تحقيق: نقاء شيت
تعاني سارة، طفلة عمرها ثماني سنوات، من مضايقات زملاء صفّها من الصبيان، الذين لا ينفكّون عن الإساءة إليها والسخرية منها، ما استطاعوا إليه سبيلاً. هي صاحبة شخصيّة حادّة، لا تتودّد إلى زملائها، وتعابير وجهها وردود أفعالها خير دليل على ذلك؛ الأمر الذي يشجّع الآخرين على الاستمرار في كيل الإساءات والإهانات لها، ما يسبّب لها أذى نفسيّاً ومعنويّاً شديداً، فتزداد غربتها في الصفّ...
أمّا هذه الحالة التي تعاني منها سارة فتسمّى بـ"التنمّر".
•ما هو التنمّر؟
"التنمُّر هو سلوك عدوانيّ متكرّر غير مرغوب فيه، يهدف إلى الإضرار بشخص آخر عمداً، جسديّاً أو نفسيّاً، وإلى اكتساب السلطة على حساب شخص آخر. وتتسرب حالات التنمّر عادةً من عدم توازن القوى بين التلاميذ أو الأطفال عموماً. والاختلال في التوازن بين الأولاد يكون من حيث العمر، أو الحجم، أو القوّة العضليّة، أو الشهرة، أو الارتباط بأصدقاء مشهورين أو ذوي شعبيّة بين زملائهم، أو الخلفيّة الديمغرافيّة (المستوى المعيشيّ للتلميذ، والمجموعة أو الطائفة التي ينتمي إليها في مجتمعه)، أو القدرات والمهارات (علميّاً، أكاديميّاً، فنّيّاً، رياضيّاً)، أو توافر الإمكانات المادّيّة، أو تواجد الأسلحة، أو اجتماع مجموعة من المتعلّمين مقابل متعلّم واحد". هكذا عرّفته المختصّة النفسيّة فاطمة فرحات، وأضاف إلى كلامها المرشد الدينيّ في مدارس المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف، الشيخ محمّد الحمود، أنّ التنمّر هو نوعٌ من "الاستقواء؛ وهو شكل من أشكال الإساءة أو الإيذاء الموجّه من قِبل فرد أو مجموعة نحو فرد أو مجموعة تكون أضعف".
•النهي عن السخرية
تتحدث سارة عن طريقة المضايقات التي تعرضت لها على أن رفاقها بدأوا بـ "السخرية، وكانوا يطلقون عليّ أسماء أكرهها جداً كالسمينة والقبيحة، أشعر برغبة عارمة في البكاء، لكن ذلك سيجعلهم يستمرون بالسخرية مني، لذلك أقوم بمضايقتهم أيضاً".
هنا باتت سارة ضحية لهذه السخرية، التي نهى عنها القرآن الكريم، بحسب فضيلة الشيخ الحمود، في موارد مختلفة: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ عَسَىٰ أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِّن نِّسَاءٍ عَسَىٰ أَن يَكُنَّ خَيْرًا مِّنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُون﴾ (الحجرات: 11). فقد حثّ الله تعالى المؤمنين على أن يكونوا القدوة في الالتزام بهذا التوجيه القرآنيّ الذي ينهى عن ثلاث مساوئ خلقيّة تمنع المودّة، وتصدّ عن طريق الحقّ، وتثير الأحقاد والفتن والعناد، وهي: السخرية واللمز والنبز.
واستكمل فضيلته شارحاً، أنّ السخرية هي أن ينظر الإنسان إلى أخيه بعين الاحتقار والاستصغار، واللمز: هو ذكر الإنسان أخاه في حضرته بعيوبه، أمّا النبز: فهو مناداة الإنسان أخاه بألقاب يكرهها أو يعدّها محقّرة، أو مثيرة للسخرية. كما بيّن فضيلته أنّ القرآن في تعبير "بأنفسكم" يشير إلى وحدة المؤمنين، وأنَّهم نسيج واحد، وأنَّ المؤمنين جميعاً بمثابة النفس الواحدة، فمن عاب غيره فإنّما عاب نفسه في الواقع.
•أنواع التنمّر
تعرّضت سارة للتنمّر عبر السخرية والإهانة وإطلاق النعوت والألقاب الساخرة، فيما تعرّض سامر (11 سنة) الذي يبدو أصغر بنيةً من رفاقه، لأساليب أخرى، حيث يقول: "لا أحبّ المدرسة، هناك صبي ضخم كلما مرّ بقربي يدفعني لأقع أرضاً، ثم يضحك هو ورفاقه عليّ"، ويحاول كتم دموعه لكي لا تفضح مدى أذيته.
"إذاً، للتنمّر أنواع، وجميعها مؤذٍ". تشرح ذلك المختصّة فرحات، مضيفةً أنواع تنمّر يقوم بها الراشدون، ويتعرضون إليها أيضاً، وهي تصل إلى مستويات خطرة من العنف والأذية النفسية والجسدية أيضاً:
1- التنمّر اللفظيّ: كالتنابز بالألقاب، أو الاستفزاز بالكلام، أو السُّباب، التهديد، التوبيخ، الإغاظة، والشتم، كما يشمل النعوت، والتلقيب، والإهانة، والترهيب، والتجريح، والتعيير، والتعييب، واستعمال المضايقات بأنواعها كلّها.
2- التنمّر الجسديّ: كالضرب، أو اللَّكم، أو الركل، أو دفع الآخرين في الممرّات وعلى الأدراج وفي الملاعب، أو تكسير ممتلكات الآخر أو أخذها.
3- التنمّر الاجتماعيّ: نشر الإشاعات، وكسر الصداقات، وإهمال شخص عن قصد.
4- التنمّر عبر الإنترنت: باستخدام أيّ وسيلة لنشر صور الشخص الآخر أو التعرّض له، ووضع أمور مهينة للشخص، سواء كان ذلك علناً أو سرّاً، مثل رسائل، وصور، وفيديوهات، وتشويه سمعة.
5- التنمّر الجنسيّ: القيام بأعمال مؤذية أو مهينة جنسيّاً للشخص الآخر، مثل تعابير مهينة، وحركات جسديّة ذات معنى جنسيّ غير لائق، واقتراحات جنسيّة، وصور إباحيّة.
6- التنمّر العرقيّ: وهو التنمّر على عرق أو دين أو لون أو جنس الشخص الآخر. وقد يصل هذا النوع من التنمّر إلى أنواع التنمّر كلّها المذكورة أعلاه واصلاً إلى حدّ القتل.
•أسباب التنمّر
لكلّ سلوك فرديّ أسبابٌ ودوافع، وقد ذكرت المختصّة النفسيّة فاطمة فرحات الأسباب التي تدفع الطفل أو الراشد إلى الإقدام على التنمّر؛ وهي إذا تأملنا فيها نجدها تعكس حالةً من الضعف والمعاناة، التي تعني أمراً واحداً: أنّ المتنمّر ضحية ضعيفة، يحاول أن يخفي ضعفه بالاستقواء على الآخرين. من هذه الأسباب:
1- ضحية تنمّر سابق: الكثير من المتنمّرين كانوا أنفسهم ضحيّة تنمّر، ممّا جعلهم يشعرون بعدم القيمة، فيتحوّلون بدورهم إلى متنمّرين.
2- الوحدة: الوحدة والشعور بعدم الأهمّيّة، قد يولّدان التنمّر بهدف اكتساب الاهتمام والشعور بالقوّة.
3- المشاكل المنزليّة: فكثير من المتنمّرين يعانون من مشاكل في منازلهم، مثل التعنيف اللفظيّ، والجسديّ، والجنسيّ، والعاطفيّ، وغيرها من المشاكل. وفي هذه الحالة، تقول فرحات، من المهمّ أن نعلم أنّ المتنمّر هو أيضاً ضحيّة.
4- الغيرة: إذا كان المتنمّر يغار من أحد ما؛ فغالباً ما سيحاول صبّ غيرته وانزعاجه على ذلك الشخص. وغالباً ما يكون سبب الغيرة شهرة الشخص الآخر أو مستواه الاجتماعيّ.
5- عدم تقدير الذات: إذا كان الشخص يشعر بعدم التقدير (غير جميل، غير ذكيّ، غير مستحقّ، غير قادر ماديّاً..)، فهو يحتاج إلى الشعور بأنّه أفضل من ذلك، وأسهل طريقة له هي عبر الحطّ من الآخرين؛ ممّا يدفعه إلى التنمّر.
6- الانتماء إلى مجموعة من المتنمّرين: وهذا يُكسب المتنمّر المزيد من القوّة بفضل دعم فريقه له. وقد يكون التعجرف أحد الأسباب. هنا تشرح المختصّة قائلة، إنّ بعض المتنمّرين يعانون من التكبّر والتعجرف؛ ما يجعلهم يعتقدون أنّهم أفضل مَن في العالم؛ وبالتالي يتنمّرون على كلّ من هم دون مستواهم.
7- الرغبة في التأثير: فبعض المتنمّرين يرغبون في كسب إعجاب الآخرين عبر إضحاكهم وتسليتهم من خلال التنمّر على غيرهم.
8- رؤية الآخر مختلفاً: إنّ بعض المتنمّرين يتنمّرون لمجرّد أنّهم يرون الشخص الآخر مختلفاً عنهم، وهم سيشيرون إلى هذا الاختلاف علناً بطريقة ساخرة بهدف التنمّر.