آية الله الشيخ حسين مظاهري
ليكن التعامل فيما بينكم في المنزل بالمدح والثناء وتقبُّل التقصير.
وأؤكّد هذه الوصيّة على الرجال الذين لا يتعاملون هكذا عادةً، وأُخاطبهم أنْ إذا غضِبْتُم -ولا ينبغي لكم الانفعال- ولو صدرت عنكم كلمات جارحة -ولا ينبغي أن تصدُر عنكم-، فبادروا إلى الاعتذار فورَ زوالِ الغضب عنكم، وتحمَّلوا مسؤوليّة التقصير، واخضعوا لذلك، فالخضوع هنا نوع من البناء الذاتيّ. والبيت يجب أن يكون مدرسةً لنا، بل أفضل مدرسةٍ وأفضل كتابٍ أخلاقيّ وأفضل معلِّمِ أخلاقٍ للنساء خاصّةً.
•فليبادر أحد الطرفين
إذا قامَ الرجل بعملٍ سيِّئٍ ورفض الاعتذار، فأرجو من الزوجة أن تبادرَ فوراً إلى الاعتذار، وتتجنّب الإيذاء والتهاجُر والتعالي والعبوس والتضجُّر والكسل. فهذه من أخلاق أهل النار، لا من أخلاق أهل الجنّة.
وإذا أردتَ أن تكونَ من أهل الجنّة، فاعملْ من أجل أن يكونَ بيتك مُفعماً بالنشاط.
إذا أحجمَ أحدُ الزوجين عن الاعتذار فليبادر الآخرُ إلى تحمُّل التقصير والاعتذار، وتجنُّب إلقاء تَبِعَة التقصير على الآخر. وهكذا الحالُ عادةً في مختلفِ النزاعات، فإذا تراجعَ أحدُ طرفيها، انتهتْ.
وعدم انتهاء النزاع يرجع إلى عدم تراجُع الطرفين أو أحدهما.
وإذا أردتُم الجنّة ونعيمها وحيويّتها والجلوس على تلك "السرر الموضونة" متقابلين، فليتراجع (لِيَعْف) كلّ منكما إذا وقع بينكما نِزاعٌ وأنهياه فوراً، واحرصا على أن لا يستمرَّ النزاع في البيت ولو لساعةٍ واحدة.
•صفات المرأة الصالحة
يجب على الرجل التحلّي بالرجولة، وعلى المرأة أن تكون "سيِّدة" حقّاً، والقرآن يقول إنّها تكون كذلك عندما تطيع زوجها حتّى لو كان مُقصِّراً:
﴿فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللهُ﴾ (النساء: 34)؛ فللمرأة الصالحة صفتان:
- الأولى: الطاعة والخضوع والتواضع لزوجها حتّى لو كان مقصِّراً.
- الثانية: حفظِ العِفَّةِ في السرِّ والعلن، في حضور زوجها أو في غيابه. وهذه هي الجديرةُ بوصفِ "المرأة الصالحة".
فعلى الزوجة الصالحة أن تخفض جناحَها لزوجها إذا وقع اختلافٌ أصلاً، وهذا هو حالُ المسلِم الحقيقيّ.
•تعساً للبيت الذي يفتقد الحيويّة
يُؤكِّد المنطق القرآنيّ وجوب اجتناب النزاع في البيت؛ لأنّه يُؤدّي إلى ذهابِ الهيبة، ويدمِّرُ الشخصيَّة، وإذا تجرَّأ -لا سمح الله- الزوجان أحدهما على الآخر لا تبقى لأيٍّ منهما شخصيّة (احترام) في عين الآخر.
وتعساً للرجل الذي لا هيبة له في بيته، وتعساً للمرأة التي لا موقع لها في قلبِ زوجها، وتعساً للبيت الذي يفتقدُ الحيويّة، فالأمُّ لا تستطيع إذا كان قلبها ميّتاً تقديم شابّة أو شابّ ناشط وفاعل للمجتمع.
عن الإمام موسى بن جعفر عليه السلام في حديثٍ مرويٍّ عنه: "إيّاك والضجر والكسل، فإنّهما يمنعان حظَّك من الدنيا والآخرة"(1)؛ فهو عليه السلام ينهانا عن الكسل ويدعونا إلى الحيويّة والنشاط، ويخاطب السيّدة أن تجتنب الكسل في بيتها، ويخاطب الزوج أن لا يدع الكسل يسيطرُ عليه؛ لأنّ ذلك يحرمنا من خير الدنيا والآخرة.
•﴿وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ﴾
يقول تعالى في القرآن: ﴿وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ﴾ (الأنفال: 46). ماذا يعني ذهابُ ريحكم؟
لا يتوهّم الرجلُ الذي تطغى الركَّة (والابتذال) على كلامِه (في البيت) أنّه يُسيءُ إلى زوجته فقط، بل إنَّ الإساءة تلحقُ أوّلاً بشخصيّته هو وتُشَوِّهُها.
ولا تتصوَّر الزوجة أنَّها تُبرّد غليلَها عندما تنطِقُ بكلماتٍ جارحةٍ لزوجها، فالخسارة الأولى تلحقُ بها، وهي أنَّ حُبَّها يخرجُ من قلبِ زوجها.
•﴿فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ﴾
يقول الله تعالى في كتابه العزيز: ﴿وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ﴾ (آل عمران: 103).
تبيّن هذه الآية شدَّة خطورة النزاع والاختلاف، وتُشبِّهها بحال الشخص الجالس على حافّة وادي جهنَّم. وإذا لم يكن هنا الآن "وادي جهنّم" فتصوّروا الأمرَ كحال جلوسكم على صخرةٍ على حافة وادٍ تُشاهدون اشتعالَ النار فيه، فيما الصخرة التي تجلسون عليها ينهار ما تحتها، فتسقطون أنتم في قَعْر هذا الوادي.
وتدعو الآية الكريمة الزوجين اللذَين يعيشان في بيتٍ يسودُهُ الائتلاف والمودَّةُ أن يشكُرا الله كثيراً على ذلك ويدعواهُ تعالى لدوام هذه النعمة. وعلى الزوج أن يشكر زوجته على إفعامِ البيت بالعطف والمودّة، فيما على الزوجة بدورها أن تُثْني دائماً عليه لتوافر المحبّة والأُلفة لديه.
•كنور القمر
أيّها السيّد، أيّتها السيّدة، إنّ الدنيا تنقضي والذي يبقى أمرانٍ:
الأوّل: التضحية والتسامح والإيثار، فهي صفات تُكسب الإنسان نورانيّةً تجعله يتألّق مثل القمر.
والثاني: هو نعيم الجنَّة وعذاب الجحيم. أمّا الدنيا، فهي فانية.
قد نرى، مثلاً، طبيباً قد وصل درجةً متقدِّمة من التخصُّصِ في عملِه وأخلاقُه الاجتماعيّة حسنة أيضاً، ولكن عندما تفتح قلب زوجته تجدُهُ بحراً من الأذى الذي ألحقه بها، على الرغم من علمه وحُسْنِ سيرته خارج البيت! وترى سيّدة مثقّفة مُتحضِّرة حسنة التعامل مع مثيلاتها، ولكن عندما تفتح قلب زوجها تجدها قد تحوَّلت فيه إلى عفريت!
•الصفاء والتسامح قبل ترسّخ الأضغان
تؤكّد رواياتنا أنّه إذا وقع نزاع بين اثنين من المسلمين، بين زوجٍ وزوجته، فالواجبُ هو أن يتصالحا في اليوم الأوّل، وإلّا ففي اليوم الثاني، وإذا اعتذر الصغيرُ فبها، وإلّا فليذهب الأكبر لتُزال الضغينة والحقد حتّى لو كان الخطأ المُرتكبُ كبيراً وصدرَ عنهما كلمات جارحة -والعياذ بالله-، فعليهما التحلّي بالصفاء والتسامح، ويتناسيا ما جرى.
وإذا لم يتصالحا في اليوم الثاني، وَجَبَ ذلك حتماً في اليوم الثالث، وإلّا ترسّخت الأضغانُ في قلبيهما، وخرجا من مرتبة من مراتب الإسلام، كما تؤكّد ذلك الأحاديث الشريفة(2).
(*) من كتاب أخلاقيّات العلاقة الزوجيّة، الفصل الثالث، ص102 - بتصرّف.
1.بحار الأنوار، المجلسي، ج78، ص321.
2.انظر: الأصول من الكافي، ج2، كتاب الإيمان والكفر، باب الهجرة؛ بحار الأنوار، المجلسيّ، ج72، باب الهجران.