•عملٌ تبليغيّ ودعويّ وتربويّ
الشيخ نعيم قاسم(*)
لمّا اختار الإخوة عنوان "بقيّة الله"، فهذا يعني أنّهم كانوا يريدون من القارئ والكاتب والمتفاعل مع المجلّة أن يلتفت إلى أنّه يمكن أن يكون من المنتظرين ومن العاملين في هذا الاتّجاه.
في إحدى المرّات، فاجأني أحد العلماء الباكستانيّين أثناء زيارته لبنان بقوله: "هل تعلم بأنّي أقوم بتحضير بعض المواد من عناوين المجلة، واعذرني لأنّني أستخدم المقالات التي تكتبها عن الإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف، دون ذكر اسمك ككاتب لها"، فقلت له: "المهمّ أن تنتشر هذه الثقافة، وليس المهمّ بالنسبة إليّ أن تذكر اسمي"؛ فعمليّاً، هذا يدلّ على سَعة انتشارها والاستفادة منها في التحقيق.
إنّ تجربة مجلّة "بقيّة الله" برأيي، تجربة ناجحة جدّاً؛ لأنّها خاطبت شرائح مختلفة في المجتمع، أكانت الشرائح الشبابيّة، أم من الجنسَين، أم رجالًا كباراً في السنّ، أم مثقّفين، والسبب المركزيّ أنّ هذه المجلّة اعتمدت طريقة المقالات الموجزة والمختصرة.
أقول للعاملين في مجلّة "بقيّة الله": عملكم عمل تبليغيّ، دعويّ، تربويّ هادف.. استمرّوا بهذه الروحيّة، وقوموا دائماً بتطوير الأسلوب والمضمون بما يتناسب مع الوضع المعاصر، وبما يربطنا أيضاً ودائماً بالإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف، فكلّ الخيرات التي لدينا هي من بركاته ومن انتظاره.
(*) نائب الأمين العام لحزب الله، وكاتب في المجلّة.
•طريقٌ إلى الجنّة
السيّد علي عبّاس الموسوي(*)
من نِعَم الله على الناس، التي تستوجب الشكر، أنّ الله عزّ وجلّ تكفّل للإنسان في هذه الدنيا بدلالته إلى الطريق الذي يسلك به إلى الجنّة، وهو بحسب المرويّ عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم: "من سلك طريقاً يطلب فيه علماً سلك الله به طريقاً إلى الجنّة"(3). ومن نِعَم الله الخاصّة، أن يوفّق الإنسان ليكون ممّن يسلك هذا الطريق. ولكنّ خصوصيّة هذا الطريق أنّه لا حدّ له ولا يقف عند نقطة نهاية، وذلك لأنّ الوصيّة بأن يكون طلب العلم من المهد إلى اللحد، وهو بذلك يصل إلى الغاية، وهي الفوز.
ولعلّني إذا أردت أن أختصر الفترة التي امتدّت فيها مهمّة الخدمة في مجلّة "بقيّة الله"، فإنّي أجدها استمراراً لطريق طلب العلم والمعرفة. لم تكن تلك المهمّة في رئاسة تحرير هذه المجلة لتعدو طالب علم ومعرفة، ففي كلّ مقال تقرأ معرفة وعلماً، وفي كلّ لحظة تفكير في عنوان علينا أن نبحثه أو في قضيّة علينا أن نعرضها، خطوة نمشي بها في طلب العلم والمعرفة.
أنْ تتنوّع المعارف التي تقرأها، وأنْ تتعدّد الأساليب التي تنظر فيها، تجعل في نفسك سروراً لأنّك في كلّ يوم أمام مزيد من المعرفة والعلم، وبهذا فإنّك تأخذ أكثر ممّا تعطي، وتزداد بأكثر ممّا تنفق.
إنّ أكثر ما يستحقّ الشكر في العمل في مجلّة "بقيّة الله"، أن تتوجّه إلى الله بالشكر على توفيق الفرصة في المعرفة التي تنالها في كلّ يوم، ومع كلّ ملف، وفي كلّ سطر تقرأه.
(*) المشرف العامّ الحالي على المجلّة، ورئيس التحرير السابق لها.
•من ثغور الإسلام
الشيخ أحمد إسماعيل(*)
حين طلبت منّي إدارة مجلّة "بقيّة الله" أن أكتب في ذكراها السنويّة، بوصفي رئيس تحرير سابقاً في بداياتها، عادت بي الذاكرة سنوات جميلة إلى الوراء، كيف كنّا نعمل دون ملل أو كلل حتّى تتوهّج المجلّة بتنوّعها، بحيث لا يملّ القارئ من القراءة.
من جملة الذكريات، حينما كنّا نقرّر إجراء مقابلة مع إحدى الشخصيّات الفكريّة، كنّا نواجه عقبات كثيرة؛ عدم وجود الكادر ووسائل النقل وغيرها من الأمور اللوجستيّة، لذلك كنّا نقوم بالعديد من الأدوار. مثلاً: حينما قرّرنا إجراء بعض المقابلات في الجنوب، اضطررت لأكون صاحب السيّارة والسائق والمصوّر والمهتمّ بأدقّ التفاصيل أيضاً، ومع ذلك كلّه، كان لهذه المهمّة الشاقّة رونقها وذكرياتها الجميلة.
وحين كانت تصدر المجلّة في بداية كلّ شهر، كانت فرحتنا كبيرة، فميزتها أنّها صغيرة بحجمها، كبيرة بمضمونها، واضحة الخطّ والانتماء، تهتمّ بالجوانب الأخلاقيّة والتربويّة، وسيرة نبيّ الرحمة صلى الله عليه وآله وسلم والأئمّة عليهم السلام . وهي لا تغفل بالطبع عن سيرة شهداء المقاومة الإسلاميّة وجرحاها وتضحياتهم. وهي المتألّقة دائماً في تعدّد موضوعاتها، مقالاتها سلسلة واضحة، تتجنّب المصطلحات المعقّدة، فلا يضطرّ القارئ إلى تفكيك ألغاز المفردات، يستأنس بها كلّ من الرجل والمرأة، الصغير والكبير. وهي لا تنسى التذكير بعدوّ الأمّة وخيانة التطبيع معه، وفي الوقت نفسه تواجه الحرب الناعمة التي باتت تهدّد قيم الأمّة في حياتها، وهي تقدّم بما ملكت صفحاتها سبل المواجهة وكيفيّتها.
يكفي مجلّتنا الرائدة شرفاً أنّها رفيقة المجاهدين المرابطين في الثغور وأنيستهم في حلّهم وترحالهم. وهي أنيسة بيوتهم وزوجاتهم وأبنائهم. هي مجلّة المواجهة لكلّ التحدّيات الفكريّة، والشبهات العقائديّة في زمن الخنوع والركوع للأعداء.
وبعبارة أخرى، هي ثغرٌ من ثغور الإسلام، أدامها الله ذخراً لثقافة مجتمعنا وقيمها، ونسأل الله لها المزيد من التقدّم والعطاء، وكلّ عام ومجلّتنا الحبيبة تتألّق بموضوعاتها، وبنشر رسالتنا السمحاء لديننا الحنيف. والسلام.
(*) رئيس تحرير سابق للمجلّة.
•عادت أجمل ممّا كانت
الشيخ يوسف سرور(*)
دمَّر الصهاينة بعض الوطن عام 2006م ذات تمّوز وآب، اعتدوا على إنسانه وحجره، دمّروا مبنى جمعيّة المعارف الإسلاميّة الثقافيّة، ومن ضمنه مكاتب مجلّة "بقيّة الله". كنتُ يومها رئيس تحرير المجلّة، وظنّ العدوّ أنّه يقتل الإرادة والعزيمة إذا قَتَلَ ودمّر، ولم يتورّعْ عن استهداف أيّ لونٍ من ألوان الحياة، فقد أهدرت شريعتُهم دَمَنا، وأفتوا بوجوب إبادتنا وإفنائنا.
لم يفهموا أنّهم كلّما قتلونا كلّما توقّدت فينا جذوة الحياة، واستحكمت فينا روح المقاومة، وانبعثنا من تحت ركام الموت، وثبّتنا فيهم اليأس والخيبات. تحت القصف، كما كلّ المجاهدين، نهضنا وسعينا، صحيح أنّ كلّ الموادّ والآلات والصحائف تحوّلت إلى أنقاضٍ وركامٍ ونتائف، إلّا أنّنا تحدّينا الخوف والقتل والدمار، تحدّينا الموت، وتحت القصف حرّرنا مادّة لعددٍ كاملٍ يجب أن يَصْدُر، على الرغم من أنوف الأشباح وظلّامها. وفي مكتب الإخراج، كان الحاج "أبو عليّ" يجالسنا، ويُهَندسُ المقالات، ويستحضرُ الأُطر المناسبة للمادّة من واقع الصمود والفعل الجهاديّ الإعجازيّ. يومَها صدرت مجلّة "بقيّة الله" بحلّة تناسِبُ مستوى التحدّي، وصَدَر العدد التالي أيضاً، تحت القصف، مع ظهور تباشير النصر الإلهيّ المدوّي.
حضّرنا مادّته في مهاجرنا، حيث هُجّرنا من بيوتنا، وأنجزناه عدداً يتألّق بهاءً في الشكل والمضمون. عادت المجلّة إلى العجلة السنويّة، ونهضت من جديد، في مقرٍّ أفضل وأجمل وباتت مؤسّسةً، والأهمّ أنّها عادت بعزيمة وتصميم أقوى وسياسة أوضح، ورؤية أنفذ. عادت أجمل ممّا كانت.
(*) رئيس تحرير سابق للمجلّة.
•في ذاكرة القلب
إيڤا علويّة ناصر الدين(*)
الحديث عن مجلّة "بقيّة الله" يُبحر عميقاً في قلب الذاكرة، بل في ذاكرة القلب.
لم تكن مجرّد مرحلة فحسب، بل عِشرة عمر، فقد ترافقنا معاً، وكبرنا معاً، وتقاسمنا لحظات التحدّي والنجاح في تلك الغرفة الصغيرة التي وجدتُ نفسي فيها على أعتاب التخرّج من كليّة الإعلام أمام مسؤوليّة برتبة الفخر، حيث يخطُّ المسمّى المبارك ثقافة المعرفة والتمهيد لصاحب العصر والزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف.
كم كان الوقت ممتعاً وأنا أقضيه في حضرة القلم والكلمات والعناوين والصور والكتّاب ورسائل القرّاء. إنّه مجد الكتابة حقّاً. فيها سرٌّ لا يعرفه إلّا من ارتوى.
مشاعر رائعة كان يعزفها نبض الصفحات على قيثارة قلبي وأنا غارقة في غمرة الكتابة والإعداد والتحرير. شعور غامر بالخشوع والروحانيّة كان يلاقيني في صفحة الوليّ القائد بكلماته الأخّاذة، شعور بالعزيمة والثبات في صفحة من القلب إلى كلّ القلوب مع سيّد الكلمة، شعور بالعزّ والكرامة في صفحات الجهاد والشهادة.
كثيرة هي وجوه الأنس التي مرّت عليّ في لقاءات ومقابلات، وما زالت تمرّ ذكراها في خاطري وترتسم ملامحها أمام عينَيّ، لِما تركت من أثر طيّب في نفسي، وأنتقي منها سماحة الشيخ نجم الدين الطبسيّ ودعواته بالتوفيق والرضى، والراحل الشيخ حسين كوراني ودعوته الروحيّة الفذّة.
كثيرة –أيضاً- هي القصص والحكايات التي عايشتها وما زال صداها يتردّد في مسامعي، ولعلّ أجملها قصّة "أبو علي الفرنسي" المذهلة وهدايته للإسلام وولاية أهل البيت عليهم السلام ، والتي يعتبرها كنزاً ثميناً لا يُقدّر.
"قلاع الوعد الصادق" كان لها حيّز كبير، فقد أضافت إلى جعبتي
رصيداً من حكايا البطولة والصمود، ولعلّ أبرزها حكاية "الدحنون"، ذلك المقاوم الذي حاصر جنود الاحتلال بالرعب أثناء مواجهات مشروع الطيبة، وحكاية "رجال القمّة" في مارون الراس أثناء تقدّم العدوّ الإسرائيليّ لاحتلال البلدة خلال حرب تمّوز 2006م.
أمّا "آخر الكلام"، فلها المكانة الخاصّة، فهي محطّ الرحال، ووديعة الفؤاد، هي همسات الروح المترقرقة على منبر الحياة، هي أرجوحة الحروف المتناثرة في أحضان الدفء والأمان هناك حيث تغفو الكلمات في هدأة من سكون، أو تطفو على تنهيدة من شجون.
ومن آخر الكلام لأوّله، تبقى مجلّة "بقيّة الله" منارة الثقافة الرائدة.
(*) مديرة تحرير سابقة للمجلّة.
•أمّ الشهداء...
ولاء إبراهيم حمّود(*)
بلغت عامها الثلاثين. شابّة في عزّ عطائها، ظننّاها ابنة وُلدت ذات تشرين. ها هي تكتمل في تشرين ذاته أمّاً وأيّ أم؟
من ماكيت العدد الأوّل فوق أحد مكاتب الوحدة الثقافيّة في بئر العبد في ذلك الزمن البعيد، إلى موقعها الكبير اليوم بين أيدي المجاهدين، اكتملت مجلّة "بقيّة الله" أمّاً تعطي دون أن يضنيها العطاء...
من أعطاها حرفاً أعطته علماً راسخاً، ومن أعطاها قلماً أعطته صفحات زينتها المعارف العميقة في كلّ مجال. إلّا أنا، أعطتني الحرف والحبّ. نعم مجلّة "بقيّة الله" تعطي الحبّ للشهداء وعوائلهم. كتبت على صفحاتها قصائد الآخرين وخواطري، فحفظت خواطري والقصائد. كتبت على سطورها تسابيح شهداء مضَوا وشهداء ينتظرون، ففتحت لشهيدي كلّما آن أوان زفافه السنويّ مهرجاناً، قُلْ عيداً. هكذا أعلنت مجلّة "بقيّة الله" مراسم الاحتفال بالشهداء، كلّ الشهداء.
وبعد، وقبل أن أنسى، في مكاتبها تدرَّج شهيدي رفيقاً لدربي إليها، وصادق الجميع. عند رئيس التحرير شرب ذات شتاء بارد كوب شاي دافئ قبل أن يسلّمه مقالي.
وهنا على بابها قبل دخوله، وقف يستأذن ذات صيف حارّ خانق للدخول. وافاه الإذن مع كوب ماء بارد يروي قبل الدخول عطشه ويخفّف عنه عناء المسير.
صارت المجلّة صديقته المفضّلة، يحتفي بها احتفاء الأخ بأخته، والصديق بصديق طفولة قديم التقاه دون موعد. وهذا ما حدث معه ذات جهاد مرير، فكانت أيضاً رفيقة شدّة، وتعويذة أمان في مضائق صعبة كان عليه عبورها دون خيار آخر.
وبعد أن أبارك لكلّ الإخوة والأخوات العاملين فيها منذ تأسيسها حتّى لحظة كتابة هذه السطور، أعلمكم جميعاً أنّ "حسين" عاد إلى المجلّة شهيداً، وفاز منها بأطيب ذِكْرٍ في أجمل الصفحات.
في عيدك الثلاثين مجلّتي الحبيبة، أعلنكِ أمّاً لأبيكِ وأمّاً للحزب الذي أنشأكِ والمقاومة التي أنشأتها، وأُعلنكِ أيضاً مدرسة وأمّاً لكلّ الشهداء و... شهيدي.
(*) إحدى الكاتبات في المجلّة،والدة شهيد الدفاع عن المقدّسات حسين كمال حمّود (رضوان).