صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين آخر الكلام | الضيفُ السعيد الافتتاحية| الأمـومـــة... العمل الأرقى  الشيخ البهائيّ مهندسٌ مبدعٌ في العبادةِ... جمالٌ مع الخامنئي | نحو مجتمع قرآنيّ* اثنا عشر خليفة آخرهم المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف* أخلاقنا | اذكروا اللّه عند كلّ نعمة* مناسبة | الصيامُ تثبيتٌ للإخلاص

آداب الاقتراض

زهرة بدر الدين

يعتبر القرض أحد أشكال المعاملات الماليّة والذي تستدعي الحاجة إليه لظهوره في الحياة الاجتماعية بشكل خاص والاقتصادية بشكل عام، وتُراعى فيه مصالح الفرد والمجتمع. لذا، فقد وصفه الشرع الإسلامي بتوصيف خاص من حيث التعامل وذكر أحكاماً خاصة له وضوابط لتنفيذه.

*القرض عقدٌ مع الله
كثُرت اليوم الحاجة إلى القروض نسبة لتدهور الحياة الاقتصادية وضغوط الحياة على الفرد. وكي يبقى الإنسان ضمن إطار الشرع السليم، رسم الشرع إطاراً خاصاً له، وميّزه عن غيره من العقود بأنه عقد مع الله تعالى، وهو إقراض لله عزَّ وجل. وذلك إشارة إلى الحثّ على قضاء حاجة الإنسان المؤمن. "يضع الله نفسه إلى جانب المحتاجين إلى القرض فيطلب القرض لهم بطلبه له، وكأنه يجعل نفسه كفيلاً وضامناً للمحتاجين، لقوله: ﴿من ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللّهَ قَرْضًا حَسَنًا (البقرة: 245)"(1).

*الفرق بين القرض والصدقة
الصدقة تُعطى للفقير والغني، ولا يشترط فيها الفقر وإن كان لحاظ الفقر أفضل. لأن الصدقة تقع بيد الله تعالى وعلاقتها معه وليس مع المتصدَّق عليه. بينما القرض لا يكون إلّا عن حاجة واحتياج إليه فيكون المقترض أشدّ حاجة من المتصدَّق عليه، ولهذا كان القرض إقراضاً لله تعالى للتأكيد والحثّ عليه أكثر من الصدقة.

ورد عن الإمام الصادق عليه السلام: "مكتوب على باب الجنة: الصدقة بعشرة والقرض بثمانية عشرة. وإنما صار القرض أفضل من الصدقة لأنّ المستقرض لا يستقرض إلّا من حاجة، وقد يطلب الصدقة من لا يحتاج إليها"(2).

*القرض الحسن
ذكرت كلمة القرض في القرآن خمس مرات، وفي كل مرة قُيّدت بصفة الحسن، وذلك إشارة إلى:

1 - خلوصه من أي نوع من أنواع الربا.

2 - إن هذا المال لن يخسره المقرض، لأن تعامله مع الله تعالى، ولن يخذله وسيرجعه إليه. ولكون التعامل مع الله، فإن القرض سيتضاعف له أضعافاً كثيرة، وإذا ما أيقن الإنسان بذلك، فإنه سيتشجع أكثر إلى إقراض المؤمن وقضاء حاجته.

3 - عدم المِنّة على المقترض، لأنّ القرض هو لله وليس له أن يمنّ على الآخرين بأنه ساعدهم أو أقرضهم من ماله الخاص. وبذلك يكون عمله خالصاً لوجهه الكريم.

بل إنه "كما يتوقف تلقّي الفيض الإلهي على الصّدقة والبذل، كذلك يتوقف على الإقراض واستعادة أصل المال من دون زيادة وهو ما يسمى بالقرض الحسن"(3).

ويذكر الشيخ قراءتي أن للقرض الحسن فوائدَ وبركاتٍ عدّة، منها: أنه يزيد في المحبة، ويحفظ ماء الوجه، ويحول دون الإفلاس، ويصلح الوضع الاقتصادي في المجتمع، ويحول دون رواج الربا، ويضبط الحرص والبخل، وينشر ثقافة التعاون في المجتمع(4).

*شروط القرض الحسن
ذكر في مجمع البيان(5) أن للقرض الحسن شروطاً عدة، وهي أن:

1 - يكون القرض من المال الحلال.
2 - يُصرف من المال السليم الذي لا عيب فيه.
3 - يكون للمصاريف الضروريّة.
4 - لا تشوبه منّة من أحد.
5 - يكون بعيداً عن الربا.
6 - يُنفق بمحبة وإيثار.
7 - يُنفق بسرعة من دون توانٍ وتراخٍ.
8 - يشكر المقرض الله تعالى على منّته ونعمته تلك.
9 - يُنفق سرّاً.
10 - تُصان كرامة المقترض ويحافظ على ماء وجهه من الذلّ والأذى.

*آداب القرض والاقتراض

أولاً: إنظار المعسر:
إن لم يستطع المقترض تسديد القرض عند حلول الأجل، فإنّه يستحبّ للمُقرِض إنظاره وإمهاله إلى حين المقدرة. ونظراً لأهمية هذا الأمر فإنّ الله تعالى ذكر ذلك بقوله: ﴿وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ (البقرة: 280). ويُراد من ﴿فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ إمهاله والصبر عليه إلى أن تتيسّر أموره. وهذه الآية ينطبق عليها القرض الذي له أمد محدّد، فإذا ما انتهى هذا الوقت المحدد فإنه يجب على المقترض أن يسدّد القرض للمقرِض، وإنْ لم يستطع لسبب عُسر في وضعه المادي، وعدم قدرته على التسديد، فإن الأدب القرآني جاء ليؤدّب العبد بإمهال المقترض والصبر عليه إلى أن يتحسن وضعه المادي، فإنه إن صبر عليه فإن الله تعالى سيجزيه الحسنى.

وقد ذكرت الروايات نماذج من "الجزاء الحسنى" منها:
أ- إمهال كل يوم يعادل صدقة: فقد جاء عن الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم: "من أنظر معسراً كان له في كل يوم صدقة بمثل ما له عليه حتى يستوفي حقه"(6).
وأيضا ورد عن فضيل بن يسار قال: "قال الإمام الصادق عليه السلام: ما من مؤمن أقرض مؤمناً يلتمس به وجه الله إلّا حسب الله له أجره بحساب الصدقة حتى يرجع إليه ماله"(7).

فإنّ صبره عليه بمثابة صدقة بمقدار المال الذي أقرضه ويبقى كذلك حتى يسترد ماله.

ب- يظله الله بظله ويرحمه: ورد عن الإمام الصادق عليه السلام: أنه قال: "من أراد أن يظلّه الله يوم لا ظلّ إلّا ظلّه -قالها ثلاثاً- فهابه الناس أن يسألوه، فقال: فلينظر معسراً أو ليدع له من حقه"(8).

ج- إجابة دعوته: عن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: "من أراد أن تستجاب دعوته وأن تكشف كربته فليفرّج عن معسر"(9).

ثانياً: عدم إهمال المقترض:
في الوقت نفسه الذي تؤكد الروايات والآيات الشريفة على إمهال المقترض المعسر، إلّا أنه يجب أن لا يهمل المقترض أداء القرض عند حلول أجله، بل يسعى قدر إمكانهِ لتسديدهِ والالتزام بالمدة المحددة للتسديد. وقد ذُكر في الفقه أنّ على المقترض السعي لتسديد قرضه حتى لو استلزم بيع ما يملك إلّا ما استثناه الشرع، وهي حاجياته الخاصّة والضروريّة ومنزله منها.

ثالثاً: الزيادة للمقترض من حسن القضاء:
كلّ زيادة تطرأ على القرض محرّمة وتعدّ من الربا لأنها لصالح المقرِض، أما الزيادة التي تكون للمقترض فلا تَحرُم، بل تُستحب وتعتبر من حسن القضاء، وخير الناس أحسنهم قضاءً(10).

رابعاً: عدم الاقتراض إلّا لحاجة ضرورية:
يكره الاقتراض مع عدم الحاجة إليه، وتقلّ الكراهية مع وجود حاجة تدعو إليه، وكلما قلّت الحاجة اشتدت الكراهة إلى أن تزول، بل ربما وجب لو توقف عليه أمر واجب كحفظ نفسه أو عرضه(11).

خامساً: توثيق الدين أو القرض بالضمان أو الرهن:
وردت روايات عدّة وآيات قرآنية تؤكّد على أهميّة توثيق الدّين، منها قوله تعالى: ﴿وَإِن كُنتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُواْ كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَّقْبُوضَةٌ (البقرة: 283).
فلا يختصّ هذا الحكم في حالة السفر فقط، بل هو حكم عام يشمل كلّ حالات الاقتراض والدين.
وللتوثيق أشكال، فقد يكون بالضمان أن يتعهد إنسان بأن يؤدي ديْن إنسان آخر. وهذا وارد بالكتاب والسنة وبهذا عُرف القرض بأنه: "تمليك مال لآخر بالضمان بأن يكون على عهدته أداؤه بنفسه أو بمثله أو قيمته"(12).

سادساً: الإحسان إلى المقرض:
من الآداب، أيضاً، النظر بإحسان إلى المقرض بأن يكافئه على مساعدته ويجازيه بأحسن الجزاء، ويستحبّ أن يعطيه مبلغاً جزاءً له على فعله، ويكره للمقرض أخذه خصوصاً إذا كان إقراضه لأجل ذلك(13).

الخاتمة: إذاً، تبين أن للقرض أبعاداً فرديّة واجتماعيّة وعباديّة، وله ارتباط وثيق بالعلاقة مع الله تعالى من خلال خدمة ومساعدة الناس. وكلما جاءت كلمة القرض في القرآن وصفت دائماً "بالحسن" إشارة إلى مجموعة آداب تحفظ ماء وجه المقترض وتزيد ارتباط الإنسان مع الله تعالى من خلال تلمس روح العبودية والاستشعار بأنه يقرض الله تعالى، وبذلك يتضاعف ماله فلا ينقص، وتكون له بذلك آثار دنيوية وأخروية.


1- تفسير النور، قراءتي، ج9، ص451.
2- ميزان الحكمة، الريشهري، ج8، ص124.
3- تفسير النور، م.س، ج9، ص462.
4- م.ن، ص450.
5- مجمع البيان، الطبرسي، ج9، ص301.
6- ميزان الحكمة، م.س، ج8، ص125.
7- الكافي، الكليني، ج4، ص36.
8- م.ن، ص37.
9- م.ن، ص126.
10- تحرير الوسيلة، الإمام الخميني، ج1، ص615.
11- م.ن، ص613.
12- م.ن.
13- م.ن، ص615.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع