د. ريما فخري(*)
عملت المرأة الملتزمة بنهج المقاومة جنباً إلى جنب مع الرجل في مواجهة احتلال العدوّ الإسرائيليّ منذ عام 1982م. وتطوّر عملها مع تطوّر حركة المقاومة في المجتمع، ليغطّي ساحات الجهاد، والمجالات الثقافيّة، والاجتماعيّة، والصحيّة، والتربويّة، وغيرها. وهكذا يمكن القول إنّ المقاومة نجحت في نقل المجتمع، بمكوّناته كلّها؛ من موقع ردّ الفعل على العدوان، إلى موقع الفعل لصناعة مجتمعٍ قويٍّ متطوّر.
•التثقيف النسائيّ ضرورة وليس خياراً
آمن حزب الله منذ تأسيسه بدور المرأة التربويّ، وتنبّه لحساسيّة دورها، خاصّة أنّه انطلق كحركةٍ مقاومةٍ مجاهدةٍ من إيديولوجيّة تُؤمن بأهمّيّة العلم والتعليم، وأنّهما سلاح المجاهدين الأوّل، وأنّ المجتمع المجاهد القويّ هو الذي يملك رؤيةً دينيّة صحيحة وواقعيّة، عن دوره، وهدف وجوده، وما هو المطلوب منه في هذه الدار الفانية، ولكي يميّز الطريق الصحيح ويتمتّع بالبصيرة.
ولأنّ المرأة نصف المجتمع، تقع على عاتقها مهامّ لتنشئةِ الأجيال القادمة بشكل أساس، فيجب أن تمتلك ثقافة خاصّة تؤهّلها للقيام بمسؤوليّاتها على أكمل وجه. ولم يكن هذا خياراً بمقدار ما هو حاجة ضروريّة ملحّة. من جهة أخرى، ينطلق حزب الله من إيديولوجيّة تمتلك نماذج هامّة على صعيد أدوار المرأة، وهي نماذج برّاقة تكفي لتضع معايير الأدوار المطلوبة من المرأة المعاصرة؛ فالسيّدة الزهراء والسيّدة زينب عليهما السلام، تحتلّان مكانة مرموقة في نهج حزب الله وثقافته الدينيّة، وهذان النموذجان قدّما صورةً متكاملة للمرأة المسلمة: الزوجة، الأمّ، الأخت، المرشدة، المربّية، المعلّمة، الناصرة لوليّها، الكلمة الحقّة... والجدير بالذكر أنّ هذين النموذجين قد قدّما الأدوار بأعلى درجات الكمال، وبذلك توافرت خلفيّة ثقافيّة غنيّة جدّاً للمرأة في حزب الله، لتنشأ هنا مؤسّسة ثقافيّة تُعنى بها، وتستلهم عنوانها من "سيّدة نساء العالمين عليها السلام".
•بدء العمل النسائيّ
عام 1991م، ومع تولّي الشهيد السيّد عبّاس الموسويّ (رضوان الله عليه) مهامَّ الأمانة العامّة لحزب الله، تقرّر تنظيم العمل النسائيّ في حزب الله وهيكلته كخطوة ضروريّة في مسار تطوّره ومواكبته للمسار التصاعديّ لعمل المقاومة.لقد تضمّنت الهيكليّة التنظيميّة للهيئات النسائيّة في حزب الله فروعاً واختصاصاتٍ عدّة، نذكر منها: الفرع الثقافيّ، والاجتماعيّ، والإعلاميّ.
وكان المطلوب من هذه الاختصاصات وغيرها وضع البرامج وتنفيذها لخدمة المجتمع وتحقيق رقيّه، والأخذ بيد الناس ليكونوا قادرين على مواجهة تحدّيات الزمان والمكان.
من هنا، كان همّ التوعية الثقافيّة والفكريّة، وبناء الشخصيّة النسائيّة المثقّفة والواعية للتحدّيات الفكريّة الكبيرة، حاكماً على تفكير الفريق وعمله كلّه؛ لهذا كان الحرص دائماً على تنظيم المحاضرات والدروس الدينيّة والثقافيّة، بدءاً من لجان الأحياء، إلى المساجد، والحسينيّات، والمجمّعات الثقافيّة.
•لدروس تفي بالغرض
لكن في هذا السياق، سجّلت الأخوات القيّمات على النشاط الثقافيّ جملة من الملاحظات:
1- إنّ الدروس العامّة لا تفيد الفتيات والسيّدات اللواتي يردنَ التعمّق في الدروس الفكريّة الإسلاميّة.
2- الدروس العامّة لا تؤمّن للطالبات التنوّع في المواد التي يطمح البعض منهنّ لتحصيلها من المدارس الدينيّة، والتي كانت قليلة ومحدودة في ذلك الزمان.
3- دروس الأحياء والحسينيّات لا تؤمّن شهادة علميّة للطالبة، بخلاف الحال مع الحوزات والمعاهد الدينيّة.
•المطالبة بمؤسّسات ثقافيّة
في سياق متّصل، وبسبب وجود حوزات نسائيّة عدّة موزّعة في مناطق البقاع والجنوب وبيروت، ولأنّ نسبة مهمّة من الفتيات والسيّدات يفضّلن الالتحاق بمؤسّسة فكريّة، توفّر لهنّ دراسة العلوم الدينيّة، لكن بأسلوب أكاديميّ، يضمن التنوّع في المواد، ويكون فيه شيء من المرونة، خاصّة لناحية اختيار الموادّ الدراسيّة، وعدد الموادّ التي يمكن لأيّ طالبة أن تأخذها في الفصل الواحد، تقرَّر إنشاء معاهد ثقافيّة.
•تأسيس معهد سيّدة نساء العالمين عليها السلام
أنشئت معاهد على اسم "سيّدة نساء العالمين عليها السلام" في المناطق اللبنانيّة المختلفة، افتتحها عام 1995م الأمين العام لحزب الله سماحة السيّد حسن نصر الله (حفظه الله) بالعبارة التالية:
"نبارك هذه الخطوة الواجبة، واللازمة، والمجاهدة لبدء أعمال هذا المعهد المسمّى باسم كبير للزهراء عليها السلام، اسم سيّدة نساء العالمين، وندعو أن يوفّق الله عزّ وجلّ لأداء المهامّ والتكاليف الملقاة على عاتق هذا المعهد، وأن يحقّق الله عزّ وجلّ على أيدي أخواتنا العزيزات، الطموحات والأهداف المنشودة كلّها في تأسيس معهدٍ ثقافيٍّ في مثل هذه المنطقة وفي مثل هذه المرحلة".
•وتحقّق الهدف
بعد مرور نحو 24 سنة من العمل الطيّب، يمكن القول بثقة، إنّ المعهد نجح في تحقيق هدفه الأوّل: "تعريف الشريحة النسائيّة بالإسلام المحمّديّ الأصيل، والاعتقاد به كمنهج متكامل يقود البشريّة إلى الكمال المنشود". والأمل معقود على مزيد من الجهد والعمل في سبيل تحقيق المزيد من النجاحات، لمواجهة التحدّيات كلّها، والمخاطر، والحرب الثقافيّة التي تُشنّ على مجتمعنا وأمّتنا.
(*) عضو المجلس السياسي في حزب الله.