نور روح الله | يوم القدس: يوم الإسلام* إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين

القرض المصرفي: آخر الحلول لا أوّلها

تحقيق: زهراء عودي شكر

إن تسويق البنوك للقروض على اختلاف أنواعها، وتقديم التسهيلات المصرفية المزخرفة لتسديدها، دفعت كثيراً منا إلى التوجّه فوراً، وبدون تفكير، نحو الاقتراض المصرفي لحلّ أزمة ماليّة، أو لشراء إحدى الحاجات سواء كانت سيارة أو منزلاً أو... ولكن مع وقوع الناس في شرك تلك القروض، ومع دخولهم في معْمَعات تسديدها وإجراءاتها، بات البعض يفكر مرتين قبل الاقتراض من البنوك. وهنا نسأل: هل القرض المصرفي يمثّل الحلّ الوحيد لأزمةٍ ماليّةٍ ما أم أنّ هناك حلولاً بديلة بحيث تتفادى مشكلة الفوائد والربا والعبء المتراكم. يحاول هذا التحقيق تتبّع بعض المحاولات الجدية.

*بين ناري القرض والعوز المادي
إنَّ غرق الناس في مشاكل القروض التي تبدأ بالإجراءات، مروراً بالفوائد العالية، وصولاً إلى طول فترة السداد الزمنيّة، استدعت الانتباه إلى عواقب الأمر، والتفتيش عن حلول بديلة، وجدها البعض عصا سحرية انتشلته من وعكة ماديّة ملمّة به. واللافت أنّ هذه الحلول التي هي في جلّها مقترحة من قبل خبراء ماليين لم تكن عبارة عن تأمين بديل مادي في عدد من المواقع، بل كانت تعتمد التوجيه والترشيد كحلّ للمعضلة المادية الاستثمارية أو الاستهلاكية، ومن جملة تلك الحلول: اللجوء إلى الجمعيّات النظامية (في إطار العائلة أو الزمالة..)، أو عبر الادّخار المسبق، وما شابه.

ولعلّ خوض غمار التجربة خير وسيلة لتلافي الوقوع لاحقاً في مأزق القروض، وهذا ما أكده المهندس أحمد ح. قائلاً: "إنّ قرض شراء السيارة الذي ابتليت به جعلني أدرك معنى الاقتراض وسلبياته، فمن خلاله خسرت 5000 $ فوائد، كما أُرهقت خمس سنوات بالتسديد الذي ما كان لينتهي، وبعد هذا وذاك بعت السيارة بنصف ثمنها، فكانت الخسارة الكبرى. كان القرض تجربة علّمتني عدم تكرارها، والتفكير مليّاً قبل الإقدام على أيّ مشروع بحاجة للتمويل".

وبالنسبة إلى هاني ق، لا يعنيه القرض من أصله، ويشرح ذلك قائلاً: "بما أنّي لا أستوفي الشروط اللازمة للحصول على قرض لا أشغل بالي كثيراً به، وفي حالات الضيق التي أحتاج فيها إلى سيولة غالباً ما ألجأ إلى البديل عبر الاقتراض من قريب لمدة محدودة أو عبر الاشتراك في جمعية تيسّر أمري والأهم أنها لا تحمّلني أعباء فوائد".

أما السيدة سلام د، التي تسدّد قرضاً سكنياً فهي تقوم بتيسير أمورها الماديّة العالقة عبر رهن ما تمتلك من الذهب أو من خلال الجمعيات، تقول متأففةً: "لولا الظروف القاهرة ما كنت لأستدين ولكن كبر المبلغ المتعلق بثمن الشقة أجبرني على سحب قرض سكني سيظلّ يرافقني إلى آخر العمر".

أما السيدة آمال فلا تعرف للبنوك باباً، فهي تقوم بتنظيم جمعيّات متواصلة مع الأصحاب والأقارب لتوفير مبلغ مالي لها كما لهم، وترى "أن الجمعيّة طريقة تقليدية فعالة يمكن من خلالها الحصول على مبلغ معين يقضي حاجة ما". وتضيف: "ربما القروض المصرفية ابتكرت لميسوري الحال وليست لنا".

*حلول أفضل من القرض
حدّد خبراء ماليّون عدداً من الحلول التي يمكن اللجوء إليها عند الحاجة إلى سيولة نقدية، منها اتّباع خطّة مالية مبكرة تتضمّن الادخار من أجل المستقبل ومواجهة الحالات الطارئة، وتدبير سيولة من مصادر أقلّ كلفة من الاقتراض من البنوك مثل:

1 - عمل نظام مالي تعاوني مع الزملاء والمعارف (الجمعية)، بحيث يمكن الحصول على مبلغ نقدي دفعة واحدة، ثم سداده على أقساط شهرية فيما بعد من دون فوائد.

2 - لفت الخبراء إلى حلول أخرى بديلة عن الاقتراض، مثل الاستفادة من النظم التي توفّرها البنوك لخطة السّداد المرنة عبر الشراء بواسطة البطاقات الائتمانية التي تتيح تقسيط ثمن المشتريات على أقساط شهرية لمدة تصل إلى العام من دون تحمل الفوائد، أو اتّباع خطط مالية مبكرة تبدأ باستثمار مبالغ صغيرة تزداد تدريجياً.

كما أشاروا إلى أن خط الدفاع الأول أمام الانسياق لمغريات القروض هو القدرة على دراسة الغرض من القرض وتحليل الدخل مقارنة بالاقتراض وذلك قبل الإقدام عليه، ومحاولة البحث عن بديل له خصوصاً إذا كان من أجل أغراض استهلاكية لأن من شأن ذلك خنق الناس والضغط على دخلهم.

ولعل إدراك هذه العواقب يجعل العديد من الناس يتراجعون عن قرار الاقتراض قبل الإقدام عليه.

*القرض الحسن: نافذة حل
بعيداً عن القروض المصرفية التي تشوبها الشكوك الربويّة وأعباء التكاليف الإضافية الناتجة عن الفوائد، ظهرت جمعية مالية "تعاونيّة" من رحم الحاجة إلى قروض ماديّة محدودة وقصيرة الأمد، وكانت هي مؤسسة القرض الحسن التي تأسّست عام 1982، وتتوزع فروعها الواحدة والعشرون، اليوم، في كافة المحافظات اللبنانية، تحت شعار "لمجتمع متكافل"، وتتركز مساعدتها الاجتماعية، في منح القرض المالي للمحتاج مع مراعاة مشاعره.

ونظراً لكون هذه المؤسسة تشكّل أحد الحلول للقروض البنكية، كان لا بدّ لنا من وقفة خاصّة مع إدارتها للاستيضاح أكثر عن أعمالها وأهدافها وشروطها وميزاتها عن سائر القروض، فشرحها لنا الأستاذ عادل منصور(*) قائلاً: "إن أهداف جمعية القرض الحسن تتلخص في مساعدة المقترض في قضاء حوائجه، وتعزيز روح التكافل والتضامن بين أفراد المجتمع.
أما السياسات المتبعة فهي عديدة أهمها: عدم التمييز بين المقترضين، وإعطاء قروض قصيرة الأجل وقروض صغيرة أو متوسطة الحجم. ولعل أبرز ما يميز الجمعية عن المصارف بشكل أساس أن القروض غير ربويّة، أي لا توجد فوائد عليها إلا بعض الرسوم البسيطة وهي عبارة عن تكاليف صرف القرض من (موظفين، إيجارات، مطبوعات...)".

أما بالنسبة إلى أشكال القروض التي تقدمها الجمعية، فيفندها الأستاذ عادل لنا كالآتي: "تعتمد الضمانات المالية والعينية مقابل القروض المعطاة، حرصاً على استمرارية عملها. وتتوزع القروض على فئات عدة: "القرض برسم الذهب" الذي يتيح لطالب القرض الذي يملك كمية من الذهب الحصول على قرض حسن بضمانة ذهبه، و"القرض بضمان مساهمين" الذي يتيح للمقترض أن يحصل على كفالة حساب مساهم واحد أو أكثر، و"القرض بضمان مشاركين" الذي يتيح للمشتركين، فضلاً عن الاستفادة من القروض، كفالة مشتركين آخرين للحصول على قروض حسنة من الجمعية.

هذا الى جانب الصناديق التي تؤسسها الجمعية، إذ تبادر إلى تشجيع أهالي القرية الواحدة على تأسيس "صندوق القرى". كما تهتم بإنشاء "صندوق الجمعيات والمؤسسات الأهلية" الذي يتيح لموظفيها والمستفيدين منها عبر تقديمات ثابتة الحصول على قروض ميسرة. أضف إلى ذلك "صندوق التكافل الاجتماعي" الذي يؤسسه أشخاص تجمع بينهم روابط معينة (أقارب، جيران، زملاء عمل، ...)، ليستفيدوا بدورهم من قروض ميسرة، دورياً.

وعن نسبة الاقتراض من الجمعية يوثّق الأستاذ عادل حديثه بجداول العام 2013 إذ إن عدد القروض "بلغ أكثر من 110 آلاف قرض بقيمة تفوق 250 مليون دولار، مع العلم أنّ عدد المشتركين في المؤسسة يفوق 150 ألف مشترك". ويعود منصور ليؤكد على أن هذه القروض وهذه المؤسسة "ليست بديلة عن المصارف في القروض الكبيرة لأن الجمعية مختصة فقط قي القروض الصغيرة والمتوسطة. كما وينصح دائماً "بدراسة الحاجة إلى الاقتراض جيداً ودراسة القدرة على التسديد".

*استشارة خبير
وكما لكل شيء إيجابيات وسلبيّات كذلك القروض، فتأثيراتها على الفرد تتوزّع بين السلبي والإيجابي، ويوضح ذلك أكثر الخبير الاقتصادي الدكتور كامل وزنة الذي يجد أن "الدين أو القرض له تأثير إيجابي باعتبار أنه يشكّل منفعة مستقبليّة للفرد أو الأسرة أو المؤسّسة، على سبيل المثال في حالات شراء عقار أو الاستدانة للحصول على فرص تعليمية وغيرها من الخدمات التي تؤدي إلى تطوّر المؤسسة والشخص. ولكن هناك قروض سلبية، كقروض شراء سلع ترفيهية لا تقدم أي منفعة اقتصادية كشراء سيارة أو إنفاق مبالغ كبيرة على الكماليات التي تنخفض أسعارها مع مرور الزمن".

*القرض عبء على الفرد
أما آثار القرض على حياة الفرد على المدى القريب والبعيد من الناحية النفسية والمعيشية، فيؤكّد الدكتور وزنة قائلاً: "إن القروض ترتّب عبئاً نفسياً واجتماعياً على الفرد. فالقروض لغير الأمور الضرورية والأساسية تدخل الفرد في دوّامة من الاستدانة كما هي الحال في المجتمعات الغربية، لأنّ مبدأ "اصرف ما في الجيب يأتك ما في الغيب" هو سياسة خاطئة، والدراسة البديهية تقضي بأن يتصرّف الإنسان بعقلانية وأن يلتزم بالموضوعية المالية في تسيير أموره وحاجاته".

*الادخار أحد الحلول
يعرّج الدكتور كامل على بعض الحلول البديلة للقروض المصرفية التي يفتتحها بالادّخار، "بالتأكيد التعلّم على الادّخار ولو بنسبة 10 % من مدخول الشخص يوفّر ويعلّم الناس على الانضباط، فمن المطلوب من كل عائلة أن تعلّم أبناءها كيفية تنظيم أمورها المالية وحتى لو كان المبلغ صغيراً، فتعلّم وضع ميزانية من الصغر له منافع في الكبر". أما في الحالات التي يضطر فيها الفرد للاستدانة فينصح بأن تكون عملية الاقتراض "من الأهل والأقارب طبعاً، إن أمكن، أو من أطراف لا تكبّلك بالفوائد".

ويختم الدكتور كامل وزنة حديثه بنصيحة للمقترضين تحثّهم على أن "تكون هذه العملية ضمن رؤية مدروسة، لأن التقاعس عن الدفع يكون له تكلفة على ممتلكاته وحرّيته الشخصية".

كمحصّلة لما سبق، نرى أنّ الوقاية من القروض تبدأ بتدريب النفس على القناعة وبالابتعاد عن النفقات الزائدة عن الحد، مثل شراء منزل كبير أو سيارة فاخرة، لأن وضع السيولة المدخرة في مثل هذه الأغراض يجعلها غير متوافرة عند الحاجة الفعلية، وفضلاً عن ذلك لا بد من التخطيط للمستقبل من أجل تحقيق أهداف على مدى زمني طويل.


(*) المدير التنفيذي ونائب مدير عام مؤسسة القرض الحسن.

 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع