لقاء مع مدير عام الدفاع المدنيّ في الهيئة الصحيّة الإسلاميّة
حوار: لطيفة الحسينيّ
لا تُبارح الهيئة الصحيّة الإسلاميّة كلّ بقعة تحتضن مُستغيثاً. قبل 36 عاماً تأسّست، ومبادئها هي هي، لا تبديل عنها: خدمة المستضعفين وعونهم حتّى النجاة. خلال تلك السنوات كلّها، راكمت الهيئة تجاربَ أغنتها خبرةً؛ إسعافات، إنقاذات، إطفاءات. مُهمّات جمّة لا تنتهي، والجهد مستمرّ لا ينضُب.
مع تفشّي فيروس "كورونا" في لبنان، فاجأت الهيئة الصحيّة بمديريّاتها المُختلفة اللبنانيّين. استعداداتٌ لمواجهة الوباء واحتوائه ضمن إمكانيّات فاقت التوقّعات. وعلى الرغم من مضيّ أكثر من ستّة أشهر على الأزمة، أكملت الهيئة مبادراتها الصحيّة، إلّا أن الكارثة الضخمة التي أصابت مرفأ بيروت والمناطق الواقعة في محيطه ضاعفت حملها، لكنّها لم تنسحب، بل أصرّت على الوقوف الى جانب المنكوبين في العاصمة، وأثبتت جدّيّتها ومسؤوليّتها في أحلك المِحن، فكانت عوناً رئيسيّاً لتجاوز تلك المُصيبة.
عن هاتين التجربتَين، يتحدّث المدير العام للدفاع المدنيّ في الهيئة الصحيّة الإسلاميّة الحاجّ عدنان مقدّم لمجلّة "بقيّة الله"، فكيف يُقيّمهما؟ وما هي الصعوبات التي كادت تعوق عمل المُسعفين والمتطوّعين؟
•أوّلاً: عن انفجار بيروت
- ماذا تخبروننا عن تجربتكم في إجلاء الضحايا؟
على الرغم من أنّ مركزنا في منطقة الباشورة تضرّر بشكل كبير، إلّا أن مُسعفينا لم يتوانَوا عن تقديم الدعم منذ اللحظة الأولى للانفجار. في ذلك النهار، أعلنّا الاستنفار العامّ في منطقة بيروت، وأرسلنا دعماً إلى مركزنا هناك، حيث ساهم المُسعفون بنقل 600 جريح. كنّا أوّل الواصلين إلى المكان، حيث المشهد كان مهولاً، ولا سيّما أنّ عدد الجرحى فاق الستّة آلاف شخص، فجرى نقلهم على مراحل. كان هناك استغاثات من مؤسّسات ومستشفيات. أرسلنا 3 سيّارات إسعاف الى مستشفى الروم، وبسبب الأضرار الضخمة فيها، استعنّا بمُسعفين إضافيّين لنقل الجثامين إلى المستشفى الحكوميّ. كذلك نقلنا حالات مرضيّة من مستشفيَي الجعيتاوي والورديّة.
فرق الإسعاف والإطفاء التابعة لنا ساهمت في إخماد النيران وإطفائها في مرفأ بيروت. وبحكم قرب مركز الدفاع المدنيّ من المنطقة، كنّا السند الأوّل لفوج إطفاء بيروت الذي قدّم 10 شهداء. ساهم الدفاع المدنيّ في الهيئة الصحيّة بستّ آليّات و55 مسعفاً. كان هناك 45 آليّة من الهيئة الصحيّة واتّحاد بلديّات الضاحية الجنوبيّة، وهي عملت لثلاثة أيّام في المرفأ دون توقّف. وقد استخدمنا تجهيزات للمرّة الأولى، كما أنّنا سحبنا مياهاً من البحر لتزويد سيّارات الإطفاء التي أخمدت بدورها الحرائق المُشتعلة على الرغم من صعوبات الدخول والخروج إلى المنطقة بفعل الحجم الهائل للانفجار.
- ما هي العقبات التي واجهتموها خلال عمليّة إجلاء الجرحى وإخماد النيران؟
أولى العقبات هي عدم وجود جهة تنسّق عمليّات الإنقاذ والإسعاف. ومع ذلك، ساعدنا في عمليّات الإطفاء في الأيّام الثلاثة الأولى. أمّا عمليات البحث فأوكلت إلى الجيش اللبنانيّ. كما أنّ وجود عدد كبير من الأجهزة أعاق إنجاز المهمّات الإسعافيّة.
على أثر هذا الانفجار، تبيّن لنا أنّ لبنان غير مهيّأ لكوارث كهذه، والبلديّات المعنيّة تفتقد إلى خطّة لإدارة الأزمة، ما أدّى إلى مساهمة البلديّات والاتّحادات المُجاورة ودخولها على الخطّ، ولا سيّما بلديّات الضاحية التي أوفدت فرقَها للمساعدة في عمليّات التنظيف.
- بعد المساهمة في إطفاء النيران ونقل الجرحى، ماذا تقدّمون اليوم؟
حاليّاً، نُساند المستشفى الميدانيّ الإيرانيّ الموجود في مجمع الحدث الجامعيّ، بعدما كنّا ننقل الجرحى والمتوفّين إلى المستشفيات، ونقدّم خدماتنا على صعيد المساهمة في مراسم الدفن. كما خصّصنا مركزَين لتلبية نداءات أهالي الجرحى وإغاثتهم حتّى يعودوا إلى منازلهم.
•ثانياً: فيروس "كورونا"
- كيف يمكن أن نلخّص دور الدفاع المدنيّ في الهيئة الصحيّة منذ بدء انتشار الفيروس في شباط الماضي؟ وهل غطّيتم كلّ المناطق اللبنانيّة؟
مع تسجيل أولى الإصابات في لبنان، أنشأنا غرفة عمليّات مركزيّة لإدارة الأزمة في المناطق كلّها. جهّزنا على صعيد المراكز 30 سيّارة إسعاف في المرحلة الأولى، ورفعنا العدد إلى 130 سيّارة بعد شهر تماماً نتيجة تفشّي الوباء، تحتوي على أجهزة تنفّس اصطناعيّ. قبل مدّة، كنّا نعمل بموجب الخطّة التراجعيّة للفيروس، لكنّ الأمور تبدّلت اليوم في ظلّ الظروف القائمة والتدهور السريع للأوضاع الصحيّة، ولا سيّما عقب تفجير مرفأ بيروت، وما تلاه من اختلاط كبير بين المواطنين دون مراعاة الشروط الوقائيّة، فانتقلنا من مرحلة الاحتواء إلى مرحلة الانتشار.
لدينا نحو 225 سيّارة إسعاف مخصّصة لأزمة "كورونا"، وبالموازاة لدينا سيّارات إسعاف إضافيّة تنقل الحالات المرضيّة الأخرى. في كلّ منطقة، وضعنا مركزَين للتعامل مع حالات "كورونا" دون الحالات الأخرى. عمليّاً، لدينا 3287 متطوّعاً في المديريّات كافّة (الجنوب- البقاع- بيروت- الشمال)، وقد استقطبنا 500 متطوّع جديد خلال الأزمة فقط. وعليه، اتّخذنا الإجراءات الكافية لمواجهة "كورونا" والتعامل معها بشكل سليم، ولا سيّما على صعيد الزيّ الخاصّ بالمُسعفين.
- ما هي الخطّة التي وضعتها الهيئة الصحيّة للتعامل مع الانتشار الواسع للفيروس في مختلف المناطق؟
نحن مكلّفون بنقل الإصابات في مديريّة الدفاع المدنيّ في الهيئة الصحيّة. سيّارات الإسعاف لدينا تنقل الحالات الإيجابيّة كلّها من المنازل إلى المحاجر، أو من المنازل إلى المستشفيات منعاً لانتقال العدوى. مهمّات الدفاع المدنيّ زادت بوتيرة كبيرة نتيجة التفشّي السريع، وللغاية هذه أنشأنا خليّة أزمة في كلّ مدينة أو قرية أو منطقة بالتنسيق مع البلديّات. وظيفتنا -إذاً- هي إدارة عمليّات النقل بطريقة سليمة.
- كيف يجري التعامل مع الوفيات جرّاء الفيروس؟
نحن الجهة الوحيدة تقريباً التي تُطبّق بروتوكولات الدفن الخاصّة بمُصابي "كورونا". كلّ حالة وفاة تحتاج إلى 14 مُسعفاً مُكلّفين بتطبيق إجراءات شرعيّة وصحيّة؛ منذ تسلُّم الجثمان من المستشفى، ثمّ نقله إلى المغسل وإجراء الغسل الشرعيّ حيث يتولّاه 4 أشخاص، وبعدها يقوم 4 أفراد آخرين بتكفين الميّت، إلى أن يتولّى 4 آخرون موضوع الدفن. كلّ شخص من هؤلاء يرتدي لباساً معيّناً للتعامل مع هذه الإصابات، ويخضع قبل وأثناء وبعد العمليّات للتعقيم المشدّد حتّى اكتمال المُهمّة. وعند الوصول إلى المدفن، توجد معايير لإنزال الجثمان في القبر (الذي يُحفر بعمق مترَين ونصف حمايةً للآبار والمياه الجوفيّة والتربة) تطبيقاً لشروط منظّمة الصحّة العالميّة والصليب الأحمر الدوليّ.
بناءً على التجربة التي نخوضها منذ أشهر، ندرّب اليوم جمعيّات ومؤسّسات أخرى على هذه العمليّات نظراً إلى التدهور الخطير في الأوضاع الصحيّة.
تأسّست الجمعيّة عام 1984م، خلال الحرب الأهليّة اللبنانيّة، وحينها تولّت عمليّات الإسعاف الأوّليّ والدفاع المدنيّ، قبل أن تنشئ الهيئة بعد ذلك المستوصفات والمراكز الصحيّة والمستشفيات في مختلف المناطق.
حصلت الجمعيّة على الترخيص من وزارة الداخليّة اللبنانيّة عام 1988م تحت علم وخبر 291/أ.د، وبعده على صفة المنفعة العامّة.
أقسام الدفاع المدنيّ في الهيئة الصحيّة الإسلامية:
الإنقاذ
الإطفاء
الإسعاف