نور روح الله | يوم القدس: يوم الإسلام* إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين

تربية: التنمّـر عند الأطفـال

تحقيق: نقاء شيت


أن يتعرّض طفلٌ إلى سخرية زميلٍ له، أو إلى الإهانة، أو الضرب، أو الشتم،... هو سلوك غير سويّ ومرفوض بشكلٍ مطلق. ولأنّ التنمّر عند الأطفال ظاهرة تحمل خطورة كبرى، سوف نتعرّف في هذا المقال إلى آثارها السلبيّة، مضافاً إلى كيفيّة علاجها.

•الآثار السلبيّة للتنمّر
أ- على المتنمّر نفسه: "إنّ المتنمّر -بحسب فضيلة الشيخ محمّد الحمود- مُعرّض لمشكلات نفسيّة سلبيّة كثيرة؛ منها: أنّه يصبح شخصاً غير مرغوب فيه، وغير متصالح مع ذاته، وعدم شعوره بالانتماء، ويصاب بالإحباط وسرعة الغضب، ويعتاد على استخدام القوّة في حلّ مشكلاته، كما يسهل عليه الانخراط في أعمال العنف؛ ممّا ينتج عنه فقدان الإحساس بالذنب، وصولاً إلى تصرّفات إجراميّة في المستقبل". ويضيف: "تشير البحوث إلى أنّ المتنمّرين البالغين يكون لهم شخصيّات استبداديّة، جنباً إلى جنب مع حاجة قويّة إلى السيطرة أو الهيمنة". ومن الآثار المترتّبة على الأطفال الذين يمارسون التنمّر داخل المدارس، يقول فضيلته: "إنّهم يعانون من التسلّط على الآخرين، وشعور المتنمّر بكره المدرسة، والانفصال عنها، وتركها في وقتٍ مبكّر، وتدمير ممتلكات المدرسة والدخول في مشاجرات مستمرّة".

إلى هذا، تضيف الأخصائيّة النفسيّة فاطمة فرحات قائلة: "إنّ الأولاد المتنمّرين قد يعانون من الشعور بالعزلة، والانخراط في سلوكات غير قانونيّة، مثل استخدام الكحول، والدخان والمخدّرات، مضافاً إلى الدخول في عراك، وترك المدرسة، وممارسة نشاطات جنسيّة مبكّرة، ومشاكل في النوم، وعندما يكبرون قد تكون لديهم علاقات سيّئة مع المقرّبين (شريك الحياة، الأولاد، الأهل)، وقد يدخلون في سياق إجراميّ، وهذه الأمور قد تؤدّي بالمتنمّر إلى الانتحار".

ب- على المتنمَّر عليه: أمّا عن آثار التنمّر السلبيّة على المتلقّي لهذا الفعل، فتعدّدها الأخصائيّة بنقاط ثمانية: أوّلها: انخفاض في مستوى احترام الذات "self esteem". ثانيها: الشعور بالعزلة. ثالثها: المزيد من الكآبة. رابعها: ولادة مشاكل داخليّة عند الطفل (قلّة احترام الذات، الكآبة، القلق، العزلة)؛ ممّا يعرّضه إلى المزيد من التنمّر. خامسها: أذيّة النفس، والتفكير في الانتحار، والإقدام على الانتحار. سادسها: نفور الأولاد المتعرّضين للتنمّر من المدرسة. سابعها: التراجع الأكاديميّ. ثامنها: القيام بسلوكات مخالفة للقوانين.

•دور الإرشاد الدينيّ والتربويّ في علاج التنمّر
هذه الحالات السلوكيّة، لا بدّ لها من علاج ومتابعة، لا سيّما داخل المدارس. وهنا كان لا بدّ من الاستفادة من تجربة كلّ من الإرشاد الدينيّ والتربويّ داخل المدارس، وكيفيّة التعامل مع حالات كهذه.

أ- الإرشاد الدينيّ: يخبرنا الشيخ الحمود أنّ مدارس المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف بإرشادها الدينيّ تعتمد المنهج الوقائيّ، من خلال "التحصين الدينيّ" ضدّ كلّ ما يمكن أن يسبّب ضعفاً في الالتزام الدينيّ أو القيام بالسلوكات غير المرغوب فيها؛ كالتنمّر وغيره، وذلك من خلال غرس القيم والمبادئ الدينيّة، وتعميق التربية الإسلاميّة في نفوس الأطفال: كالتسامح، والمساواة، والمحبّة، والتواضع، والتعاون، ومساعدة الضعيف، وتعزيز الاحترام المتبادل فيما بينهم من خلال الأنشطة التربويّة الداعمة لذلك، كما قال تعالى: ﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَىٰ وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ﴾ (المائدة: 2).

ويذكر فضيلته من ضمن أداور الإرشاد الدينيّ:

1- مقابلة الأهل لتحديد مستوى معارفهم الدينيّة والعقائديّة واهتماماتهم بتطبيق المفاهيم التربويّة انطلاقاً من مدرسة أهل البيت عليهم السلام.

2- تزويدهم ببعض الأحاديث الشريفة والآيات الكريمة التي تحثّ على أهمّيّة بناء جيل ممهّد لدولة صاحب العصر والزمان الإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف، وبالتالي تربية إنسان يكون بالفعل "خليفة الله في أرضه".

3- إطّلاعهم على دور كلّ من الأب والأمّ في تربية الأبناء.

4- إظهار وتبيان حقوق الطفل في الإسلام على والديه.

ب- الإرشاد التربويّ: ولا ينسى فضيلته ذكر دور الإرشاد التربويّ ضمن المدارس وتعاونه معها في حالات كهذه، فهو الذي يقوم برصد الحالات أو الظواهر السلوكيّة غير المرغوب فيها لدى المتعلّمين، والكشف المبكّر عنها، وتشخيص الأسباب بقدر الإمكان للسيطرة عليها ومنع تطويرها وتفاقمها، كما يقوم بمعرفة درجات التنمّر لديهم؛ هل هو تنمّر قويّ، أم متوسّط، أم أقلّ من المتوسّط؟ وعلى هذا الأساس، يبدأ تصميم العلاج والجلسات.

كما يقوم الإرشاد التربويّ، بحسب فضيلته، بإجراءات عدّة، منها:

أوّلاً: دراسة الحالة؛ أي البحث عن الأسباب من خلال وضع الفرضيّات المحتملة بعد مجالسة المتنمّر والأهل خصوصاً.

ثانياً: وضع توصيات للأهل وتزويدهم ببعض الإرشادات والتوجيهات التي تعينهم على تربية أبنائهم واطّلاعهم على خصائص المرحلة العمريّة التي يعيشها ولدهم.

ثالثاً: معالجة الأفكار السلبيّة الموجودة لدى المتنمّر عن الذات والآخرين.

رابعاً: القيام بأنشطة سلوكيّة تساهم في تقدير الذات؛ مثل ممارسة المهارة التي يحبّها وإبرازها؛ لأنّ المتنمّر غالباً ما يعاني من نقص في تقدير الذات.

خامساً: تحميل المتنمّر بعض المسؤوليّات الصفّيّة واللاصفّيّة، أو تفويضه بمسؤوليّة ما كي يشعر بالقوّة المسؤولة.

سادساً: دمج المتنمّر في أنشطة اجتماعيّة، ثقافيّة، فنّيّة، ورياضيّة هادفة.

سابعاً: الإضاءة على الصفات الجيّدة والحميدة التي يتميّز بها.

ثامناً: توجيه بعض التوصيات (التكيفيّة) للمعلّمات التي تجعل الطفل يتكيّف مع الآخرين دون أن يقوم بفعل التنمّر، والتأكيد على أهمّيّة الالتزام بها.

•تجربة علاجيّة
سارة فتاة تعرّضت للتنمُّر من قِبَل زملائها الصبيان المتنمّرين في الصف، فتحوّلت بدورها إلى متنمّرة بسبب غياب دور الراشدين في حلّ مشاكلها في المدرسة، حيث إنها كلّما اشتكت على المتنمّرين للناظرة، لم تكن الأخيرة تأخذ حقّها، بل كانت أحياناً تتّهمها بأنّها هي من افتعلت المشاكل.

هذه الحالة عُرضت على الأخصائيّة النفسيّة فاطمة فرحات، وفي هذا السياق تقول: "إنّ جلسات العلاج النفسيّ حينها تركّزت على شرح مفهوم التنمّر، والأسباب التي قد تدفع بالمتنمّر إلى القيام بأفعاله المؤذية؛ ما يسمح للضحيّة بالإشفاق عليه أو تفهّم وضعه. وتمّ التركيز أيضاً على كيفيّة مواجهة المتنمّر بدون أن يتحوّل الضحيّة إلى متنمّر بدوره هو أيضاً. مضافاً إلى ذلك، تمّ العمل على اكتشاف العوامل التي تجعل من الضحيّة ضحيّة".

•نصائح ختاميّة
وتختم الأخصائيّة النفسيّة حديثها بأنّ على الراشدين تحمُّل المسؤوليّة في حالات كهذه، وعليهم أن يحافظوا على ثقة الأطفال بهم، ويجب أن يتدخّلوا لمنع التنمّر. أمّا فضيلة الشيخ محمّد الحمود، فينهي كلامه بالتنبيه إلى أنّه إذا لم يتمّ التصدّي للسلوك العدوانيّ في الطفولة، فهناك خطر بأن يصبح سلوكاً اعتياديّاً في المستقبل؛ محذّراً من أنّه لا بدّ من التروّي، وعدم التسرّع في الحكم ووصف أحدهم بالتنمّر، قبل أن تتّضح الرؤية.

 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع