مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

أفراحُنا عينُ طاعتنا

الشيخ أمين سعد


الفرح والحزن من الانفعالات التي خُلقت مع الإنسان وجُبِلت عليها النفس الإنسانيّة. وقد حرص الإسلام على تربية كلّ الانفعالات الفطريّة وضبطها؛ لتؤّدي دورها الإيجابيّ في حياة الإنسان الدنيويّة والأخرويّة. فالفرح -كما الحزن- يُمدح ويُذمّ بمقدار ما يقرِّب أو يُبعِّد عن الله سبحانه وتعالى.

* الفرح الذي يحبّه الله
وليس الفرح محرّماً في الإسلام، كما يُروَّج لذلك؛ افتراءً على الدين أو اشتباهاً في تفسير بعض آيات القرآن الكريم أو الأحاديث الشريفة. وكمثال على ذلك قوله تعالى -على لسان قوم قارون المؤمنين مخاطبين إيّاه بعد نصيحته-: ﴿لَا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ﴾ (القصص: 76). وقد بيَّن المفسِّرون المقصود من الفرح الذي لا يحبّه الله وهو الفرح الذي صاحبَته زخارفُ الدنيا وزينتُها فأنسَته ذكر الله وطاعته، وأوقعه فرحه في البغي والفساد والبطر وكفران النِّعَم، كما حصل مع قارون نفسه. ولذلك ورد عن أمير المؤمنين عليه السلام في صفات المؤمن: "لا يخرق به فرح، ولا يطيش به مَرَح"(1).
ولم يفتِ أحد من علماء الإسلام بحرمة الفرح والسرور مطلقاً، وكيف يحرِّمون ما جُبل وفُطر عليه الإنسان، ولا سيّما الفرح بالمناسبات الدينيّة السعيدة، كالأعياد الإسلاميّة وولادة النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم والأئمّة عليهم السلام، وانتصارات المسلمين على أعدائهم وأعداء الدين؟!
بل يمكن القول باستحباب إحيائها والفرح بها واعتبارها عبادة؛ لأنّه ينطبق عليها عنوان "تعظيم الشعائر الإسلاميّة"، وقد قال تعالى: ﴿ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ﴾ (الحج: 32)، بل يمكن أيضاً إدخالها تحت عنوان "الترويج للدين"، وإظهار عظمة وقوّة الإسلام والمسلمين ووحدتهم وتآلفهم وتعاونهم.

* الفرح الموصل إلى الآخرة
فالفرح في تلك المناسبات حقيقةً هو فرحٌ بالله وبدينه وهدايته إلى الصراط المستقيم ورضاه تعالى. فما أجمل وأعظم الفرح في أيّ أمرٍ كان! وكلّ فرحٍ يكون لله ولو كان فرحاً دنيويّاً، فهو يَعبُر بنا إلى الآخرة، ويذكّرنا بالله، وهو فضل من الله ورحمة، كما قال تعالى: ﴿قُلْ بِفَضْلِ اللّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ﴾ (يونس: 58).
فلنفرح بنعم الله الظاهرة والباطنة التي تحيط بنا من كلّ جانب، وتذكّرنا بالله، وتوجب علينا الشكر.

1- الفرح بنعمة العبادة

فلنفرح حين نُطيع الله تعالى، وحين نحافظ على صلواتنا بآدابها وفي أوقاتها، وحين صيامنا وفطرنا، وحين حجّنا وجهادنا، وأمرنا بالمعروف ونهينا عن المنكر، ولنفرح حين نتفقّه في معارف ديننا وأحكام شرعنا وتحلّينا بالفضائل، كالقناعة والتوكّل على الله والثقة به، على قاعدة الحديث الشريف: "مَن سرّته حسنتُه وساءته سيّئته فهو مؤمن".
فلنفرح بصلة الأرحام وكفِّ الأذى عن المؤمنين والإحسان إليهم وقضاء حوائجهم.

2- الفرح بنعمة التمهيد

ولنفرح بنعمة الاستعداد لنصرته عجل الله تعالى فرجه الشريف، وتهيئة الأسباب لخروجه عجل الله تعالى فرجه الشريف، والتوطئة لذلك بنعمة الانتصارات التي حقّقها الممهّدون في هذا الزمن الذي تخاذل فيه أكثر المسلمين عن نصرة الإسلام وأهله، فاختصّنا الله تعالى بنعمة العزّة والكرامة والعيش بأمان وحريّة. قال تعالى: ﴿وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ * بِنَصْرِ اللَّهِ﴾ (الروم: 4-5).
هذه بعض مظاهر الفرح وأسبابه، والتي لها، مضافاً إلى آثارها النفسيّة الدنيويّة، آثارٌ روحيّة ومعنويّة؛ لارتباطها بالله وطاعته، كما بيَّنَّا قبل قليل، بل حتّى الفرح بالأسباب والمناسبات الدنيويّة التي ليس لها أيّ هدف أو صبغة دينيّة والاحتفال بها، كمناسبات الزفاف وتولّد الأبناء والنجاح والتخرّج التي توجب فرحة وسرور الإنسان عادةً بذلك، فليس فيها أيّ إشكال شرعيّ.

* الفرح المذموم
نعم، قد أفتى الفقهاء بحرمة إقامة الحفلات والمراسم التي يحصل فيها تجاوزات مخالفة للشرع الحنيف، كاختلاط النساء بالرجال الأجانب والرقص أمامهم، والغناء والموسيقى المناسبَين لمجالس اللّهو والفسق، وشرب الخمر والفحش والبذاءة وإثارة الغرائز والشهوات.

* الترفيه عن النفس
وكذلك يجوز للمرء أن يرفِّه عن نفسه باللهو واللعب والتنزّه والمزاح، ولا حرمة في شيء من ذلك ما لم يستلزم أمراً محرّماً أو ينطبق عليه عنوان يبغضه الله، كالصيد لأجل اللهو والتسلية واللعب بآلات القمار، والتنزّه في ممتلكات الآخرين من دون إذنهم أو في الأماكن التي لا يُراعى فيها الاحتشام في اللّباس، كأماكن السباحة المختلطة، والمزاح الذي يوجب أذيّة المؤمنين وهتك أعراضهم وغيبتهم وبذر الحقد والعداوة في ما بينهم والمزاح كذباً والتلفّظ بألفاظ الفحش.

* المزاح الممدوح
قد يكون أصل المزاح راجحاً –ولو أحياناً-، فقد رُوي عن الإمام الصادق عليه السلام: "ما مِن مؤمن إلّا وفيه دعابة، قلت: وما الدعابة؟ قال عليه السلام: المزاح"(2).
وفي رواية أخرى عن معمر بن خلّاد قال: سألت أبا الحسن عليه السلام فقلت: جُعلت فداك الرجل يكون مع القوم فيجري بينهم كلام يمزحون ويضحكون؟ فقال عليه السلام: "لا بأس ما لم يكن"، فظننتُ أنّه عَنَى الفحش، ثمّ قال عليه السلام: "إنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان يأتيه الأعرابيّ فيهدي له الهديّة، ثمّ يقول مكانه: أعطِنا ثمن هديّتنا، فيضحك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. وكان إذا اغتمَّ صلى الله عليه وآله وسلم يقول: ما فعل الأعرابيّ؟ ليته أتانا"(3).
طبعاً يظهر من الروايات أنّه يكره كثرة المزاح.

ختاماً، فقد تلخّص ممّا تقدّم أنّ الفرح ليس محرّماً في الإسلام، بل بعض وسائل الفرح ممدوح. ومن هنا، لا بدّ للمسلم الذي يهتمّ بدينه ورضا ربّه أن يتفقَّه في دينه ويتعلّم أحكام شرعه ليميِّز بين المحرَّم وغيره وأن يعزم على طاعة ربّه ولا يتبع ميوله وأهواءه حتّى لا يخسر نفسه ورضا ربّه.


1- الكافي، الكلينيّ، ج2، ص229.
2- (م.ن)، ج2، ص366.
3-بحار الأنوار، المجلسيّ، ج16، ص259.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع