نور روح الله | يوم القدس: يوم الإسلام* إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين

احذر عدوك: فتبيَّنوا (1)

 


﴿إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ*لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُّبِينٌ﴾، إلى قوله تعالى: ﴿إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ*وَلَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ مَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ*يَعِظُكُمَ اللَّهُ أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَدًا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ (النور: 11-12، 15-17).


برزت مشكلة نقل الأخبار وبثّها بصحيحها وسقيمها وصالحها المصلح وفاسدها المفسد، دون التدقيق والمراجعة والحذر والتأكّد من صدقها. ومنذ البداية، كانت مفاسد هذه المشكلة بارزة وظاهرة، فيقع ضحيّتها الكثير من الناس، بل دخلت نتيجة ذلك أُمم في حروب حتّى بادت، وما زالت تدمّر المجتمعات وتخرّب بيوت الناس، وتفرّق أهل البلد الواحد.

•سباق للنشر على مواقع التواصل الاجتماعيّ
مع ظهور مواقع التواصل الاجتماعيّ وانتشارها الواسع في مجتمعاتنا، والشغف الكبير الذي ظهر لدى الأفراد لقضاء معظم أوقاتهم يتحادثون عبرها، وحاجتهم إلى الأخبار الجاذبة، أصبح الأفراد يتسابقون لنشر الموادّ المختلفة بشكلٍ كبير وكثيف ومتنوّع من حيث النوع والمضمون؛ فهناك الصور والفيديوهات والنصوص المكتوبة والروابط التي تنقلنا إلى مواقع معيّنة، مضافاً إلى البثّ المباشر للشؤون الخاصّة وغيرها.

لقد ظهرت سلوكيّات جديدة لافتة، وبات مدهشاً اليوم ما وصل إليه التعامل والتفاعل في مواقع التواصل الاجتماعيّ، فانتشرت صور "السيلفي"، وبات كثيرون ينشرون كلّ شؤونهم على حبال الإنترنت دون خجل؛ فضائح وأسراراً عائليّة وزوجيّة يفترض أن تظلّ في مربّع العائلة وتحلّ في البيوت، فأصبحنا نعيش أسرار البيوت لحظة بلحظة، وكأنّنا نسكن مع أصحابها. وباتت النساء والعائلات تقدّم صورها بالمجّان لملايين البشر وبأشكال مختلفة مسهّلة الأمر لمتصيّدي الفرص. وهكذا، لم يعد هناك ما يخفيه الأفراد، فكلّ شيء تطاله عدسة الهواتف الذكيّة، ويقدّم على موائد مواقع التواصل الاجتماعيّ بالمجّان دون اهتمام بخصوصيّة الأُسر والأفراد، وغدت الصور والفيديوهات أكثر ما يتمّ نشره، والمعظم منها تحيط به الشكوك، ونماذج ذلك أكثر من أن تُحصى.

•نتائج النشر الوخيمة
لا يتوقّف الخطر عند نشر الصور والفيديوهات فقط، بل إنّ من يملك خبرة بسيطة في معالجة الصور يستطيع إخراجها عن مضمونها وإخراجها بصورة غير أخلاقيّة، مثل برنامج (dee صلى الله عليه وآله وسلم fake)، الذي هو من أخطر البرامج والتطبيقات، حيث يمكن من خلاله تحريك صورة الشخص بحسب المطلوب وجعلها تتكلّم وبصوته. ومع وجود إمكانات اختراق الهواتف وأجهزة الحواسيب، وصل الخطر إلى الصورة المحفوظة في مواقع التواصل المحميّة بكلمات السرّ.

•الجرائم الإلكترونيّة
لقد امتاز هذا العصر بالانتشار الهائل للأخبار والمعلومات دون التفات إلى نوعها، فالمهمّ بالنسبة إلى الكثيرين هو النشر للأخبار الدسمة مفيدةً كانت أم مضرّة. ولم يعد خافياً على أحد تعدّي شركات خدمات الإنترنت على هذه المعلومات واستخدامها بأشكال مختلفة، تجاريّة وترويجيّة وسياسيّة وأمنيّة، خصوصاً مع غلبة الفكر النفعيّ والرأسماليّ على العالم وسريانه إلى تكنولوجيا الإنترنت، ما سمح للأعداء بالتحكّم بمقدّرات شعوبنا ومجتمعاتنا، والوصول إلى حدّ التأثير على أفكارهم وتغيير آرائهم من خلال الهندسات الاجتماعيّة وإقامة الثورات الوهميّة لتحقيق مآربهم في السيطرة. وقد أمّنت هذه المعلومات المنتشرة في الفضاء الإمكانات المعلوماتيّة لكلّ التجاوزات الأخلاقيّة والاجتماعيّة والعسكريّة والأمنيّة، وقد صار مصطلح الجرائم الإلكترونيّة متداولاً بكثرة على الصعيد الفرديّ والاجتماعيّ والدوليّ.

•الضياع الرقميّ والمعلوماتيّ
ثمّة ما يسمى الآن الضياع الرقميّ والمعلوماتيّ، حيث يضيع الناس بين أنواع وأشكال المعلومات التي تنشر بشكل هادف أو غير هادف لمجرّد الإدمان على النشر، وصارت مواقع التواصل أماكن لرمي القمامة التي اختلطت بها الأخبار الصحيحة والمفيدة بتلك الخاطئة والكاذبة، حيث يضيع الشخص البسيط بين أكوامها، فإذا أخذ منها شيئاً ونشره دون تدقيق وتمييز، يكون قد نشر الأوبئة الفكريّة والاجتماعيّة والأخلاقيّة. وهناك أشخاص ناشطون على مواقع التواصل عملهم فقط بثّ الأخبار الكاذبة والمسيئة والمضرّة والمثيرة للضغائن والفتن والمفيدة للأعداء لمآرب سياسيّة وأمنيّة.

•التعامل مع الأخبار في الإسلام
اهتمّ القرآن الكريم بالتحذير من نشر الأخبار والمعلومات، فاهتمّ مرّةً بالناحية الأخلاقيّة، وأخرى بالناحيتَين الأمنيّة والعسكريّة، وأخرى بالأخبار بشكلٍ عامّ، وبتشكيل قاعدة في التعامل مع كلّ خبر:

1- في المجال الأخلاقيّ: يقول تعالى:
﴿إنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ﴾؛ والإفك هو الخبر الكاذب، والخبر يكون له تأثير عندما يتداوله أفراد من المجتمع نفسه، وإن كان آتياً من خارجه، وهذه هي المشكلة، وهنا الخطر؛ لذلك يكون فيه إثم وعذاب عظيم. فلو رفض المؤمنون وأفراد المجتمع هذا الخبر المضرّ، وكذّبوه، وقالوا: ﴿هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ﴾، أو سعوا للاطمئنان من هذا الخبر، أو طلبوا شهداء يشهدون بحصول مضمونه، لكان خيراً لهم.

المشكلة إذا وصلكم خبر حتّى ولو كان كاذباً، وإفكاً، أو مجهولاً: ﴿ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ﴾ وتتداولونه وتتناقلونه، ﴿وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ﴾، وهذا أمر يشكّل إهانة للناس وللمجتمع المؤمن، وهتكاً للأعراض، وقد يؤدّي إلى إسقاط بعض الناس في أعين الآخرين وإلى إراقة الدماء، ﴿وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا﴾، ولكنّه عند الله تعالى من أعظم الحرمات، وحرمة المؤمن وعرضه أعظم من حرمة الكعبة، ﴿وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيم﴾.

أيّها المؤمنون! هذا الأمر يحتاج إلى تقوى، وخوف من عذاب الله، ووعي لكلّ ما يطلق على ألسنتكم، خصوصاً، ﴿وَلَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ مَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ﴾. هؤلاء الناس الذين يعتبرهم الله تعالى ممّن ﴿يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آَمَنُوا﴾، يهدّدهم بأنّهم ﴿لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا﴾ عقاباً على البهتان وقذف الناس بالسوء، ﴿وَالْآَخِرَةِ﴾ في جهنّم، ﴿وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾.

2- في المجال الأمنيّ: يقول سبحانه: ﴿وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا﴾ (النساء: 83).

أيّها المؤمنون! بعض الناس يسارعون إلى نشر الأخبار التي تثبّط من عزيمة المسلمين، وتضعف معنويّاتهم، وهذا من المحرّمات واتّباع للشيطان وأعوانه من الأعداء.

3- في نقل الأخبار عامّةً: يقول تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ﴾ (الحجرات: 6).

والتتمّة في العدد القادم إن شاء الله.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع