نور روح الله | يوم القدس: يوم الإسلام* إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين

معاهد سيّدة نساء العالمين: رحلة التثقيف والتخصّص

حوار: الشيخ موسى منصور


كحفنةٍ من قمحٍ توضّأ ذات نصر بلون الطهر، واستعار من نجمة الصباح بردة الألق، ألقته كفّ روح الله المولود بتوقيت فاطمة عليها السلام، فاستحال على يديه دُرّاً كأنّه من نثارها، فحملته نسائم العشق من ناحية الشرق، وبعدل عادل عانق كلّ تراب فاطميّ الهوى، وكان قبلُ، على هامش الأرض، فأدركته السماء وروته الدماء، فأنبت سبع سنابل وأكثر، كلّ سنبلة أعطت طهراً وستراً ومواكب ولاء تمشي على استحياء؛ لأنّها على حبّ فاطمة زُرعت، فصارت اليوم صروح علم وجهاد: إنّها معاهد سيّدة نساء العالمين عليها السلام الثقافيّة.

عن الاستراتيجيّات والأهداف، كان اللقاء مع مسؤول وحدة الدراسات والمتون الثقافيّة سماحة السيّد علي الموسويّ، وعن التأسيس والمناهج والتحدّيات، كان محور لقائنا بمسؤول وحدة التبليغ والأنشطة الثقافيّة سماحة السيّد علي فحص.


المحور الأوّل: الاستراتيجيّات والأهداف
•ما هي الاستراتيجيّات التي يُراد إيصال هذه المعاهد إليها في المستقبل؟
تقوم حركة معاهد سيّدة نساء العالمين عليها السلام على أساس الاستراتيجيّات المرسومة والنابعة من الاحتياجات الفعليّة في مجتمع المقاومة، فشكّلت الأهداف التعليميّة المرتبطة بالأسرة وتربية الأبناء محوراً مهمّاً في الأهداف التي وزّعت على المواد المدرجة في برامج المعاهد. وبعبارة أخرى، يمكننا القول: إنّ برنامج معاهد سيّدة نساء العالمين عليها السلام لاحظ مختلف الأبعاد في شخصيّة المرأة المسلمة، هذه الشخصيّة المستكشفة من النصوص الدينيّة التي تتحدّث عن طبيعة المرأة والدور الموكل إليها، ولا تلحظ فقط الدور الأسريّ، بل حتّى الدور الاجتماعيّ والبنائيّ العامّ. ولا شكّ في أنّ بعض السياسات الجديدة للعمليّة التعليميّة تلاحظ اختلاف الأساليب التعليميّة، فلم يعد الأسلوب التلقينيّ هو الوحيد المعتمد، بل انضمّ إليه، في المعاهد، أسلوب التفاعل عبر ما يُسمّى (الورش العلميّة)، والتي تعتمد على مجموعة من البطاقات تجعل المتلقّي متفاعلاً، مبرزاً ما لديه من رؤى أمام القضيّة التي يُراد تعليمها.

ونظراً إلى انتشار المعاهد على الأراضي اللبنانيّة كافّة، تمّ وضع خطّة للوصول إلى بصمة واحدة للمعاهد في أيّ بقعة جغرافيّة كانت، بنحو تتجلّى وحدة المؤسّسة التعليميّة فيها.

•ترتبط نظرة حزب الله إلى المرأة بمجموعة من القيم والآداب، فإلى أيّ حدّ تلحظ هذه المعاهد القيم التربويّة المناطة بدور المرأة، وقضايا الأسرة؟
نحن نتحدّث عن مكوّن أساس في المجتمع المتمثّل بالمرأة، وانطلاقاً من الأدوار الموكلة إليها دينيّاً واجتماعيّاً، كان لا بدّ من أن تلحظ المعاهد القيم المرتبطة بالأمرين، فنحن نسعى بالفعل إلى أن نحقّق في المعاهد البيئة اللازمة لتكون خِرِّيجة هذه المعاهد مثالاً للمرأة المؤمنة المجاهدة التي يمكنها بوصفها زوجة أو أمّاً أو ابنة، أن تكون سنداً وداعماً للمكوّن الاجتماعيّ الآخر، وهو الرجل، ولكي تقوم بدورها على الصعيد الأسريّ، وكذلك بوصفها حاضرة في ساحة المقاومة تمارس دوراً في المجتمع، وفي المَواطن التي تحتاج إلى تعليم الناس أو تعريفهم بمبادئ الجهاد والمقاومة، أو نقل التجربة الإسلاميّة أو غير ذلك.

•اتّخذت المعاهد من اسم (سيّدة نساء العالمين عليها السلام) عنواناً شاملاً لها. أيّ رسالة يقدّمها هذا العنوان؟ وكيف يُترجم في سياسات المعاهد؟
إنّ عظمة مقام الصدّيقة الكبرى عليها السلام بما لها من شأن خصّها الله به يجعلها النموذج الأعلى (سيّدة نساء العالمين)، فمضافاً إلى الارتباط العاطفيّ بهذه الشخصيّة الإلهيّة، الذي يؤهّل الطالبة لتلقّي المعارف الفاطميّة، يأتي الارتباط بالشخصيّة الفاطميّة من الناحية التربويّة؛ فهي تشكّل النموذج الذي يمكن محاكاته على مستوى الأمّ والزوجة والابنة، وكذلك الارتباط بالشخصيّة الفاطميّة من الناحية الاجتماعيّة والدور المستلهَم من وظائف الصدّيقة الطاهرة عليها السلام في مجتمع المدينة المنوّرة آنذاك.

إنّ الكثير من المعارف يمكن أن تتجلّى من خلال سيرة السيّدة الزهراء عليها السلام، ولا سيّما إذا جعلنا من هذه السيرة مادّة لتستكشف الفتاة المسلمة الدور الموكل إليها بنفسها، ولكي تستشعر أهميّة هذا الدور لتطوير أدائها في القيام به.

•كيف يمكن دعم دور المرأة الدينيّ من خلال هذه المعاهد؟ مثلاً: هل يمكن حصر الكادر التدريسيّ بالمدرّسات نتيجة تحلّيهنّ بالكفاءة العلميّة؟
إنّ نشأة هذه المعاهد ترتبط بأهداف متعدّدة، ودائرة هذا الاستهداف، وإن كان يرتبط أوّلاً وتحديداً بإعداد المرأة العارفة بدينها والمتمسّكة بأحكام هذا الدين، ولكنّه يتعدّى ذلك إلى الدور المرتبط بمتطلّبات المجتمع، فنحن نحتاج إلى المدرّسة التي تستطيع أن تكمل دور من سبقها، والمبلّغة التي يمكنها أن تنشر الثقافة الدينيّة لدى سائر المؤمنات، والكادر الذي يتمكّن من إدارة العمل الثقافيّ والدينيّ حيث تدعو الحاجة، والمجاهدة التي يمكنها أن تحفظ بيئة المقاومة، والمرأة في ظلّ الحرب الناعمة التي نشهدها، تقف على ثغر مهمّ من ثغور المجتمع وهو الأسرة خاصّةً، وثقافة المرأة بشكل عامّ من ناحية أخرى؛ وذلك لأنّ الحرب الناعمة تستهدف الفتاة الناشئة لتقوم بتغيير ما لديها من مفاهيم بغطاء مموّه قد يبدّل قناعات تلك الفتاة، وتحصين الفتيات من مخاطر ذلك هو من وظيفة الخرّيجات في معاهد سيّدة نساء العالمين عليها السلام.

•كيف يمكن لهذه المعاهد أن تقدّم النموذج الإسلاميّ للمرأة في عصر التمهيد؟ وأين يكمن دورها التمهيديّ؟
لا يمكن لفكرة المرأة الممهّدة أن تغيب في عصر الغيبة الكبرى، فالارتباط بالإمام صاحب العصر والزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف، سواء على المستوى الفرديّ المرتبط بالبناء الذاتيّ للنفس التي تكون مؤهّلة لأن تكون من أنصاره، أو على المستوى الاجتماعيّ من خلال المساهمة في بناء الجماعة الصالحة التي تمهّد للظهور أو تكون صانعة لهذا الظهور؛ ومن هنا كانت الموادّ التعليميّة والتربويّة ذات الصلة بالإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف وثقافة الانتظار ووظائف عصر الغيبة حاضرة في المعاهد، وكذلك ما يرتبط بالوعي السياسيّ والارتباط بالوليّ الفقيه كنائب للإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف. وقد شكّلت مواد قضيّة الولاية أساساً مهمّاً في برنامج المعاهد، والمتمثّل بمجموعة من الدروس والورش العمليّة والأنشطة ذات الصلة بخطّ الإمام الخمينيّ قدس سره وفكر الإمام الخامنئيّ دام ظله.

المحور الثاني: التأسيس والمناهج والتحدّيات

•كيف نشأت فكرة تأسيس معاهد سيّدة نساء العالمين عليها السلام؟
نشأت فكرة تأسيس المعاهد عبر مراحل؛ ففي العام 1992م تأسّس أوّل المعاهد النسائيّة في منطقة الجنوب، تلتها منطقة بيروت في العام 1995م، ثمّ البقاع عام 1999م، فالشمال في العام 2001م، وكان ثمّة اختلاف فيما بينها من حيث المناهج والأهداف. في الجنوب مثلاً، أخذت المعاهد صيغة وبرامج الحوزات، أمّا في البقاع، فكانت -مضافاً إلى المواد الثقافيّة- تعتمد على تمكين المرأة من مهارات متعدّدة؛ كالخياطة والتعلّم على الحاسوب وما شابه ذلك.

في بيروت، كانت الصورة أكثر وضوحاً، فالمواد التي كانت تُدرَّس هي موادّ ثقافيّة متنوّعة تهتمّ بتثقيف المرأة وتمكينها على مستوى العقيدة والفقه والأخلاق والسيرة. بدأت عام 1998م إرهاصات الدمج والتوحيد تظهر من خلال بعض اللقاءات -غير الرسميّة- على المستوى الفنيّ، وذهبنا باتّجاه وضع برامج محدّدة وبشكل مركّز تحت إطار الوحدة الثقافيّة المركزيّة، أخذت في البداية ما كنّا ننفّذه في الدورات الثقافيّة (جنود، أنصار، ممهّدون)، وصارت هذه البرامج تُنفّذ في المعاهد بشكل كامل مع بعض الاستثناءات لبعض الموادّ التي تخصّ المرأة والفتاة. كنّا حينها نستفيد من حركة المقاومة بما تمثّل من حالة معنويّة، وهذا ما كان ينعكس على الحالة الاستقطابيّة وعلى الحماسة لدى الأخوات، إلى أن عُقد مؤتمر مركزيّ للمناطق كافّة في العام 2003م عُرضت فيه كلّ البرامج التي تطبّق على المستويات كلّها، وفي نهاية المطاف ذهبنا إلى توحيد المعاهد وتشكيل الإدارة العامّة لها ضمن برامج موحّدة، تحت تسمية واحدة هي معاهد سيّدة نساء العالمين عليها السلام الثقافيّة.

•حبّذا لو تحدّثونا عن مراحل الدراسة في معاهد سيّدة نساء العالمين عليها السلام الثقافيّة.
ما استقرّ عليه الأمر في المعاهد اليوم، تقسيم الدراسة إلى ثلاث مراحل:

1- المرحلة العامّة (سنة واحدة): يقدّم المعهد فيها الثقافة العامّة والمسائل الابتلائيّة.

2- مرحلة الإجازة (أربع سنوات): وهذه المرحلة تخرّج المرأة كادراً في المجتمع: أمّ قادرة على التربية، وزوجة قادرة على إدارة المنزل، وأخت قادرة على التأثير والاستقطاب، فضلاً عن حصانتها الذاتيّة، وتمكّن المرأة من الدفاع والتوضيح والتبيين.

3- مرحلة التخصّص: تهدف إلى تخريج أخت متخصّصة في العزاء والسيرة الحسينيّة أو التربية أو أو علم الفقه أو العقائد أو علوم القرآن أو الأخلاق الإسلاميّة، وقد آتت مرحلة الاختصاص أُكُلها؛ لأنّ الأعمّ الأغلب من المدرّسات في المعاهد اليوم هنّ من خرّيجات المعهد.

•كيف تتوزّع المعاهد في لبنان؟ وما هو مدى الإقبال عليها؟ وإلى أيّ حدّ هي فاعلة ومؤثرة في الناس بحسب ما يردكم؟
يوجد نحو 27 معهداً منتشراً على الأراضي اللبنانيّة كافّة: من الشمال إلى جبيل وكسروان، مروراً ببيروت وبعلبك الهرمل والبقاع الغربيّ، وصولاً إلى صور والنبطيّة. أمّا التفاعل فهو جيّد، يختلف بين منطقة وأخرى. وما يدلّ على التفاعل هو عدد المنتسبات سنويّاً، إذ يبلغ متوسّط الرقم 2500 أخت. وهذا الرقم قابل للزيادة فيما لو وصلت رسالة المعاهد وأهدافها إلى أكبر عدد ممكن من أخواتنا من خلال الترويج.

وقد أقمنا في بعض المناطق منذ أربع سنوات برامج استثنائيّة تلبّي حاجات الطالبات الجامعيّات، لعدم قدرتهنّ على الالتزام بالبرنامج اليوميّ، تخضع خلاله الطالبات لبرنامج خاصّ خلال يوم أو يومين أسبوعيّاً. وقد استقطب عدداً لا بأس به، وهذا دليل على التفاعل والاستفادة التي يتمّ تحصيلها من المعاهد بالأخصّ في زمننا.

•ما هي التحدّيات التي تعترض طريق معاهد سيّدة نساء العالمين عليها السلام في تأدية دورها؟
من أكثر الصعوبات في ظلّ التحدّيات الثقافيّة الكبيرة، وفي ظلّ الحرب الناعمة، كيف نقدّم المعهد -خاصّة للطالبات الجامعيّات- بصورةٍ نموذجيّة جاذبة تفاعليّة.

عندما يريد عدوّنا طرح أيّ إشكاليّة، فإنّه يعتمد على ذوي الاختصاص وعلى أساليب متعدّدة. ومواجهة هذا العدوّ أصبحت تحتاج إلى علم ومعرفة وكفاءة ومهارة. ونحن اليوم معنيّون بأن نطوّر إمكانيّاتنا لنثبت حضورنا في الأسرة والمجتمع والجامعة.

•ختاماً، ما هي النصيحة التي توجّهونها للأخوات اللواتي يرغبن في تحصيل العلوم الدينيّة ولديهنّ بعض الهواجس أو المعوّقات الحياتيّة، وللواتي لم يفكّرن بعد في الانتساب؟
إنّني أنصح كلّ فتاة وامرأة وزوجة أن تنتسب إلى أحد المعاهد؛ لأنّها بالحدّ الأدنى تصبح محصّنة وقادرة على التربية وإدارة البيت بشكل علميّ، خاصّة في ظلّ وجود حضانة للأطفال في المعاهد كلّها. وهذا أمر مريح للأمّ الطالبة، كما أوجّه النصيحة عينها لطالبات الجامعات للاستفادة من البرنامج المخصّص لهنّ، والذي يجري تطبيقه بمرونة. كما أنصح الإخوة أنْ يوجّهوا أخواتهنّ وزوجاتهنّ باتّجاه المعاهد ليحصلْنَ على الفوائد المرجوّة والمتوقّعة التي ذكرناها. وقد أُجريَ استبيان حول أداء المنتسبات إلى المعاهد، وكانت النتيجة التحسّن الكبير في الأداء التربويّ وإدارة وتدبير المنزل وإدارة الحياة الزوجيّة.

نسأل الله تعالى أن تكون هذه المعاهد تحت رضى مولانا صاحب العصر والزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف، وعاملاً للتمهيد، وأن تكون القدوة هي شخصيّة السيّدة الزهراء عليها السلام في أبعادها المتنوّعة.

 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع