جيلنا الشابّ الذي عقدنا عليه آمالنا -لأنّ مستقبل هذه البلاد بيده والأمل معقود عليه- يجب أن يكون فولاذيّاً صلباً، وذا عزم وبصيرة، ويتسلّح بأنواع أسلحة الحرب الناعمة؛ أي القدرة الروحيّة والفكريّة، وأن يعلم ما الذي يريد أن يفعله، وإلى أين يريد أن يصل، وكيف يجب عليه أن يقطع الطريق، الأمر الذي يستلزم إحياء معارف أهل البيت عليهم السلام. هذا السلاح يصون المجتمع والنظام الإسلاميّ والإسلام والمسلمين. إذاً، نحن بحاجة إلى إحياء معارف أهل البيت عليهم السلام.
نمط العيش الإسلاميّ نعني به نمط عيش الأئمّة عليهم السلام، وهو ما يتوجّب على الجميع التركيز عليه، حتّى يُصار إلى صناعة ثقافة في هذا الشأن. إذا أردنا أن نعيد نمط العيش إلى حالته الإسلاميّة بشكلٍ صحيح مقابل موجة جبهة العدوّ، فهذا هو السبيل. ينبغي صناعة ثقافة في هذا الخصوص. لاحظوا الدعاء الذي يقول: "اللَهُمَّ اجعَل مَحياي مَحيا مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّد، وَمَماتي مَماتَ مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّد"(1)؛ ما معنى محيا؟ معنى محيا هو أن أجعل حياتي ونمط عيشي شبيهَين بحياتهم ونمط عيشهم، هذا ما أرادوا منّا أن نقوله ونعمل به.
لقد استطاع العدوّ -مع الأسف- مستفيداً من ضعف وخيانة رؤساء أنظمة البلدان الإسلاميّة المرتبطين [به]، الترويج لنمط عيشه. إذا كنّا نشاهد لامبالاةً، وإسرافاً، ومشكلات متنوّعة في بلداننا، فالسبب هو الابتعاد عن الأخلاق الإسلاميّة وعن نمط العيش الإسلاميّ. إذا أردنا تحكيم نمط العيش الإسلاميّ، فيجب بناء ثقافة، وإعادة التّيّار نحو الإسلام بكل ما للكلمة من معنى.
•الآخرون أوّلاً
الشائع والمشهور عن السيّدة الزهراء عليها السلام، هو في مجال القضايا الثقافيّة، وقضيّة الحجاب، والوقوف أمام الباطل لتثبيت الحقّ والدفاع عن الولاية، وما شاكل؛ لكنّ هناك جانباً آخر من سلوك هذه الإنسانة العظيمة ومن المعارف الفاطميّة، وهو قضيّة مساعدة الآخرين. وما أريد التحدّث عنه هو قضيّة التضامن الاجتماعيّ ومساعدة الآخرين. عندما يسألها ابنها: لماذا تدعين للآخرين في أدعيتك وتضرّعك؟ تجيب: "يا بُنَيّ، الجّارَ ثُمَّ الدّار"(2)؛ إنّه درس وطريق ومسؤوليّة اجتماعيّة تذكّرنا بها. أو في قضيّة المسكين واليتيم والأسير، حيث يذكر الله تعالى تلك الحادثة بكلّ تلك العظمة في سورة (الإنسان) ما يدلّ على عظيم قدرها: ﴿وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا * إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللهِ﴾ (الإنسان: 8-9).
•مسؤوليّة جامعة
هذه الحادثة حادثة رمزيّة. صبرَ أولئك الأجلّاء على جوعهم، وقدّموا المساعدة لليتيم والمسكين والأسير. لقد حدث هذا الأمر على أرض الواقع لكنّه رمزيّ. كان بوسع السيّدة الزهراء عليها السلام أن تقول لهم: اذهبوا إلى مسجد النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم فهناك مركز الدولة الإسلاميّة. كلّا، واجبات الدولة لا تنفي واجبات المجتمع. من واجب الأفراد في المجتمع أن يساعد بعضهم بعضاً بكلّ ما للكلمة من معنى، سواء المساعدة الماليّة، أو المساعدة الفكريّة، أو المساعدة في حفظ ماء الوجه. ينبغي أن تتكوّن في المجتمعات مختلف أنواع المساعدة. هذا درس فاطميّ ومعرفة فاطميّة.
•نحو صناعة الثقافة
من مشاكل مجتمعنا في الوقت الحاضر قضيّة زواج الشباب. فنسبة الشباب من الفتيات والفتيان عالية، لكنّ مسألة الزواج تواجه تراجعاً في مجتمعاتنا. لذلك، على الأفراد أن يسعوا إلى المساعدة في هذا المجال، ويجب بناء ثقافة في هذا الخصوص.
فعندما يجري الترويج لقلّة الإنجاب وتحديد النسل في الإعلام، سنصل إلى الوضع الحاليّ، الذي يحذّر فيه أصحاب الخبرة والاختصاص ممّا سيحدث بعد عشرين أو ثلاثين عاماً من حيث شيخوخة البلد والمجتمع. فالمجتمع العجوز لا يمكنه الوصول إلى تلك القمم.
إنّ حالات التقدّم كلّها التي عندنا كانت بفضل وجود الشباب ومشاركتهم. الشيوخ وكبار السنّ لهم دورهم بلا شكّ، لكنّ المحرّك الأساسيّ هو الشباب. وإذا حُرم هذا المجتمع من نسبة ملحوظة من الشباب، فسوف يتسلّط العدوّ عليه. بناء هذه الثقافة عمليّة ضروريّة، وهو مسؤوليّة الجميع. تشكيل العائلة يحتاج إلى صناعة ثقافة، والزواج الميسّر يحتاج إلى صناعة ثقافة، وعدم التشدّد في الزواج يحتاج إلى صناعة ثقافة.
(*) من كلمة الإمام الخامنئيّ دام ظله في لقاء جمع من هيئة مداحي وذاكري أهل البيت عليهم السلام، بتاريخ 15/2/2020م.
1.كامل الزيارات، ابن قولويه القمّيّ، ص178.
2.علل الشرائع، الصدوق، ج1، ص182.