مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

أول الكلام: فرحين بما آتاهم الله

الشيخ بسّام محمد حسين



الفرح والحزن هما انعكاسان لحالتين نفسيّتين يعيشهما الإنسان كردّ فعل على أشياء يجد فيها اللذّة أو الأُنس تارة، والألم أو الانكسار تارةً أخرى.

والمؤمن بالله تعالى إذا كان هدفه من وراء حياته الوصول إلى الدار الآخرة، فلا شكّ في أنّ ميزان فرحه وسروره كما حزنه وألمه، ينبغي أن يكون بمقدار ما يقرّبه الفعل من الطاعة لله تعالى أو يُبعده عنه. ولذا، جاء عن الإمام الصادق عليه السلام قوله: "من سرّته حسنته وساءته سيّئته فهو مؤمن"(1).

والحدّ الفاصل بين الفرح والطاعة وبين الحزن والمعصية ما أشارت إليه الروايات، كما روي عن الإمام أبي جعفر الباقر عليه السلام أنّه قال: "إنّما المؤمن الذي إذا رضيَ لم يُدخله رضاه في إثم ولا باطل، وإذا سخط لم يُخرجه سخطه من قول الحقّ، والذي إذا قدر لم تخرجه قدرته إلى التعدّي إلى ما ليس له بحقّ"(2).
ولأنّ الفرح يعبّر عن السعادة، فقد ذكره الله تعالى في حقّ الشهداء: ﴿فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ﴾ (آل عمران: 170).
ولكن الأمر الذي ينبغي للمؤمن أن يتنبّه له، هو أن للفرح مظاهره المختلفة التي تميل إليها النفس عادة، كما جاء في وصف النفس في "مناجاة الشاكين" لإمامنا زين العابدين عليه السلام: "ميّالة إلى اللعب واللهو، مملوّة بالغفلة والسهو". وهذا الميل يسبّب تزيين كثيرٍ من الأعمال السيّئة تحت مسمّى الفرح، فيقع الإنسان في شرك الشيطان ويُبتلى بالمعاصي والذنوب التي نهاه الله تعالى عنها.
والشيء الذي قد لا يلتفت إليه المؤمن من جهة أخرى، هو الفرح بنعم الله والسرور بطاعته، وذلك خوفاً من حصول العجب بالنفس والافتخار بالعمل. ولكن هذا المحذور ينبغي أن يجد له علاجاً لا يمنعه من أن يعيش السرور بالطاعة، فما أجمل أن يفرح الإنسان بنعم الله عليه، ويأنس بطاعة ربّه، وأن يتلذّذ بقراءة آياته ودعائه ومناجاته، فالله تعالى يقول: ﴿قُلْ بِفَضْلِ اللّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ﴾ (يونس: 58).

ومن هنا كان لأولياء الله تعالى وعباده فرحهم ولذّتهم، التي لا تُقاس بها لذات الدنيا الطفانية، فهذا إمامنا الحسين عليه السلام يطلب من أخيه العباس عليه السلام أنْ يستمهل الأعداء ليلة العاشر من المحرم: "ارجع إليهم واستمهلهم هذه العشيّة إلى غدٍ لعلّنا نصلّي لربّنا الليلة وندعوه ونستغفره، فهو يعلم أنّي أُحب الصلاة له، وتلاوة كتابه، وكثرة الدعاء والاستغفار"(3).
وإذا كان الفرح تعبيراً عن سعادة الإنسان، فهل هناك أسعد ممّن يكون في جوار ربّه مع الأنبياء والأولياء، مع محمد وآل محمد؟ فعن محمد بن الفضيل، عن الإمام الرضا عليه السلام قال: قلت: ﴿قُلْ بِفَضْلِ اللّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ﴾، قال: "بولاية محمد وآل محمد عليهم السلام خيرٌ ممّا يجمع هؤلاء من دنياهم"(4).

ومن هنا، جاء في الروايات ضرورة الاهتمام بالفرح لفرح أولياء الله والحزن لحزنهم، وأنّ ذلك من أسباب اللحوق بهم يوم القيامة، لكونهما عنواناً للتولّي والاتّباع، فعن الإمام الرضا عليه السلام أنّه قال: "يا بنَ شبيب، إنْ سرّك أنْ تكون معنا في الدرجات العلى من الجنان، فاحزن لحزننا وافرح لفرحنا، وعليك بولايتنا، فلو أنّ رجلاً تولّى حجراً لحشره الله معه يوم القيامة"(5).
والحمد لله ربّ العالمين.


1- الكافي، الكليني، ج 1، ص 232.
2- (م.ن)، ص234.
3- مقتل الحسين عليه السلام، المقرَّم، ص 219.
4- الكافي، (م.س)، ج 1، ص 423.
5- الأمالي، الصدوق، ص193.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع