مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

نور روح الله: من آداب الشهادة الثانية(*)

إنّ حضور الإنسان الكامل في الصلاة واضح بارز. ومع أنّ الصلاة هي روح العبادة، وأنّ العبادة لا تصحّ لغير الله، وأنّ الصلاة قد أُقيمت لأجل ذكر الله، فإنّ المسلمين جميعاً متّفقون على ذكر النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم في أذانهم وإقامتهم وصلاتهم. فما هو سرّ حضور النبيّ العظيم في هذه العبادة التوحيديّة الخالصة؟ وما هي الآدا ب التربويّة للتمسّك بولاية النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم وآله عليهم السلام في هذه الحركة المعنويّة العروجيّة؟

* ضرورة التمسّك بهداة الطريق
إنّ التمسّك بأولياء النعم الذين اهتدوا إلى طريق العروج إلى المعارج، وأتمّوا السير إلى الله، من لوازم السير إلى الله؛ كما أشير إلى ذلك في الأحاديث الكثيرة.
وقد رُوي في الكافي الشريف عن محمّد بن مسلم، قال: سمعت باقر العلوم عليه السلام يقول: "واعلم، يا محمّد، أنّ أئمّة الجوَر وأتباعهم لمعزولون عن دين الله؛ قد ضلّوا وأضلّوا؛ فأعمالهم التي يعملونها ﴿كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ لّاَ يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُواْ عَلَى شَيْءٍ ذَلِكَ هُوَ الضَّلاَلُ الْبَعِيدُ﴾ (إبراهيم: 18)"(1).

 وفي رواية أخرى عن أبي جعفر الباقر عليه السلام أنّه قال: "أمّا لو أنّ رجلاً قام ليله، وصام نهاره، وتصدّق بجميع ماله، وحجّ جميع دهره ولم يعرف ولاية وليّ الله فيواليه، فتكون جميع أعماله بدلالته إليه، ما كان له على الله حقّ في ثوابه، ولا كان من أهل الإيمان"(2).
وروى الصدوق بسنده عن أبي حمزة الثمالي، قال: قال لنا عليّ بن الحسين زين العابدين عليه السلام : "أيّ البقاع أفضل؟"، فقلت: الله ورسوله أعلم، فقال: "إنّ أفضل البقاع ما بين الركن والمقام، ولو أنّ رجلاً عُمِّر ما عُمِّر نوح في قومه ألف سنة إلّا خمسين عاماً، يصوم النهار، ويقوم الليل في ذلك الموضع، ثمّ لقي الله بغير ولايتنا لم ينفعه ذلك شيئاً"(3).

* الرسالة الختميّة وأثر الشهادة بها
أمّا آداب الشهادة بالرسالة، فهي أن يوصل الشهادة بالرسالة من الحقّ إلى القلب؛ وخصوصاً الرسالة الختميّة، التي تتنعّم جميع موجودات دائرة الوجود، من عوالم الغيب والشهود، تكويناً وتشريعاً ووجوداً وهدايةً من سقطات موائد نعمها، وإنّ ذاك السيّد الكريم [الرسول صلى الله عليه وآله وسلم] هو الواسطة لفيض الحقّ، والرابط بين الحقّ والخلق. ولولا مقام روحانيّته وولايته المطلقة، لم يكن لأحد من الموجودات لياقة الاستفادة من مقام الغيب الأحديّ، ولما عَبَرَ فيض الحقّ إلى موجود من الموجودات، ولما أشرق نور الهداية في عالم من عوالم الظاهر والباطن. وذاك السيّد صلى الله عليه وآله وسلم لهو النور الذي ورد في آية: ﴿اللهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ (النور: 35).
فإذا دخلت عظمة مشرّع الدين ورسول ربّ العالمين صلى الله عليه وآله وسلم في قلب الإنسان، يدخل فيه أهميّة أحكامه وسننه وعظمتها؛ فإذا أدرك القلب عظمتها خضعت له سائر القوى النفسيّة، ونفذت الشريعة المقدّسة في جميع المملكة الإنسانيّة.

* لماذا هذه الشهادة في الأذان؟
وقد علم ممّا ذُكر إلى الآن، ارتباط الشهادة بالرسالة بالأذان وإقامة الصلاة؛ لأنّ السالك في هذا الطريق الروحانيّ محتاج إلى التمسّك بذاك الوجود المقدّس للرسول صلى الله عليه وآله وسلم حتّى يعرج بمصاحبته وتأييده في هذا العروج الروحانيّ.
فإذا كان الأذان إعلان بدء السفر الروحانيّ، فلا بدّ من اتّخاذ الرفيق قبل الطريق. وهذا الرفيق هو الهادي والدليل في جميع مراحل السفر إلى الله.

* الصلاة كشف محمّديّ
في هذه الشهادة، إعلانٌ للقوى النفسيّة بأنّ الصلاة، التي هي حقيقة معراج المؤمنين ومنبع معارف أصحاب العرفان وأرباب اليقين، هي نتيجة الكشف المحمّديّ التامّ صلى الله عليه وآله وسلم، وهو صلى الله عليه وآله وسلم بسلوكه الروحانيّ والجذبات الإلهيّة والجذوات الرحمانيّة قد وصل إلى مقام قاب قوسين أو أدنى، وتبعاً للتجلّيات الذاتيّة والأسمائيّة والصفاتيّة والإلهامات الأنسيّة كشف حقيقة هذه الصلاة من الحضريّة الأحديّة الغيبيّة. وفي الحقيقة، هي هديّة لأمّته خير الأمم جاء بها من هذا السفر المعنويّ الروحانيّ، ومنَّ عليهم بها، وأغرقهم في بحر النعمة.
فإذا استقرّت هذه العقيدة في القلب، ومُكِّنت بالتكرار، فسيدرك السالك عظمة المقام وجلالة المحلّ البتّة، ويطوي هذه المرحلة بقدمَي الخوف والرجاء. والمرجوّ منه صلى الله عليه وآله وسلم أن يؤيّده، إن شاء الله، ويقرّبه إلى مقام القرب الأحديّ الذي هو المقصد الأصليّ والمقصود الفطريّ، إذا قام السالك بالأمر بمقدار مقدوره. وقد ثبت في العلوم الإلهيّة، أنّ معاد الموجودات جميعها إنّما يتحقّق بتوسّط الإنسان الكامل ﴿كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُون﴾ (الأعراف: 29)، "بكم فتح الله وبكم يختم"(4)، "وإياب الخلق إليكم"(5).
 


(*) مقتبس من كتاب: الآداب المعنوية للصلاة، الفصل الرابع في الأذان، ص110.
1- بحار الأنوار، المجلسي، ج8، ص369.
2- وسائل الشيعة، الحرّ العامليّ، ج1، ص118.
3- بحار الأنوار، (م.س)، ج7، ص173.
4- مستدرك الوسائل، الميرزا النوري، ج10، ص423.
5- بحار الأنوار، (م.س)، ج99، ص139.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع