها بالطريقة الحكيمة ضمن الإجراءات المرعيّة].

وإذا أمر القائد العام بأمرٍ أو قضى بحكم، فموقفنا لا يقتصر على طاعته ظاهراً فحسب، بل يجب أن نسلّمَ لأمرِهِ وحكمِهِ بقلوبنا وأرواحنا، ولا يُقال مثلاً: إنّي ألتزم بأوامر الوليّ الفقيه أو وكيله، ولكن رأيي شي‏ءٌ آخر.

﴿فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا﴾ (النساء: 65). ترتبط الآية الكريمة بالرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم، لكنّها تبقى ثابتة في النظام؛ أي أنّ هذا الموقف الذي تحدّده الآية الكريمة ينطبق على أوامر الإمام أيضاً، أو من يعيّنه ممثّلاً عنه، فالحكم حكمٌ واحد: حرمةُ العصيان والتمرّد ووجوب الطاعة.

* سلبيّة التمرّد
عندما كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يعيّن شابّاً صغيراً قائداً لجيش الإسلام، اعترض بعضهم على ذلك، وقالوا: نحن أكبر سنّاً، فلِمَ لا نكون القــــادة؟! لكنَّ الـــرسول صلى الله عليه وآله وسلم أسكتهم وأمر بطاعـــــة القائد الشابّ (أسامة بن زيد)، لكنّ بعض المسلمين تخلّفوا عن جيش أسامة، وتمرّدوا عليه، وعندما وصل الخبر إلى الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، قال جُملةً، يجدر بالمجاهدين جميعاً أن يصغوا إليها جيداً، ويجعلوها دائماً نصب أعينهم: "لعن الله مَن تخلّف عن جيش أسامة".

* الأرقى: حبّ القائد
في الصدر الأوّل للإسلام، كان حبّ المسلمين لقادتهم واتِّباعهم لهم أمراً مدهشاً حقّاً، حيث يُروى أنّه في أثناء المسير إلى معركة تبوك تأخّر الصحابيّ أبو ذرّ الغفاريّ (رضوان الله عليه)؛ بسبب ضعف جَمَله. وعندما وصل قال صلى الله عليه وآله وسلم: "أدركوه بالماء، فإنّه عطشان"، فأدركوه بالماء -بعد أن كان قد أُغمي عليه من العطش-، ووافى أبو ذرّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ومعه دواة فيها ماء، فقال صلى الله عليه وآله وسلم: "يا أبا ذرّ، معك ماءٌ وعطشت"؟ فقال: نعم يا رسول الله، بأبي أنت وأمي، انتهيت إلى صخرة وعليها ماء السماء، فإذا به عذبٌ باردٌ فقلتُ لا أشربه حتى يشربه حبيبي رسول الله"(2).


1- بحار الأنوار، المجلسي، ج101، ص262.
2- المصدر نفسه، ج21، ص215.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع